أَودُّكِ جاحِظَةَ المُقلَتَينِ – الياس أبو شبكة

أَودُّكِ جاحِظَةَ المُقلَتَينِ … وَطيفُ الحمامِ عَلى كُلِّ خَد

أَودُّكِ غائِبَةً في ضَريحٍ … تَنامينَ في تُربِهِ لِلأَبَد

وَلا تَعذليني عَلى ما وَددتُ … فَفي ذِمَّةِ الحُبِّ ما قَد أَود

أَودُّكِ في خاطِر القَبرِ سِرّاً … يردّدُ ذِكراكِ في مَسمَعي

فَيَهرُبُ مِنكِ العذولُ وَآتي … أُبَلِّلُ خَدَّيكِ من أَدمُعي

وَأُنزِع من جانِبَيكِ الفُؤادَ … وَأُخبئُهُ في دُجى أَضلُعي

فَأَبلغُ إِذ ذاكَ قَلبَ الحَبيبِ … وَأُنعِشُهُ بِلَظى زَفرَتي

وَأَحمِلُ قيثارَتي لِلنَّشيدِ … وَأُلقي عَلى الحُبِّ أُغنِيَّتي

وَما من سَمير يُصيخُ لِلحني … سِوى البَدرِ في اللَيلِ وَالنِجمَةِ

أَودُّكِ مَدفونَةً في جِنانٍ … تُضمِّخُها نَفحاتُ الزُهور

فَيَلعَبُ بِالقُربِ مِنكِ النَسيمُ … وَتنشدُ بِالقُربِ مِنكِ الطُيور

وَيُلوي التُرابُ يقبِّل فاك … فَكَم في التُرابِ ثَوى مِن ثغور

وَلكِن وَلكِن أَغارُ عَلَيكِ … مِن التُربِ إِن ودَّ أَن يَلثِما

فَلا أَرتَضي غَير لثمِك وَحدي … حرامٌ لِغَيريَ ذاكَ اللمى

فَمن أَجلِهِ قَد ذَرَفتُ الدُموعَ … وَمن أَجلِهِ قَد هَرقتُ الدِما

لماكِ لماكِ من الجلنّار … وَفيهِ الهَوى قامَ بِالبَيِّنات

لعلَّ التُرابَ يَضمُّ شَفاهاً … تمنَّت تقبّلُهُ في الحَياة

فَما بَلَغت حينَذاكَ مراماً … فَتَبلغ ما تَشتَهي في الممات

لِهذا أَودُّكِ فَوق الوُجود … وَفَوقَ عَناصِرِ هذا الفَلك

وَروحُكِ هائِمَةٌ كَالسَرابِ … تضمُّ ملاكاً أَتى في الحَلك

فَأَغتنم اللثمَ مِنها لِأَنّي … أَكونُ وَلا ريبَ ذاكَ الملك

أَودُّكِ في قَبضَةِ المَوتِ صَرعى … لِأَنَّ حياتَكِ تَقضي عليّ

وَإِذا ذاكَ أَقضي سَعيداً لِأَنّي … أَكونُ وَصَلتُ إِلى قَلبِ ميّ