إذا فاتها روضُ الحمى وجنوبهُ – مهيار الديلمي

إذا فاتها روضُ الحمى وجنوبهُ … كفاها النسيمُ البابليُّ وطيبهُ

و كم حبَّ من وادٍ إلى العيش مجدبٍ … و أبغضَ مثرى آخر وخصيبهُ

و ما الجانبُ المسكونُ إلا وفاقهُ … هوى النفس لا خضراؤه وعشيبهُ

فدعها تلسُّ العيشَ طوعَ قلوبها … فأمرعُ ما ترعاه ما تستطيبهُ

و إن الثمادَ البرضَ في عزَّ قومها … لأنقعُ من جمًّ يدلُّ غريبهُ

و أشبعها ألاّ تكون طرائدا … إذا شلَّ من سرح المسيمِ عزيبهُ

و أن كان حياً بالحمى إن توفرتْ … من الوجد مبرى دائها وطيبهُ

و كلُّ هلالٍ ذو الأراك حجابهُ … يسرُّ البدورَ الطالعاتِ مغيبهُ

تحولُ الرماحُ العامرية ُ دونه … فيقظُ راجيه ويعيا طليبهُ

و أتعبُ من حاولتَ يا قلبُ وصلهُ … حبيبٌ سنانُ السمهريَّ رقيبهُ

يصيبُ بعيدا سهمهُ كلَّ من رمى … و ترميه أيدٍ حولهَ لا تصيبهُ

يلوم على نجدٍ ضنينٌ بدمعهِ … إذا فارق الأحبابَ جفتْ غروبهُ

و هل طائلٌ في أن يكثر عذله … إذا قلَّ من إصغاءِ سمعي نصيبهُ

و ما الناسُ إلا منْ فؤادي فؤادهُ … لأهلِ الغضا أو من حبيبي حبيبهُ

سأرعى الذي بيني وبينَ ملونٍ … شربتُ على صفوى له ما يشوبهُ

خذيني بغيرِ الغدرِ خلقاً وإن جنى … على الوفاءُ قرفهُ وندوبهُ

فذلك طينُ الأرضِ لم تبنَ فطرتي … عليها وما ماءٌ سقاني قليبهُ

خلقتُ يداً دون الصديق وجنة ً … يردُّ بها عن صدره ما ينوبهُ

ركودي إلى الجوّ العريض ركودهُ … إذا رام أمرا أو هبوبي هبوبهُ

و أصفحُ عنه عاذرا متأولا … و إن كثرتْ زلاتهُ وذنوبهُ

و يقنعني منه ظهارة ُ وجههِ … فلا أسأل التفتيشَ كيفَ مغيبهُ

و من طال عن خبرِ الأخلاء بحثهُ … ليبلوهم لم يخلُ مما يريبهُ

دعيني يكن خصمي زمانيَ وحدهُ … و تكفيكِ لي أحداثهُ وخطوبهُ

هو الطرفُ غرتْ رحلتي خطواتهُ … و زمتْ فكان الليثَ صعباً ركوبهُ

أصافح من كفيه صلَّ خديعة ٍ … لغير التحايا أهلهُ ورحيبهُ

و لولا رجالٌ هم أساة ُ جروحهِ … جرتْ بدمي أظفارهُ ونيوبهُ

لتسقِ بني عبد الرحيم أكفهم … فأروى الحيا وكافهُ وصبيبهُ

و ما السيلُ ذو الدفاعِ يرغو جفاؤه … بأمرعَ من وادٍ نداهم يصوبهُ

هم القاتلونَ الأزمَ والعامُ مسنتٌ … يقطبُ في وجهِ المسيم جدوبهُ

و هم إن شكا الفضلُ الغريبُ انفراده … قبائلهُ دون الورى وشعوبهُ

ملوكٌ على الأيام بيتُ علائهم … تناط بأعناق النجوم طنوبهُ

ربا الملكُ طفلاً ناشئا في حجورهم … و أشيبُ هذا الدهر بعدُ ربيبهُ

لهم تاجهُ المعصوبُ أيامَ تاجهِ … و فيهم أخيرا سيفهُ وقضيبهُ

مواريثُ فيهم نصها إن مضى أبٌ … يسدُّ الذي سدَّ ابنهُ وينوبهُ

و أمواتهم فيهم كأحياءِ غيرهم … إذا ظلعَ المركوبُ جاء جنيبهُ

إذا ما زعيم الدين حدثَ عنهمُ … تواردَ شبانُ الفخارِ وشيبهُ

هو البلجة ُ البيضاءُ في وجه عزهم … إذا شان عزَّ القوم بابنٍ شحوبهُ

يرى نصرهم ما سار من حسن ذكرهم … فتنشرهُ أفعالهُ وتطيبهُ

فتى ً كملتْ فيه أداة ُ اكتهالهِ … و غصنُ الصبا لم يعسُ بعدُ رطيبهُ

تحمل أعباءَ الرياسة ناهضا … فما لان من عرض الرجال صليبهُ

و من عجبٍ أن البكارَ جليدة ٌ … و قد عقرتْ بزلُ الطريق ونيبهُ

و كم سابقٍ فيهم ولم يحفَ رسغهُ … و لا ابتلَّ في شوطِ الرهانِ سبيبهُ

و من منجبٍ فيه أبوه وأمهُ … و ما ولدُ الإنسانِ إلا نجيبهُ

لهم يومَ يحتدُّ الجلادُ كميهُ … و يومَ الترامي بالكلام خطيبهُ

فلا محفلٌ إلا وفيهم صدورهُ … و لا جحفلٌ إلا وفيهم قلوبهُ

أبا حسنٍ باهلْ بهنَّ فضائلا … لحاسدها حرُّ الجوى ولهيبهُ

يعيبكَ مثنيٌّ على الغيظ صدرهُ … خوافقهُ تزوى به ووجيبهُ

و كيفَ ينالُ العيبُ أطرافَ ماجدٍ … محاسنُ أبناءِ الزمانِ عيوبهُ

و قال وهلْ في الناس من هو فوقه … فقلتُ نعم . إن كان فيهم ضريبهُ

كريمٌ إذا ما ظلَّ يقسم مالهُ … فانزرهُ مستقسما ما يصيبهُ

يحبُّ ثراءَ المال حبا لبذله … و ليس كسوبَ المالِ إلا وهوبهُ

أطلتَ يدي بالنصر في نيلِ مطلبي … فأصبح لي أقصاه وهو قريبهُ

و أمكنتني من ظهر حظي وعرفهِ … فأسمحَ لي بعد الشماسِ ركوبهُ

و أغنيتني عن كلَّ مرعى أرودهُ … و فجً على تيهِ الطريق أجوبهُ

و كم جمدَ الرزقُ البطيءُ على يدي … فسلسلتَ من كفيك ماءً يذيبهُ

و لا خلفَ إلا من عصابكَ درهُ … و لا جفرَ إلا من نداك ذنوبهُ

إذا روعتْ سرحي من الدهر روعة ٌ … زأرتَ فلم يعسلْ من الخوف ذيبهُ

فقد صار يحبوني الذي ما سألتهُ … و يخطبُ مني المدحَ من لا أجيبهُ

فلا يخبُ من نعماك بدرٌ أضاءَ لي … زماني ولا نجمٌ هداني ثقوبهُ

و لا تتغيرْ من وفائك عادة ٌ … يرى المجدُ في أثنائها ما يعيبهُ

و لا برحتْ تطرو اليك شواردٌ … يلين لها وعرُ الفلا وسهوبهُ

مطبقة ٌ ما طبق الأفقُ سيرها … بوصفك مسرى ليلها وذؤوبهُ

من الكلمِ السهلِ المنيعِ مرامعة ُ … على الناس والنزرِ الكثيرِ عجيبهُ

ترقرقَ حسنا فامترى كلُّ سامع … به وهو مخلوبُ الفؤاد طروبهُ

أسربلُ منه المهرجانَ مفاضة ً … يصان بها عريانهُ وسليبهُ

ينوبان من ناديك أمنعَ جانبٍ … و أنضرَ ربعٍ غضهُ وقشيبهُ

مدى الدهر ما هبَّ النسيمُ لناشقٍ … و دبَّ على وجه الصعيدِ دبيبهُ

على شرطِ عزًّ لا تحولُ رسومهُ … و سرحِ نعيمِ لا تراعُ سروبهُ