أَعْلَى مَكَانَتَكَ الإلَهُ وَشَرَّفَا – خليل مطران
أَعْلَى مَكَانَتَكَ الإلَهُ وَشَرَّفَا … فَانْعَمْ بِطِيبِ جِوارِهِ يَا مُصْطفَى
أَليَوْمَ فُزْتَ بِأَجْرِ مَا أَسْلَفْتَهُ … خَيْراً وكُلٌّ وَاجِدٌ مَا أَسْلَفَا
وَجُزِيتَ مِنْ فَانِي الوُجُودِ بِخالِدٍ … وَمِنَ الأَسَى المَاضِي بِمُقْتبَلِ الصَّفا
أَعْظِمُ بِيَوْمِك فِي الزَّمَانِ وَمَنْ لَهُ … بِكَ واصِفاً ذَاكَ الجلاَلَ فَيُوصَفا
يَوْم المَلاَئِكةِ الكِرَامِ تَنَزَّلُوا … حَانِين حَوْلَكَ فِي السَّرِيرِ وَعُكَّفا
وَتَحَمَّلُوكَ عَلَى الأَشِعَّةِ وَارْتَقَوا … سِرْباً يَجُوزُ بِكَ الدَّرَارِيءَ مُوجِفا
فَورَدْتَ وِرْدَك في الخُلُودِ مُنَعَّماً … وَالأَرْضُ مائِدَةٌ عَليْك تَأَسُّفَا
لَمْ تُلْفَ قبْلَكَ أُمَّةٌ فِي مَشْهَدٍ … يُذْرِي الرِّجَالُ بِهِ المَدامعَ ذرَّفا
مُتَثَاقِلينَ مِنَ الوَقَارِ وَإنِّمَا … سَارُوا بِطَيْفٍ ناحِلٍ أَوْ أَنْحَفا
بَحْرٌ مِنَ الأَحْيَاءِ نَعْشكَ فَوْقَهُ … فُلْكٌ يُظلِّلُهُ اللِّوَاءُ مُرَفْرِفَا
يَكُونَ فِي آثَارِهِ العَلَم الَّذِي … آثَارُهُ مِنْ رِفْعَةٍ لاَ تُقْتَفَى
سَعَتِ الخَوادِرُ حَاسِرَاتٍ وَالأَسى … مُلْقٍ عَلَى الأَبْصَارِ سِتراً أَغْدقا
وَلَئِنْ سَفَرْن وَلَمْ يَخَلْن فَإِنَّهُ … خَطْبٌ أَلاَنَ بِرَوْعِهِ صُمَّ الصَّفا
فَزِعَ الشَّبَابُ إِلى الشُّيُوخِ بِثَأْرِهِمْ … مِنْ دَمْعِهِمْ إِنْ خَانَهُمْ فَتَكَفْكَفَا
وَمِنَ الغضاضَةِ إِنْ دَعَا دَاعِي العُلَى … بَعْد الفَقِيدِ فَتى بِهِمْ فتوَقَّفَا
جزِعَ النَّصَارَى وَاليَهُودُ لِمُسْلِمٍ … هُو خيْرُ مَنْ وَالَى وَأَوْفى مَنْ وَفَى
بَكَوُا المُرجَّى فِي خِلاَفٍ عَارِضٍ … لِيُزِيلَ ذَاكَ العَارِضَ المُتَكشِّفَا
مَنْ بَعْدَ كَاتِبِهِمْ وَبَعْدَ خَطِيبِهِمْ … يُعْلِي لَهُمْ صَوْتاً وَيَنْشُرُ مُصْحَفَا
مَنْ يُبْرِيءُ الإِسْلاَمَ مِنْ تَهَمِ العِدَى … وَيَرُدُّ نَقْدَ النَّاقِدِينَ مُزَيَّفَا
يُبْدِي لأَعْيُنِ جَاهِلِيهِ فَضْلَهُ … وَيُزِيلُ مَا يَلِدُ التَّنَاكُرُ مِنْ جَفَا
وَيُثِيرُ مِنْ غَضَبِ الغِضَابِ لِمَجْدِهِ … هِمَماً تُعِيدُ لَهُ المَقَامَ الأَشْرَفَا
لِكنَّ مِنْ أَقْلاَمِ صَحْبِكَ حَوْلَهُ … سُمُراً تَهُزُّ لِكُلِّ خَطْبٍ مَعْطِفا
وَلَعَلَّ حُرّاً لاَ يَدِينُ بِهِ انْبَرَى … لِيَذُودَ عَنْهُ خصْمَهُ المُتعَسِّفا
قِفْ أَيُّهَا النَّاعِي عَلَيْهِ جُمُودَهُ … فَلَقَدْ تَجاوَزْتَ الهُدى مُتَفَلسِفَا
إِنْ يَعْتَرِ الشَّمْسَ الكُسُوفَ هُنَيْهَةً … أَيَكُون مَنْقَصَةً لَهَا أَنْ تُكْسَفا
وَهَلِ الكسُوفُ سِوَى تَعَرُّضِ حائِلٍ … يَثْنِي أشِعَّتَهَا إِلى أَنْ يُكْشَفَا
لَمْ تَنْزِلِ الأَديَانُ إِلاَّ هَادِياً … لِلعَالَمِينَ وَرَادِعاً وَمُثَقِّفَا
بِشِعَارِ حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ وَمَا بِها … إِنْ قَصَّرَ الأَقْوَامُ عَنْهُ فَأُخْلِفَا
وَبِكُلِّ أَمْرٍ مُوجِبٍ إِصْلاَحَهُمْ … إِنْ خَالَفُوهُ فَما اسْتَحَالَ وَلاَ انْتَفى
قَدْ كَانَ لِلإِسْلاَم عهْدٌ باهِرٌ … نِلْنَا بِهِ هَذَا الرُّقِيَّ مُسَلَّفَا
مَلأَ البِلاَد إِنَارةً وَحَضَارَةً … وَمُنَى السَّمَاحَةِ عَوْدُهُ مُسْتَأْنَفَا
فَالخيْرُ كُلُّ الخَيْرِ فِيهِ مُقْبِلاً … وَالشَّرُّ كُلُّ الشَّرِّ أَنْ يَتَخَلَّفَا
يَدْعُو البَقَاءُ إِلى التَّكَافُوءِ بِالقُوَى … بَيْنَ العَنَاصِرِ أَوْ يُهِينَ وَيَضْعُفَا
وَالخَلْقُ جِسْمٌ إِنْ أَلَمِّ بِبَعْضِهِ … سَقَمٌ وَلَمْ يُتَلاَفَ عَمَّ وَأَتْلفا
مِصْرُ العَزِيزَةُ قَدْ ذَكَرْتُ لَكَ اسْمَهَا … وأَرَى تُرَابَكَ مِنْ حَنِينٍ قَدْ هَفا
وَكَأَنَّنِي بِالقَبْرِ أَصْبَحَ مِنْبَراً … وَكَأَنَّنِي بِكَ مُوشِكٌ أَنْ تَهْتِفَا
مِصْرُ الَّتِي لَمْ تَحْظَ مِنْ نُجَبائِهَا … بِأَعَزَّ مِنْكَ وَلمْ تَعِزَّ بِأَحْصَفَا
مِصْرُ الَّتِي لَمْ تَبْغِ إِلاَّ نَفْعَهَا … فِي الحَالَتَينِ مُلاَيِناً وَمُعنِّفَا
مِصْرُ الَّتِي غَسَلَتْ يَدَاكَ جِرَاحَهَا … بِصَبِيبِ دَمْعِكَ جَارِياً مُسْتَنْزَفَا
مِصْرُ الَّتِي كَافَحْتَ لُدَّ عُدَاتِهَا … مُتَصَدِّراً لِرُمَاتِهَا مُسْتَهْدِفَا
مِصْرُ الَّتِي سُقْتَ الجُيُوشَ مَنَاقِباً … وَمُنى لِتَكْفِيَهَا المُغِيرَ المُجْحِفَا
مِصْرُ الَّتِي أَحْبَبْتَهَا الحُبَّ الَّذِي … بَلَغَ الفِدَاءَ نَزَاهَةً وَتَعَفُّفَا
حَتَّى مَضَيْتَ كَمَا ابْتَغَيْتَ مُؤَلِّفاً … مِنْ شَمْلهَا مَا لَمْ يَكُنْ لِيُؤَلَّفَا
أُمْنِيَّةٌ أَعْيَتْ خِصَالُكَ دُونَهَا … لَوْ لَمْ يُضَافِرْهَا رَدَاكَ فَيُسْعِفَا
وَهِيَ الَّتِي لوْ قُسِّمَتْ لَنَمَا بِهَا … شَعْبٌ يَعِزُّ بِنَفْسِهِ مُسْتَنْصِفَا
مَنْ كَانَ أَجْرَأ مِنْكَ يَوْمَ كَرِيهَةٍ … بِالحقِّ لاَ شَكِساً وَلاَ مُتَصَلِّفَا
مَنْ كَانَ أَقْدَرَ مِنْكَ تَصْرِيفاً لِمَا … يُعْيِي الحَكِيمَ مُدَبِّراً وَمُصِرِّفَا
مَنْ كَانَ أَطْهَرَ مِنْكَ خُلْقاً جَامِعاً … فِيهِ مَهِيبَ الطِّبْعِ وَالمُسْتَظْرَفَا
مَنْ كانَ أَسْمَحَ مِنْك مَنَّاعاً لِمَا … تَهْوَى وَمِعْطَاءً لِغَيْرِكَ مُسْرِفَا
مَنْ كَانَ أَصْدَقَ مِنْكَ لاَ مُتَنَصِّلاً … مِمِّا تَقُولُ وَلاَ تُعَاهِدُ مُخْلِفا
يَا مَنْ نَعَى تِلْكَ الفَضائِلَ وَالعُلَى … أَغَدَتْ مَعَالِمُهُنَّ قَاعاً صَفْصَفَا
لاَ لاَ وَحَقِّكَ يَا شَهِيدَ وَفَائِهِ … وَرَجِائِهِ كَذَبَ النَّعِيُّ وَأَرْجَفَا
مَا أَنْتَ بِالرَّجُلِ الِّذِي يُمْسِي وَقَدْ … مُلِيءَ الوُجُودُ بِهِ وَيُصْبِحُ قَدْ عَفَا
إِنِّي أَرَاكَ وَلاَ تَزَالُ كَعَهْدِنَا … بِكَ فِي جِهَادِكَ أَوْ أَشَدَّ وَأَشْعَفَا
ثَابِرْ عَلَى تِلْكَ العَزَائِمِ ذَائِداً … عنْ مِصْرَ تضرِبُ فِي البِلاَدِ مُطَوِّفَا
أَصْدِرْ صَحَائِفَكَ الَّتِي تُحيِي بِهَا … نِضْوَ الطِّرِيقِ وَتَدْفَعُ المُتَخَلِّفَا
تَجْرِي بِهَا الأَنْهَارُ وَهْيَ دَوَافِقٌ … هِمَماً وَتُوشِكُ أَنْ تَطُمَّ فَتَجْرِفَا
وَتَكَادُ أَسْطُرُهَا تَهُبُّ نَوَاطِقاً … وَيَكَادُ يَعْزِفُ كُلُّ حَرْفٍ مَعْزِفا
فَإِذَا حَنَوْتَ عَلَى الحِمى مُتَحَبِّباً … فَهُوَ النَّسِيمُ وَقَدْ ذَكَا وَتَلَطَّفَا
وَكَأَنَّمَا الأَلْفَاظُ مِمَّا خَفَّفَتْ … نَقَشَ المِدَادُ رُسُومَهَا وَتَخَفَّفا
تَسْتَامُ مِنْ أَثْوابِهَا أَرْوَاحُها … وَتعَافُ تَحْلِيَة لِئَّلا تَكْثُفا
قُمْ لِلخَطَابَةِ فِي المَجَامِعِ وَامْتَلِكْ … تِلْكَ النُّفُوسَ مُرَوِّعاً وَمُشَنِّفَا
أَعِدِ القَدِيمَ مِنَ المَمالِكِ وَالقُرَى … ذِكْرَى وَعَرِّفْنَا الحَيَاةَ لِنَعْرِفَا
شَدِّدْ عَزَائِمَنَا وَقَاتِلْ ضَعْفَنَا … حَتَّى نَبِيتَ وَلاَ نَرَى مُتخوفَا
مَا هَذِهِ الآيَاتُ يَرْمِي لَفْظهَا … شَرَراً وَتهوِي الشُّهْبُ فِيهَا أَحْرُفَا
مَا ذَلِكَ التَّرْصِيعُ لَيْسَ مُرَصَّعاً … مَا ذَلِكَ التَّفْويفُ لَيْسَ مُفَوَّفَا
وَحْيٌ بِأَهْجِيَةٍ إِذَا مَا أُطْلِقَتْ … هَبَطَتْ رَوَاسِبَ عَنْهُ وَالمَغْزَى طَفَا
تُحْيِي حَرَارَتُهَا وَيَهْدِي نُورُهَا … مُتَمَاهِلَ الإِشْرَاقِ أَوْ مُتَخَطِّفَا
تَاللهِ ما أَنْتَ الخَطِيبُ وَإِنَّمَا … وَقَفَ القَضَاءُ مِنَ المِنَصَّةِ مَوْقِفَا
عَنْ نُطْقِهِ تَقَعُ الصُّرُوفُ مَواعِظاً … وَكَأَمْرِهِ أَمْرُ الزَّمَانِ مُصَرَّفَا
يَا حَبَّذَا لَوْ كُلَ ذَلِكَ لَمْ يَزَلْ … لَكِنَّهُ حُلُمٌ مَضَى مُسْتَطْرَفَا
وَالآنَ نَحْنُ لدَى ثَرَاكَ نَحُجُّهُ … مُتلَهِّبِينَ تَشَوُّقاً وَتَشَوُّفا
نُثْنِي وَهَلْ يُوفَى ثَنَاؤُكَ حَقَّهُ … وَبِأَيِّ أَلْفَاظِ المَحَامِدِ يُكْتَفَى
مَاذَا يُعِيضُكَ مِنْ شَبَابِك نظْمُنا … فِيكَ الرَّثاءَ مُنسقاً وَمُصَففا
وَيُعِيضُ مِنْك وَكُنْتَ جَوْهَرَةَ الحِمَى … صَوْغُ الكلامِ مُرَصعاً وَمُزَخْرَفا
يَا أَخلصَ الخُلَصَاءِ أَبْكِي بَعْدَه … كبكاءِ مِصْرَ تحَرُّقاً وَتَلَهُّفا
هَذا مِثالُك لاَحَ يَرْعَانا وَقدْ … كشفَ الجَوَى عَنه الحِجَابَ فَأَشْرَفا
جَادَ الهِلاَلُ بِرْسمِهِ تَاجاً لَهُ … وَكَسَتْهُ نَاسِجَةُ الطَّهَارَةِ مُطْرَفَا
يَا مَنْ رَمَاهُ عُدَاتُهُ بِتَطَرُّفٍ … حَقَّقْتَ آمَالَ الهُدَى مُتَطَرِّفَا
كَهَوَاكَ لِلأَوْطَانِ فَلْيَكُنِ الهَوَى … لاَ مُفْتَرىً فِيهِ وَلاَ مُتَكَلَّفَا
يَجْرِي عَلَى قَدَرِ المَطَالِبِ نَامِياً … وَيَجِلٌّ فِي مَجْرَاهُ عَنْ أَنْ يَصْدِفا
أَنشَأْتَ مِنْ مِصْرَ الشَّتاتِ بِفضْلِهِ … مِصْرَ الفَتاةَ حِمى يُعَزُّ وَمَأْلفا
أَحْدَثْتَ فِيهَا أُمةً أَنْدَى يَداً … لِلصَّالِحَاتِ وَبِالعَظائِمِ أَكْلفَا
عَرَّفْتَ أَهْلِيهَا حَقيقَةَ قَدْرِهِمْ … وَكَفَاهُمُ مِنْ قَدْرِهِمْ أَنْ يُعْرَفا
نَفحَاتُ رُوحِكَ خَامَرَتْ أَرْوَاحَهُمْ … فَهُمُ مَرَامُكَ سَاءَ دَهْرٌ أَوْ صَفَا
حِصْنٌ أَشَمُّ تسَاندَتْ أَجْزَاؤُهُ … عِلْماًن وَأمَّنَهُ النَّهَى أَنْ يُنْسفَا
فَارُقُدْ رُقَادَكَ إِنَّ رَبَّكَ قَدْ مَحَا … بِكَ ذَنْبَ مِصْرَ كَمَا رَجوْتَ وَقَدْ عَفا