أَمِنُوا بِمَوتِكَ صَولَةَ الرِّئْبالِ – خليل مطران
أَمِنُوا بِمَوتِكَ صَولَةَ الرِّئْبالِ … مَاذَا خَشَوْا مِنْ فِتْنَةِ التِّمْثَالِ
حَبَسُوهُ عنْ مُقَلٍ إِلَيْهِ مَشوقَةٍ … فَاضَت أَسىً وَدُمُوعُهُنَّ غَوَالِ
حَتَّى أَرَادَتْ مِصْرُ غَيْرَ مُرَادِهِمْ … وَجَلاَهُ مِنْ أَوْفَى بَنِيهَا جَالِ
أَتُهيِّيءُ اسْتِقْلاَل قَوْمِكَ جَاهِداً … وَتُذَادُ عنْهُم يَوْمَ الاِستِقْلالِ
أُنْصِفْت بعْضَ الشَّيءِ بلْ هِي تَوْبة … فِي بدْئِهَا وَلِكُلِّ بَدْءٍ تَالِ
فلَقَدْ تَؤُوبُ وَجَدُّ غَيْرِكَ عَاثِرٌ … فِيما ادَّعَى صلَفاً وَجَدُّكَ عَالِ
يَا حُسْنَ عَوْدِكَ وَالكِنَانَةُ حُرَّةٌ … تَلْقَاكَ بِالإِكْرَامِ وَالإِجْلاَلِ
أَيَرُوعُكَ الحَشْدُ الَّذِي بِكَ يَحْتَفِي … مِنْ غُرِّ فِتْيَانٍ وَصِيدِ رِجالِ
مَاذَا بَثَثْتَ مِنَ الحَيَاةِ جدِيدَةً … فِي هَذِهِ الآسَادِ وَالأَشْبَالِ
بَعْثٌ لِموْطِنِكَ العَزِيزِ رجَوْتَهَ … وَسِوَاكَ يحْسبُهُ رجَاءَ مُحَالِ
خَاطَرتَ فِيهِ بِالشَّبَابِ وَبذْلهُ … سَرَفٌ لمَطْلُوبٍ بَعِيدِ منَالِ
أَيْ مُصْطَفَى وَلَّتْ سِنُونَ وَما اشْتَفَى … شَوْقِي إِلَيْكَ فَهُنَّ جِد طِوَالِ
عجبٌ بَقَائِي بعْدَ أَكْرمِ رُفْقَةٍ … زَالُوا ولَم يَشَإِ القَضَاءُ زَوَالِي
هُمْ صفْوَةُ الدُّنْيَا وَكَانوا صفْوَهَا … وأَحَقُّ حيٍ بِالأَسى أَمْثَالِي
حُزْنٌ بَعِيدُ الغَوْرِ فِي قَلْبِي فَإِنْ … وَجَبَ الرِّثَاءُ فَإِنِّمَا يُرْثَى لِي
مَاذَا أَقُولُ وهَذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ … وشُخوصُهُمْ مِلْءُ الزَّمانِ حِيَالِي
تَعْتَادُنِي فِي مَسْمَعِي أَوْ نَاظِرِي … وَإِلى يَمِينِي تَارَةًٍ وَشِمَالِي
إِني لأَحْفَظُ عَهْدَهُمْ وأَصُونُهُ … فِي كُلِّ حَادِثَةٍ وَلَستُ بِآلِ
وَكَأَنَّ حِسِّيَ حِسُّهُمْ فَرَحاً بِمَا … يَقْضِي الحِمَى مِنْ حَقِّهِمْ ويُوَالِي
كَمْ فِي مَغَارِسِهِمْ جَنًى أَلْفَيْتُهُ … مُتَجَدِّداً بِتَعَاقُبِ الأَحْوالِ
سَلوَى أَتاحَتْهَا مآثِرُهُمْ وقَدْ … يغْدُو الفِرَاقُ بِهَا شَبِيهَ وِصَالِ
وَكَذَاكَ مَجْدُ العَبْقَرِيَّةِ والفِدَى … لاَ ينْقَضِي بِتَحَوُّلِ الأَحْوَالِ
أَيْ مُصْطَفَى مَا كُنْتَ إِلاَّ كَامِلاً … لوْ كَانَ يُتَصفُ امْرُوءٌ بِكَمِالِ
ماذا لَقِيتَ مِنَ الصِّبَا وَنعِيمِهِ … غَيرَ المكَارِهِ فِيهِ والأَهْوَالِ
إِني شَهِدْتُ شَهَادَةً العَيْنَيْنِ ما … عَانَيْتَ فِي الغدُوَاتِ وَالآصالِ
مُتَطَوِّعاً تَسْخُو بِمَا يُفنِي القُوى … مِنْ جُهْدِ أَيَّامٍ وسُهدِ لَيَالِ
إِذْ قُمْت بِالأَمْرِ الجُسَامِ ولَمْ يَكُنْ … زَمَناً فَما مِنْ مُسْعِدٍ ومُوَالِ
حَال التَّوَرُّعُ دُون إِغْرَاءِ المُنَى … زَمَناً فَما مِنْ مُسْعِدٍ ومُوَالِ
وَالقَوْمُ فِي ظَمَإ وَوَعْدُكَ مُطْمِعٌ … لَكِنْ يَرَوْنَ لَهُ رَفِيف الآلِ
تَسعى ويَعْتَرِضُ السَّبِيلَ قنُوطُهُمْ … فِي كُلِّ حَل مِنْكَ أَوْ تَرْحَالِ
فَتظَلُّ تَضرِبُ فِي جوَانِبِهِ وَمَا … تُلْقِي إِلى نُذُرِ الحُبُوطِ بِبَالِ
لَكَ دُونَ مَا تَبْغِي مَضَاءُ مُصمِّم … لاَ يَنْثَنِي وبلاَءُ غَيرِ مُبَالِ أحأ
حَتَّى إِذَا وَضَح اليَقِينُ وصدَّقَتْ … دعْوَاكَ آيةُ ربِّكَ المُتَعالِي
فَثَويْتَ أَظْهَرَ مَا تَكُونُ عَلَى عِدَى … مِصْرٍ بِعُقْبَى دَائِكَ المُغْتَالِ
هَزَّتْ مَنِيَّتُكَ البِلاَدَ وَلَمْ تَكُنْ … بِأَشَدَّ مِنْهَا هِزَّةُ الزِّلْزَالِ
فَالقَوْمُ مِنْ جَزَعٍ عَلَيْكَ كَأَنَّهُمْ … آلٌ وَقَدْ رُزِئُوا عَزِيزَ الآلِ
كَشَفَ الأَسَى لَهُمُ الحِجَابَ فَأَيْقَنُوا … أَنَّ الحَيَاةَ مَطَالِبٌ وَمَعَالِي
وَتَبَيَّنُوا أَنَّ الخُنُوعَ مَهَانَةٌ … لاَ يُسْتَطَالُ بِهَا مَدَى الآجَالِ
لِلهِ حُسْنُ بِلائِهِمْ لَمَّا أَبَوْا … مُتَضَافِرِينَ دَوَامَ تِلْكَ الحالِ
وَتَوَثَّبُوا بِعَزِيمَةٍ مَصْدُوقَةٍ … بَرِئَتْ مِنَ الأحْقَادِ وَالأَوْجَالِ
يَرِدُونَ حَوْضاً وَالمَنَايَا دُونَهُ … مُسْتَبْسِلِينَ ضُرُوب الاسْتِبْسَالِ
حَتَّى أُتِيح الفَتْحُ يَجْلُو حُسْنَهُ … فِي يَوْمِهِ إِحْسَانُ يَوْمٍ خَالِ
فَتْحٌ بَدَا اسْمُكَ وَهْوَ فِي عُنْوَانِهِ … مُتَخَضِّباً بِدَمِ الشَّبَابِ الغَالِي
إِيهاً شَهِيدَ الحُبِّ لِلبَلَدِ الَّذِي … لا أَنْتَ سَالِيهِ وَلاَ هُوَ سَالِ
أَبْهِجْ بِأَوْبَتِكَ السَّنِيَّةِ طَالِعاً … فِي أُفْقِهِ كَالكَوْكَبِ المُتَلاَلِي
لِلذِّكْرِ آفَاقٌ سَحِيقَاتُ المَدَى … وَلِزُهْرهَا المُتَأَلِّقَاتِ مَجَالِي
فَإِذَا دَنَتْ مِنَّا فَتِلْكَ عَوَالِمٌ … وَإِذَا نَأَتْ عَنَّا فَتِلْكَ لآلِي
تَطْوِي مِنَ الأدْهَارِ مَا لاَ يَنْقَضِي … وَتَجُولُ فِي الأَفْكَارِ كُلَّ مَجَالِ
أَنْوَارُ وَجْهِكَ طَالَعْتنَا اليَوْمَ مِنْ … بُرْجٍ حَلَلْتَ بِهِ لِغَيْرِ زِيَالِ
قَدْ أَثْبَتَتْهَا مِصْرُ بَيْنَ عُيُونِها … فَالحَالُ مُتَّصِلٌ بِالاسِتقْبَالِ
نِعْمَ الثَّوَابُ لِذِي مَآثِرَ فِي النَّدَى … فَرَضَتْ مَحَبَّتَهُ عَلَى الأَجْيَالِ
فِتْيَانَ مِصْرَ وَعَهْدُهَا غَيْرُ الَّذِي … عَانَتْهُ فِي الأَصْفَادِ وَالأَعْلاَلِ
حَيُّوا مُدِيلَ حَيَاتِهَا مِنْ يَأْسِها … وَمُذَلَّلَ الآلاَمِ لِلآمَالِ
حَيُّوا زَعِيمَ اليقْظَ الأُولَى بِهَا … وَخَطِيبَ ثَوْرَتِهَا فِي الاسْتِهَلاَلِ
هَذِي مَوَاكِبُهَا وَتِلْكَ وُفُودَهَا … فِي مُلْتَقَى ذِي رَوْعَةٍ وَجَمَالِ
حَفَلَتْ بِرَمْزِ نُهُوضِهَا وَمِثَالُهُ … مَا لاَ تُدَانِي صَنْعَةُ المَثَّالِ
لَكنَّهَا مُهَجٌ بَنَتْهُ وَلَمْ تَكُنْ … إِلاَّ ذَرَائِعَهَا فُضُولُ المَالِ
وَكَفَاهُ فَخْراً أَنَّ ذَاكَ المَالَ لَمْ … يَكُ مَكْسَ جَابٍ أَوْ تَطَوُّلَ والِ
رسْمٌ يَلُوحُ وَفِيهِ مَعْنَى أَصْلِهِ … فَيَرُوعُ بَيْنَ حَقِيقَةٍ وَخَيَالِ
لانَ الحَدِيدُ لَهُ فَصَاغَ لِعَينِهِ … أَثَراً عَلَى الأَيَّامِ لَيْسَ بِبَالِ
كَمْ فِي بَلِيغِ سُكُونِهِ مِنْ عِبْرَةٍ … أَوْفَى وَأَكْفَى مِنْ فَصِيحِ مَقَالِ
هُوَ خَالِدٌ وَيَظَلُّ مِدْرَهَ قَوْمِهِ … فِي كُلِّ نَازِلَةٍ وَكُلِّ نِضَالِ
عَطْفُ المَلِيكِ وَقَدْ أَمَاطَ حِجَابَهُ … رَفَعَ المَقَامَ إِلَى مَقَامِ جَلاَلِ
أَعْلَى المُلُوكِ مَكَانَةً أَرْعَاهُمُ … لِمَكَانَةِ العُلَمَاءِ وَالأَبْطَالِ
فَارُوقُنَا المَحْبُوبُ يَقْرنُ عَزْمَه … بِالحَزْمِ وَالإِنْصَافِ بِالإِجْمَالِ
لِيَعِشْ سَعِيداً بَالِغاً مِنْ دَهْرِهِ … مَا شَاءَ مِنْ عِزّ وَمِنْ إِقْبَالِ