أَلنِّيلُ عَبْدُكَ وَالمِيَاهُ جَوَارِي – خليل مطران

أَلنِّيلُ عَبْدُكَ وَالمِيَاهُ جَوَارِي … بِاليُمْنِ وَالبَرَكَاتِ فِيهِ جَوَارِ

أَمَّنْتَهُ بِمَعَاقِلٍ وَجَوَارِي … وَجَعَلْتَهُ مُلْكاً عَزِيزَ جِوَارِ

أُنْظُرْ سَفَائِنَكَ الَّتِي سَيَّرْتَهَا … فِيهِ كَأَطْوَادٍ عَلَى التَّيَّارِ

وَانْظُرْ جُنُودَكَ فِي الفَلاَةِ تحَمَّلُوا … شَرَّ العِقَابِ لأُمَّةٍ أَشْرَارِ

حَصَرُوا العَدُوَّ فَمَا وَقَتْهُ حُصُونُهُ … مِنْ بَأْسِهِمْ وَكَثَافَةُ الأَسْوَارِ

يَفْنَى بِمَقْذُوفَاتِهِمْ حَرْقاً كَمَا … تَفْنَى الفَرَائِسُ وَالسِّبَاعُ ضَوَارِ

وَيُدَمِّرُ النَّسَّافُ شُمَّ قِلاَعِهِ … فَيُثِيرُهَا منْثُورَةً كَغُبارِ

وَيَدُكُّ مِنْ شُوسِ الرِّجَالِ مَعَاقِلاً … فَيَظَلُّ شَكْلُ المَوْتِ شَكْلَ دَمَارِ

مَنْ لَمْ يُبَدْ بِالسَّيْفِ مِنْهُمْ وَالقَنَا … فَهَلاَكُهُ بِالمَاءِ أَوْ بِالنَّارِ

قوْمٌ بَغوْا فَجَنَوْا ثِمَارَ فَسَادِهِمْ … بِالمُوبِقَاتِ وَتِلْك شَرُّ ثِمَارِ

وَلَوِ الزَّمَان أَرَادَ عَادُوا خُضَّعاً … لِجَمِيلِ رَأْيِكَ عَوْدَ الاسْتِغْفَارِ

لَكِنْ أَبَى لَكَ أَنْ تَفُوزَ مُسَالِماً … وَقَضَتْ بِذلِكَ حِكْمَةُ الأَقْدَارِ

فسَقَيْتَ صَادِئَةَ النِّصالِ دِمَاءَهُمْ … وَكَفيْتَ خَيْلَك دَاءَ الاسْتِقْرَارِ

بِالأَمْسِ كَانُوا دَوْلَةً مَعْدُودَةً … وَاليَوْمَ هُمْ خَبَرٌ مِنَ الأَخْبَارِ

بِالأَمْسِ كَانُوا سَادَةً وَاليَوْمَ هُمْ … بَعْضُ العَبِيدِ بِصُورَةِ الأَحْرَارِ

بِالأَمْسِ يَمْلِك فِي الرِّقَابِ أَمِيرُهُمْ … وَاليوْمَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ بِفِرَارِ

صَغُرُوا لَدِيْكَ فَلَمْ تَسِرْ لِقِتَالِهِمْ … وَهُمُ الكِبَارُ رَمَيْتَهُمْ بِكِبَارِ

وَمضَيْتَ تَمْلِكُ أَمِيرُهُمْ مِنْ قَبْلمَا … شَبَّ النَّزَالُ وَآذَنُوا بِبَوَارِ

تَجْرِي بِسَيِّدِ مِصْرَ فُلكٌ ضَمَّهَا … فُلكٌ مِنَ الدَّأْمَاءِ غَيْرُ مُدَارِ

سَيَّارَةٌ جُنْحَ الظَّلاَمِ مُنِيرَةٌ … فِي الأُفقِ مِثْلَ الكوْكَبِ السَّيَّارِ

أَوْ يَسْتَقِلُّ بِهِ مُغَيرٌ مُنْجِدٌ … جَوَّابُ آفَاقٍ كَبَرْقٍ وَارِي

تَتَقَذَّفَ النِّيرَانُ مِنْهُ كَأَنَّهُ … أَسَدٌ مُثَارٌ فِي طِلاَبِةِ ثَارِ

سِرْ كَيْفَ شِئْتَ لَكَ القُلُوبُ مَنَازِلٌ … أَنَّى انْتَقَلْتَ فَمِصْرُ فِي الأَمْصَارِ

واطْوِ المَغَارِبَ خَافِياً لَوْ أَنَّهَا … تُخْفِي عُلاَكَ مَطَالِعُ الأَنْوَارِ

وَتَلَقَّ فِي دَارِ الخِلاَفَةِ مُشْرِفاً … مَا شِئْتَ مِنْ شَرَفٍ وَمِنْ إِكْبَارِ

وَارْجِعْ إِلَى الدَّارِ الَّتِي أَوْحشْتَهَا … عَوْدَ الرَّبِيعِ إِلَى رُبُوعِ الدَّارِ

وَاهْنَأْ بِأَبْهَجِ مُلْتَقى مِنْ أُمَّةٍ … تهْوَاك فِي الإِعْلاَنِ وَالإِسْرارِ

حَلَّتْ سَرَائِرُهُمْ سَوَادَ عُيُونِهِمْ … شَوْقاً إِليْكَ فَثِرْنَ فِي الأَبْصَارِ

أَهْلاً بِرَبّ النِّيلِ وَالوَادِي بِمَا … فِيهِ مِنَ الأَرْيَافِ وَالأَقْطَارِ

بِالعَازِمِ العزمَاتِ وَهيَ صَوَادِقٌ … وَمُعَاقِبِ الظُّلُمَاتِ بِالأَسْحَارِ

بِالفاتِحِ البَانِي لِمِصْرَ مِنَ العُلَى … صَرْحاً يُزَكِّي شَاهِدَ الآثَارِ

وَمُعَقِّبِ الفَخْرِ التَّلِيدِ بِطَارِفٍ … لَوْلاَهُ كَادَ يَكُونَ سُبَّةَ عَارِ

فَخْرٌ تَحَوَّلَ مَهْدُهُ لَحْداً لَهُ … زَمَناً وعادَ اليَوْم مَهْدَ فَخارِ