أَلِلشَّرْقِ سَلْوَى بِالبَيَانِ المُخَلَّدِ – خليل مطران

أَلِلشَّرْقِ سَلْوَى بِالبَيَانِ المُخَلَّدِ … إِذَا مَا غَدَا رَبُّ البَيَانِ بِلاَ غَدِ

تَوَلَّى وَلِيُّ الدِّينِ أَوْحَدُ عَصْرهِ … وَقَلَّ ثَنَاءً أَنْ يُسَمَّى بِأَوْحَدِ

صَدِيقٌ فَقَدْتُ الأُنْسَ حِينَ فَقَدْتُهُ … وَهَلْ مُوحَشٌ كَاليَائِسِ المُتَفَقِّدِ

تَبُلُّ ثَرَاهُ نَاضِبَاتُ مَدَامِعِي … وَقَلْبِيَ بَعْدَ اليَوْمِ فِي إِثْرِهِ صَدِي

وَأَشْعُرُ أَنْ الشِّعْرَ لَيْسَ بِمَانِحِي … لَدَى خَطْبِهِ إِلاَّ نَحِيبَ المُعَدِّدِ

خَلِيلَيَّ مَا بَالِي وَحَوْلِي خَلاَئِقٌ … تَعِجُّ أَرَانِي فِي سَكِينَةِ فَدْفَدِ

فَلاَ تُغْرِيَانِي بِالسُّلُوِّ فَقَدْ أَبَى … إِبَائِي سُلُوّاً حِينَ يُسْقَطُ فِي يَدِي

أُطَالِبُ بِالحُرِّ المُهَذَّبِ دَهْرَهُ … وَلَيْسَ مُجِيبِي غَيْرَ أَظْلَمِ مُعْتَدِ

قَضَى الخِدْنُ نِعْمَ الخِدْنُ فِي كُلِّ حَالَةٍ … قَضَى طَاهِرُ الأَرْدَانِ عَفُّ المُوَسَّدِ

قَضَى مَنْ عَلَى حَرْبِ الزَّمَانِ وَسَلْمِهِ … شَمَائِلُهُ كَانَتْ شَمَائِلَ سُؤْدُدِ

قَضَى مَنْ سَمَا نَفْساً وَعَزَّ نَبَالَةً … وَلَمْ يُكُ بِالعَاتِي وَلاَ المُتَمَرِّدِ

فَتىً لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ وَفِعَالِهِ … وَبَادِيهِ وَالخَافِي سِوَى كُلِّ جَيِّدِ

متَى يَنْتَدِبْ لِلذَّوْدِ عَمَّا بَدَا لَهُ … مِنَ الحَقِّ يَسْتَوْثِقْ فَيَنْوِ فَيَعْمِدِ

بِعَزْمٍ لَهُ حِينَ المضَاءِ إِضَاءَةٌ … تَرُوعُ كَإِشْعَاعِ الحُسَامِ المُجَرَّدِ

فَأَمَّا وَقَدْ بَانَ المَهِيبُ سِجَالُهُ … وَبَاتَ سِيَاجُ الفَضْلِ جِدَّ مُهَدَّدِ

لِيَفْخَرْ بِغَالِي دُرِّهِ كُلُّ كَاتِبٍ … وَيَجْأَرْ بِعَالِي صَوْتِهِ كُلُّ مُنْشِدِ

أَجِدَّكَ هَلْ تَسْخُو اللَّيَالِي بِشَاعِرٍ … مُجِيدٍ كَذَاكَ الشَّاعِرِ المُتَفَرِّدِ

وَهَلْ تَسْمَحُ الأَيَّامُ بَعْدُ بِنَاثِرٍ … لَهُ مِثْلُ ذَاكَ الخَاطِرِ المُتَوَقِّدِ

بِبَالِغِ غَايَاتٍ إِلَيْهَا انْتَهَى النهَى … وَصَائِغِ آيَاتٍ لَهَا سَجَدَ النَّدي

لِمُعْجِزِهِ نَظْماً وَنَثْراً شَوَارِدٌ … مِنَ الفِكْرِ لَمْ تُغْلَلْ وَلَمْ تَتَقَيَّدِ

يُرَادُ بِهَا وَعْرُ المَعَانِي وَصَعْبُهَا … بِسَهْلٍ مِنَ اللَّفْظِ الأَنِيقِ المُجَوَّدِ

فَيَبْعُدُ بِالتَّبْغِيضِ كُلُّ مُقَرَّبٍ … وَيَقْرُبُ بِالتَّحْبِيبِ كُلُّ مُبَعَّدِ

إِذَا وَصَفَتْ وَجْداً تَخَيَّلْتَهَا جَرَتْ … بِمَا اكْتَنَّ فِي جَفْنِ المُحِبِّ المُسْهَّدِ

تَسَمَّعُ مِنْهَا النفْسُ حِسّاً يَشُوقهَا … شَجِيّاً كَتَرْجِيعِ الهَزَارِ المُغَرِّدِ

نَفَائِسُهَا مِنْ دِقَّةٍ وَصِيَاغَةٍ … سَمَتْ عَنْ مُحَاكَاةِ الجُمَانِ المنضدِ

سَلاَمٌ أَدِيبَ الشَّرْقِ لاَ مِصْرَ وَحْدَهَا … سَلاَمٌ أَبَا الفَنِّ البَدِيعِ المُجَدَّدِ

يُذِيبُ فُؤَادِي ذِكْرُ مَا قَدْ بَلَوْتَهُ … مِنَ البُؤْسِ فِي الدُّنْيَا بِذَاكَ التَّجَلدِ

أَلاَ يَا لَقَوْمِي لِلْبَيَانِ فَإِنَّهُ … مُضَاعٌ بِإِهْمَالٍ وَفِقْدَانِ مُسْعِدِ

بِرَبِّكُمُو مَا رَوْضُكُمْ وَثِمَارُهُ … إِذَا الرَّوْضُ لِمْ يُمْطِرْ وَلَمْ يُتَعَهَّدِ

لَوَ أنَّ أُولِي الأَقْلامِ سُودُ صَحَائِفٍ … مِنَ الإِثْمِ لَمْ يُجْزَوْا بِأَنْكَى وَأَنْكَدِ

يُضَنُّ عَلَيْهِمْ بِاليَسِيرِ يَعُولُهُمْ … وَيُدْعَوْنَ لِلزِّينَاتِ فِي كُلِّ مَشْهَدِ

ومِنْ مَجْدِهِمْ مَا يَسْتَظِل بِظِلهِ … بَنو الوَطَنِ الحُرِّ العَزِيزِ المُمَجَّدِ

فَيَا سُوءَ مَا يُجْدِيهِمِ فِي مَعَاشِهِمْ … تَجَرُّدُهُمْ لِلعِلْمِ كُلَّ التَّجَرُّدِ

أَلاَ يَا صَفِيّاً مَاتَ فِي شَرْخِ عُمْرِهِ … وَعَاشَ نَقِيَّ الطَّبْعِ غَيْرَ مُفَنَّدِ

إِلَى اللهِ فَارْجِعْ صَابِراً مُتَشَهِّداً … فَنِعْمَ وَلِيُّ الصَّابِرِ المُتَشَهِّدِ

جَرَعْتَ الأَذَى فِي مُتْرَعَاتٍ مِنَ القَذَى … فَذُقْ فِي نَعِيمِ الخُلْدِ أَعْذَبَ مَوْرِد