إذا عمّ صحراءَ الغميرِ جدوبها – مهيار الديلمي
إذا عمّ صحراءَ الغميرِ جدوبها … كفى دارَ هندٍ أنَّ جفني يصوبها
وقفتُ بها والطرفُ مما توحشتْ … طريدُ رباها والفؤادُ جذبيها
و قد درستْ إلا نشايا عواصفٌ … من الريح لم يفطنْ لهنّ هبوبها
خليليَّ هذي دار أنسى وربما … يبينُ بمشهودِ الأمور غيوبها
قفا نتطوعْ للوفاء بوقفة ٍ … لعلّ المجازي بالوفاء يثيبها
فلا دارَ إلا أدمعٌ ووكيفها … و لا هندَ إلا أضلعٌ ووجيبها
و عيرتماني زفرة ً خفَّ وقدها … ملياً وعيناً أمس جفتْ غروبها
فإن تك نفسي أمس في سلوة ٍ جنتْ … فقد رجع اليومَ الهوى يستتيبها
و إن يفنِ يومُ البين جمة َ أدمعي … فعند جفوني للديار نصيبها
تكلفني هندٌ إذا التحتُ ظامئا … أمانيَّ لم تنهزْ لريًّ ذنوبها
و أطلبُ أقصى ودها أن أنالهُ … غلاباً وقد أعي الرجالَ غلوبها
بمنعطف الجزعين لمياءُ لو دعتْ … بمدينَ رهباناً صبتْ وصليبها
إذا نهض الجاراتُ أبطأَ دعصها … بنهضتها حتى يخَّ قضيبها
تبسمُ عن بيضٍ صوداعَ في الدجى … رقاقٍ ثناياها عذابٍ غروبها
إذا عادتِ المسواكَ كان تحية ً … كأنّ الذي مسّ المساويكَ طيبها
و كم دون هندٍ رضتُ من ظهرِ ليلة ٍ … أشدَّ من الأخطارِ فيها ركوبها
فنادمتها والخوفَ تروي عظامها ال … مدامُ ويروي بالبكاء شريبها
إذا شربتْ كأسا سقتني بمثلها … من الدمع حتى غاض دمعي وكوبها
حمى اللهُ بالوادي وجوها كواسيا … إذا أوجهٌ لم يكسَ حسنا سليبها
بواديَ ودَّ الحاضرون لو أنها … مواقعُ ما ألقتْ عليه طنوبها
إذا وصفَ الحسنَ البياضُ تطلعتْ … سواهمُ يفدي بالبياض شحوبها
و لله نفسٌ من نهاها عذولها … و من صونها يوم العذيبِ رقيبها
لكلَّ محبًّ يومَ يظفرُ ريبة ٌ … فسلْ خلواتي هل رأت ما يريبها
إذا اختلطت لذاتُ حبًّ بعارهِ … فأنعمها عندي الذي لا أصيبها
و ساء الغواني اليومَ إخلاقُ لمتى … فهل كان مما سرهنّ فشيبها
سواءٌ عليها كَثُّها ونسيلها … و ناصلها من عفتي وخضيبها
و تعجبُ أن حصتْ قوادمُ مفرقي … و أكثر أفعالِ الزمانِ عجيبها
و من لم تغيره الليالي بعدهِ … طوالَ سنيها غيرته خطوبها
إذا سلَّ سيفُ الدهر والمرءُ حاسرٌ … فأهون ما يلقي الرؤسَ مشيبها
يعدد أقوامٌ ذنوبَ زمانهم … فمن لي بأيامٍ تعدُّ ذنوبها
يقولون دارِ الناسَ ترطبْ أكفهم … و منْ ذا يداري صخرة ً ويذيبها
و ما أطمعتني أوجهٌ بابتسامها … فيؤيسني مما لديها قطوبها
و في الأرض أوراقُ الغنى لو جذبتها … لرفَّ على أيدي النوال رطيبها
إذا إبلي أمستْ تماطلُ رعيها … فهل ينفعني من بلادٍ خصيبها
عذيريَ من باغٍ يودّ لنفسهِ … نزاهة َ أخلاقي ويمسي يعيبها
إّذا قصرتْ عني خطاه أدبَّ لي … عقاربَ كيدٍ غيرُ جلدي نسيبها
و من أملي في سيد الوزراء لي … مطاعمُ يغني عن سواها كسوبها
إذا ما حمى مؤيدُ الملكِ حوزة ً … من الصمَّ يقدرْ عليها طلوبها
عليَّ ضوافٍ من سوالفِ طولهِ … يجررُ أذيالَ السحاب سحوبها
و عذراءَ عندي من نداهُ وثيبٍ … إذا جليتْ زانَ العقودَ تريبها
عوارفُ تأتي هذه إثرَ هذه … كما رافدتْ أعلى القناة ِ كعوبها
إذا عددَ المجدُ انبرينَ فوائتا … عقودَ البنانِ أن يعدَّ حسيبها
حلفتُ بمستنَّ البطاحِ وما حوتْ … أسابيعها من منسكٍ وحصيبها
و بالبدنِ مهداة ً تقادُ رقابها … موقفة ً أو واجباتٍ جنوبها
لقام إلى الدنيا فقام بأمرها … على فترة جلدُ الحصا وصليبها
و غيرانُ لا يرضيه إصلاحُ جسمه … بدارٍ إذا كان الفسادُ يشوبها
وقاها من الأطماع حتى لو أنه … جرى الدمُ فوق الأرض ما شمَّ ذيبها
و مدّ عليها حامياً يدَ مشبلٍ … له عصبة ٌ بعدَ النذير وثوبها
يدٌ كلُّ ريح تمتري ماءَ مزنها … فما ضرها ألاَّ تهبَّ جنوبها
أرى شبههُ الأيامَ عادتْ بصيرة ً … و مذنبها قد جاءَ وهو منيبها
و ذلتِ فأعطاها يدَ الصفح ماجدٌ … إذا سيلَ تراكُ الذحولِ وهوبها
لكَ اللهُ راعي دولة ٍ ريعَ سرحها … و راح أمام الطاردين عزيبها
طوتْ حسنها والماءُ تحت شفاهها … غراثاً وأدنى الأرض منها عشيبها
إذا ما تراغت تقتضي نصرَ ربها … فليس سوى أصدائها ما يجيبها
و قد غلب الطالينَ عرُّ جلودها … و فاتت أكفَّ الملحمينَ نقوبها
لها كلّ يوم ناشدٌ غير واحدٍ … تقفيَّ المنى َ آثارها فيخيبها
و مطلعٌ يقلي طريقَ خلاصها … فيمعي عليه سهلها وحزيبها
نفضتَ وفاضَ الرأي حتى انتقدتها … و ما كلُّ آراءِ الرجالِ مصيبها
محملة ً من ثقلِ منكَ أوسقاً … ينوء بها مركوبها وجنيبها
فعطفاً عليها الآنَ تصفُ حياضها … و تقبلْ مراعيها وتدملْ ندوبها
فما رأمتْ أبواءها عند مالكٍ … سواك ولا حنتْ لغيرك نيبها
تسربل بأثوابِ الوزارة إنها … لك انتصحتْ أردانها وجيوبها
و قد طالما منيتها الوصلَ معرضاً … و باعدتها من حيث أنتَ قريبها
و منَ يك مولاها الغريبَ وجارها … فأنت أخوها دنية ً ونسيبها
بلطفك في التدبير شابَ غلامها … على السيرة المثلى َ وشبَّ ربيبها
و قد ضامها قبلُ الولاة ُ وقصرتْ … قبائلها عن نصرها وشعوبها
فداك وقد كانوا فداءك منهمُ … جبانُ يدِ التدبير فينا غريبها
رمى بك في صدر الأمور ولم يخفْ … فلولَ ينوبِ الليثِ من يستنيبها
حملتَ له الأثقالَ والأرضُ تحته … و راعيته لما علته جنوبها
و آخرُ أرخى للنعيم عنانهُ … أخو الهزلِ ممراحُ العشايا لعوبها
تزحرفتِ الدنيا فصبا لها … مقارضة ً يخشى غداً ما ينوبها
و كان فتى أيامهِ وابنَ لينها … و أنت أبوها المتقي ومهيبها
و قاسٍ كأنَّ الجمرَ فلذة ُ كبده … يرى بالدماءِ نحلة ً يستذيبها
مخوفُ نواحي الخلقِ عجمٌ طباعهُ … إذا عولجت مرُّ اللحاظِ مريبها
إذا همَّ في أمرٍ بعاجلِ فتكة ٍ … على غرارٍ لم يلتفتْ ما عقيبها
و ذو لوثة ٍ مناهُ سلطانُ رأيه … منى ً غرهُ محداجها وكذوبها
و لم يك ذا خيرٍ فشاورَ شرهُ … و ما الشرُّ إلا أرضُ تيهٍ يجوبها
يواثب من ظهرْ الوزارة ريضاً … زلوقاً وقد أعيا الرجالَ ركوبها
و مدّ بكفَّ العنفِ فضلَ عنانها … فعادتْ له أفعى حداداً نيوبها
رمى الناس عن قوسٍ وأعجبُ منْ رمى … يدٌ أرسلتْ سهما فعادَ يصيبها
توقَّ خطاً لم تدرِ أين عثارها … فكم قدمٍ تسعى إلى ما يعيبها
و لا تحسبنْ كلَّ السحابِ مطيرة ً … فحاصبها من حيث يرجى صبيبها
و كم أصرمتْ تحت العصائب لقحة ٌ … و درتْ لغير العاصبين حلوبها
أبى اللهُ أن يشقي بك اللهُ أمة ً … أردتَ بها سقما وأنت طبيبها
تطأطأْ لمنْ قمتَ نالك جالسا … فما كلُّ أولادِ الظنونِ نجيبها
فقد دانت الدنيا لربَّ محاسنٍ … محاسنُ قومٍ آخرين عيوبها
فيا ناظماً عقدَ الكلام تمله … و يا ناشر النعماءِ حياكَ طيبها
إذا الأنفس اختصتْ بحبَّ فضيلة ٍ … سموتَ بنفسٍ كلُّ فضلٍ حبيبها
توافقَ فيك الناسُ حباً وأمطرتْ … بشكرك سحبُ القولِ حتى خلوبها
ملكتَ مكانَ الودّ من كلّ مهجة ٍ … كأنك لطفاً في النفوس قلوبها
إذا الشمس لم تطلعْ علينا وأمرنا … بكفك معقودٌ فدامَ مغيبها
أنا العبدُ أعطتك الكرامة ُ رقهُ … و جاءت به عفوا اليك ضروبها
رفعتَ بأوصافي طريفاً وتالداً … كواكبَ لي عمَّ البلادَ ثقوبها
و ميزتني حتى ملكتُ بوحدتي … نواصيَ هذا القولِ يضفو سبيبها
و كم أملٍ أسلفتُ نفسي ودعوة ٍ … قنطتُ لها واللهُ فيك مجيبها
بلغتُ الأماني فيك فابلغ بيَ التي … تنفسُ نفساً ملءُ صدري كروبها
و للدهر في حالي جروحٌ وإنه … بلحظك إن لاحظتَ يوسي رغيبها
و مهما تعرْ من نعمة ٍ فجزاؤها … على الله ثمَّ الشعرُ عن يثيبها
بكلّ شرودٍ يقطعُ الريحَ شوطها … و يسري أمامَ الغاسقات دبوبها
تزمُّ ليَ الأصواتُ يومَ بلاغها … إذا ما علا أعوادَ شعرٍ خطيبها
يروقكَ منها جزلها وحميسها … إذا راقَ من أبياتِ أخرى نسيبها
ترى الناسَ خلفي يلقطونَ بديدها … و يعجبهم من غير كدًّ غصوبها
جواهرُ لي تصديفها من بحورها … صحاحاً وللعادي المغيرِ ثقوبها
يمرُّ بها لا بائعا يستحلها … بملكٍ ولا مستوهبا يستطيبها
بقيتَ لها مستخدما حبراتها … و منتقداً ما حرها وجليبها
موسعة ً أيامُ ملككَ معوزاً … على الحادثاتِ أن يضيقَ رحيبها
و أعداكَ من شمسِ النهار خلوها … و إشراقها لكن عداك غروبها