أَيا سُرورٌ وَأَنتَ يا حَزَنُ – صريع الغواني

أَيا سُرورٌ وَأَنتَ يا حَزَنُ … لِم لَم أَمُت حينَ صارَتِ الظُعُنُ

أَطالَ عُمرِيَ أَم مُدَّ في أَجَلي … أَم لَيسَ في الظاعِنينَ لي شَجَنُ

أَم لَم يَبِن مَن هَوَيتُ مُرتَحِلاً … أَم لَم تَوَحَّش مِن بَعدِهِ الدِمَنُ

يا لَيتَ ماءَ الفُراتِ يُخبِرُنا … أَينَ تَوَلَّت بِأَهلِها السُفُنُ

ما أَحسَنَ المَوتَ عِندَ فُرقَتِهِم … وَأَقبَحَ العَيشَ بَعدَ ما ظَعَنوا

وَيحَ المُحِبّينَ كَيفَ أَرحَمُهُم … لَقَد شَقوا في طِلابِهِم وَعَنوا

هَذي الحَماماتُ إِن بَكَت وَدَعَت … أَسعَدَها في بُكائِها الفَنَنُ

فَمَن عَلى صَبوَتي يُساعِدُني … إِذا جَفاني الحَبيبُ وَالسَكَنُ

صَبَرتُ لِلحُبِّ إِذ بُليتُ بِهِ … وَماتَ مِنّي السِرارُ وَالعَلَنُ

يا مُبدِعَ الذَنبِ لي لِيَظلِمَني … هَجرُكَ لي في الذُنوبِ مُمتَحِنُ

مالي مِن مِنَّةٍ فَأَشكُرَها … عِندَكَ لا بَل عِندي لَكَ المِنَنُ

جَهِلتَ وَصلي فَلَستَ تَعرِفُهُ … وَأَنتَ بِالهَجرِ عالِمٌ فَطِنُ

حارَبَني بَعدَكَ السُرورُ كَما … صالَحَني عِندَ فَقدِكَ الحَزَنُ

أَعانَكَ الطَرفُ وَالفُؤادُ عَلى … روحي وَرَوحي عَلَىَّ يَعتَوِنُ

مِمّا كَساني الهَوى فَكِسوَتُهُ … لي أَبَداً ما لَبِستُها كَفَنُ

أَوهَنَني حُبُّ مَن شُغِفتُ بِهِ … حَتّى بَراني وَشَفَّني الوَهنُ

عَذَّبَني حُبُّ طَفلَةٍ عَرَضَت … فيها وَفي حُبِّها لِيَ الفِتَنُ

إِذا دَنَت لِلضَجيعِ لَذَّ لَهُ … مِنها اِعتِناقٌ وَلَذَّ مُحتَضَنُ

كَحلاءُ لَم تَكتَحِل بِكاحِلَةٍ … وَسنانَةُ الطَرفِ ما بِها وَسَنُ

فَفي فُؤادِيَ لِحُبِّها غُصُنٌ … في كُلِّ حينٍ يُورِقُ الغُصُنُ

قيلَ لَها إِنَّهُ أَخو كَلَفٍ … بِحُبِّكُم هائِمٌ وَمُفتَتِنُ

فَأَعرَضَت لِلصُدودِ قائِلَةً … يَقولُ ما شاءَ شاعِرٌ لَسِنُ

ما كانَ في ما مَضى بِمُؤتَمَنٍ … عَلى هَوانا فَكَيفَ يُؤتَمَنُ

حُبّانِ غَضّانِ في الفُؤادِ لَها … فَمِنهُما ظاهِرٌ وَمُندَفِنٌ

أَوطَنَ يا سِحرُ حُبُّكُم كَبِدي … فَلَيسَ لِلحُبِّ غَيرَها وَطَنُ

سَمِعتِ فينا مَقالَ ذي حَسَدٍ … لَمّا أَتاكُم بِهِ هَنٌ وَهَنُ

إِن كانَ هِجرانُكُم يَطيبُ لَكُم … فَلَيسَ لِلوَصلِ عِندَنا ثَمَنُ

خَلَعتُ في الحُبِّ ماجِناً رَسَنى … كَذاكَ في الحُبِّ يُخلَعُ الرَسَنُ

وا بِأَبي مَن يَقولُ لي بِأَبي … وَمَن فُؤادي لَدَيهِ مُرتَهَنُ

يَطلُبُني حُبُّهُ لِيَقتُلَني … وَلَيسَ بَيني وَبَينَهُ إِحَنُ

وَكَم مِن أَشياءَ قَد مَضَت سُنَناً … كَما جَرَت في القَبائِلِ السُنَنُ

وَقائِلٍ لَستَ بِالمُحِبِّ وَلَو … كُنتَ مُحِبّاً هَزَلتَ مُذ زَمَنُ

فَقُلتُ رَوحي مُكاتِمٌ جَسَدي … حُبِّيَ وَالحُبُّ فيهِ مُختَزَنُ

شَفَّ الهَوى مُهجَتي وَعَذَّبَها … فَلَيسَ لي مُهجَةٌ وَلا بَدَنُ

أَحَبَّ قَلبي وَما دَرى جَسَدي … وَلَو دَرى لَم يُقِم بِهِ السِمَنُ

لَو وَزَنَ العاشِقونَ حُبَّهُمُ … لَكانَ حُبّي بِحُبِّهِم يَزِنُ

لا عَيبَ إِن كُنتُ ماجِناً غَزِلاً … فَقَبلِيَ الأَوَّلونَ ما مَجَنوا