إذا طلعَ البدرُ المنيرُ عشاءً – محيي الدين بن عربي

إذا طلعَ البدرُ المنيرُ عشاءً … رأيتَ لهُ في المحدثاتِ ضياءَ

وليسَ لهُ نورٌ إذا الشمسُ أشرقتْ … وقد كان ذاك النورُ منه عشاء

فما النورُ إلا من ذكاءٍ لذاكَ لمْ … يكن يغلب البدرُ المنير ذكاء

فإنَّ لها محلين في ذاتها وفي … صِقالة ِ جسمٍ غدوة ً ومساء

ألمْ ترَ أنَّ البدرَ يكسفُ ذاتَها … إذا كانَ محقاً غيرة ً ووفاءض

ولكن عن الأبصار والشمسُ نورها … بِها لمْ يزلْ يُعطي العيونَ جَلاءَ

وإدراكيَ المرئيَّ بيني وبينها … وقدْ جعلَ اللهُ عليهِ غِطاءَ

وهذا من العلمِ الغريبِ الذي أتى … إليكمْ بهِ الكشفُ الأتمُّ نداءَ

وكلُّ دليلٍ جاءكمْ في معاندِ … يخالفُ قولي فاجعلوهُ هباءَ

خُصصتُ بهذا العلم وحدي فلم أجد … لهُ ذائقاً حتَّى نكونَ سواءَ

وبالبلدِ الجدباً طعمْتُ مذاقَهُ … لذا لم أجدْ عنْ ذا المذاقِ غناءَ

أتاني بهِ أحوى ولمْ يأتني بهِ … إذا سالَ وادٍ بالعلومِ غثاءَ

فزدتُ به لُطفاً وعلماً ولم أزد … بهِ في وجودي غلظة َ وجفاءَ

وأعلمنَي فيهِ بأنَّ مهيمني … معي مثله فابنوا عليه بناء

علياً رفيعاً ذا عماد وقوّة … بلا عمدٍ حتّى يكونَ صماءَ

مزينة بالأنجم الزهرِ واجعلوا … قلوبكمُ فرشاً لها وغطاء

فيغشاكمُ حتى إذا ما حملتمُ … بدت زينة ٌ تعطي العيونَ رواء

معطرة َ الأعرافِ معلولة ً للحمى … يمدُّ بها كوني سناً وسناءَ

ليعجز عن إدراكه كلّ ذي حجى … ويقبلُه منهُ حياً وحياءض

سينصرُنُا هذا الذي قدْ سردتُهُ … إذا كشفَ الرحمن عنك غطاء