أُعدَّتِ الراحةُ الكُبرى لِمن تعِبا – أحمد شوقي

أُعِدَّتِ الراحَةُ الكُبرى لِمَن تَعِبا … وَفازَ بِالحَقِّ مَن يَألُهُ طَلَبا

وَما قَضَت مِصرُ مِن كُلِّ لُبانَتَها … حَتّى تَجُرَّ ذُيولَ الغِبطَةِ القُشُبا

في الأَمرِ ما فيهِ مِن جِدٍّ فَلا تَقِفوا … مِن واقِعٍ جَزَعاً أَو طائِرٍ طَرَبا

لا تُثبِتُ العَينُ شَيئاً أَو تُحَقِّقُهُ … إِذا تَحَيَّرَ فيها الدَمعُ وَاِضطَرَبا

وَالصُبحُ يُظلِمُ في عَينَيكِ ناصِعُهُ … إِذا سَدَلتَ عَلَيكَ الشَكَّ وَالرِيَبا

إِذا طَلَبتَ عَظيماً فَاِصبِرَنَّ لَهُ … أَو فَاِحشُدَنَّ رِماحَ الخَطِّ وَالقُضُبا

وَلا تُعِدَّ صَغيراتِ الأُمورِ لَهُ … إِنَّ الصَغائِرَ لَيسَت لِلعُلا أُهُبا

وَلَن تَرى صُحبَةً تُرضى عَواقِبُها … كَالحَقِّ وَالصَبرِ في أَمرٍ إِذا اِصطَحَبا

إِنَّ الرِجالَ إِذا ما أُلجِئوا لَجَئوا … إِلى التَعاوُنِ فيما جَلَّ أَو حَزَبا

لا رَيبَ أَنَّ خُطا الآمالِ واسِعَةٌ … وَأَنَّ لَيلَ سُراها صُبحُهُ اِقتَرَبا

وَأَنَّ في راحَتَي مِصرٍ وَصاحِبِها … عَهداً وَعَقداً بِحَقٍّ كانَ مُغتَصَبا

قَد فَتَّحَ اللَهُ أَبواباً لَعَلَّ لَنا … وَراءَها فُسَحَ الآمالِ وَالرُحُبا

لَولا يَدُ اللَهِ لَم نَدفَع مَناكِبَها … وَلَم نُعالِج عَلى مِصراعِها الأَرَبا

لا تَعدَمُ الهِمَّةُ الكُبرى جَوائِزَها … سِيّانِ مَن غَلَبَ الأَيّامَ أَو غُلِبا

وَكُلُّ سَعيٍ سَيَجزي اللَهُ ساعِيَهُ … هَيهاتَ يَذهَبُ سَعيَ المُحسِنينَ هَبا

لَم يُبرِمِ الأَمرَ حَتّى يَستَبينَ لَكُم … أَساءَ عاقِبَةً أَم سَرَّ مُنقَلَبا

نِلتُم جَليلاً وَلا تُعطونَ خَردَلَةً … إِلّا الَّذي دَفَعَ الدُستورُ أَو جَلَبا

تَمَهَّدَت عَقَباتٌ غَيرُ هَيِّنَةٍ … تَلقى رُكابُ السُرى مِن مِثلِها نَصَبا

وَأَقبَلَت عَقَباتٌ لا يُذَلِّلُها … في مَوقِفِ الفَصلِ إِلّا الشَعبُ مُنتَخَبا

لَهُ غَداً رَأيُهُ فيها وَحِكمَتُهُ … إِذا تَمَهَّلَ فَوقَ الشَوكِ أَو وَثَبا

كَم صَعَّبَ اليَومُ مِن سَهلٍ هَمَمتَ بِهِ … وَسَهَّلَ الغَدُ في الأَشياءِ ما صَعُبا

ضَمّوا الجُهودَ وَخَلوُها مُنَكَّرَةً … لا تَملَئوا الشَدقَ مِن تَعريفِها عَجَبا

أَفي الوَغى وَرَحى الهَيجاءِ دائِرَةٌ … تُحصونَ مَن ماتَ أَو تُحصونَ ما سُلِبا

خَلّوا الأَكاليلَ لِلتاريخِ إِنَّ لَهُ … يَداً تُؤَلِّفُها دُرّاً وَمَخشَلَبا

أَمرُ الرِجالِ إِلَيهِ لا إِلى نَفَرٍ … مِن بَينِكُم سَبَقَ الأَنباءَ وَالكُتُبا

أَملى عَلَيهِ الهَوى وَالحِقدُ فَاِندَفَعَت … يَداهُ تَرتَجِلانِ الماءَ وَاللَهَبا

إِذا رَأَيتَ الهَوى في أُمَّةٍ حَكَماً … فَاِحكُم هُنالِكَ أَنَّ العَقلَ قَد ذَهَبا

قالوا الحِمايَةُ زالَت قُلتُ لا عَجَبٌ … بَل كانَ باطِلُها فيكُم هُوَ العَجَبا

رَأسُ الحِمايَةِ مَقطوعٌ فَلا عَدِمَت … كِنانَةُ اللَهِ حَزماً يَقطَعُ الذَنَبا

لَو تَسأَلونَ أَلِنبي يَومَ جَندَلَها … بِأَيِّ سَيفٍ عَلى يافوخِها ضَرَبا

أَبا الَّذي جَرَّ يَومَ السِلمِ مُتَّشِحاً … أَم بِالَّذي هَزَّ يَومَ الحَربِ مُختَضِبا

أَم بِالتَكاتُفِ حَولَ الحَقِّ في بَلَدٍ … مِن أَربَعينَ يُنادي الوَيلَ وَالحَرَبا

يا فاتِحَ القُدسِ خَلِّ السَيفَ ناحِيَةً … لَيسَ الصَليبُ حَديداً كانَ بَل خَشَبا

إِذا نَظَرتَ إِلى أَينَ اِنتَهَت يَدُهُ … وَكَيفَ جاوَزَ في سُلطانِهِ القُطُبا

عَلِمتَ أَنَّ وَراءَ الضَعفِ مَقدِرَةً … وَأَنَّ لِلحَقِّ لا لِلقُوَّةِ الغَلَبا