أَطبِق جَناحَيكَ مَعقوداً لَكَ الظَفَرُ – الياس أبو شبكة

أَطبِق جَناحَيكَ مَعقوداً لَكَ الظَفَرُ … فَقَد وَصَلتَ وَشَوطُ المَجدِ مُختَصَرُ

ما ضَرَّ وَكرَكَ أَن تَأتيهِ مُنطَفِئاً … ما دامَ قَلبُكَ في جَنبَيهِ يَستَعِرُ

أَلَيسَ مِن ريشِكَ المَحبورِ مُطرَفُهُ … هذي الفِراخُ عَلَيها الأَبرُدُ الحُبُرُ

تَرَكتَها وَعَلى أَكتافِها زَغَبٌ … وَجِئتَها وَعَلى أَبدانِها أُزُرُ

هذي البَواكيرُ ما أَورَدتَ سُحرَتَها … إِلّا لِيُخصِبَ في آصالِها الصَدَرُ

قَذائِفٌ لَن يُرى فَجرُ النسورِ عَلى … أَحلامِها البيضِ إِلّا حينَ تَنفَجِرُ

أَتَيتَهُ في النحاسِ الحَيِّ طَيِّبَةً … عَلَيهِ مِن روحِكَ الأَعراقُ وَالسُرُرُ

عَيناكَ في الحَجَرِ المَصبوبِ ساهِرَةٌ … يَقظانَةٌ فيهِما أَحلامُكَ الغُرَرُ

تُواجِهُ اللَيلَ هَولَ الريحِ صاخِبَةً … ما ضَرَّكَ الذِئبُ جَوعاناً أَوِ النَمِرُ

نيرانُ عَبقَرَ في عَينَيكَ إِن مَرَدَت … هُزجُ الدُجى فَعَلى عَينَيكَ تَنصَهِرُ

مَهما طَغى اللَيلُ لا تُشقيكَ زَوبَعَةٌ … وَلا يُجَهَّمُ في أَجفانِكَ الحَوَرُ

صُلبٌ عَلى الدَهرِ لا تَهوي صَواعِقُهُ … إِلّا عَلى جانِبَي وَقُبَيكَ تَنتَحِرُ

يَقظانُ وَالناسُ عُميٌ ف مَراقِدِهِم … سِيّانِ ناموا عَلى ذُلٍّ أَمِ اِحتُضِروا

عارٌ عَلَينا نَنامُ اللَيلَ هانِئَةً … عُيونُنا وَعبابُ اللَيلِ مُعتَكِرُ

لَم يَبقَ مِن رومَةٍ إِلّا صَغائِرُها … وَمِن قَياصِرِها إِلّا دُمىً كِسَرُ

وَتَشهَدُ الصُبحَ عُرسَ الصُبحِ مُنعَقِداً … عَلى جَبينِكَ نورٌ مِنهُ يَنضَفِرُ

وَلائِمٌ لَكَ تُزجى مِن مَوائِدِها … العِطرُ وَالنورُ وَالأَلحانُ وَالصُوَرُ

وَالشَمسُ بِالجَفنَةِ الخَضراءِ عاشِقَةٌ … مِن مِرشَفَيها دَمُ العُنقودِ يَختَمِرُ

وَالدُلبُ كِنّارَةُ الأَنسامِ مُرتَعِشٌ … فيهِ لِكُلِّ نَسيمٍ عابِرٍ وَتَرُ

تَشُدُّ جَفنَيكَ رُؤيا لا قَرارَ لَها … كَأَنَّما الغَيبُ في عَينَيكَ مُنحَصِرُ

عَينُ العَظيمِ ضِياءُ الأَنبِياءِ بِها … مَرَّ الجَحيمُ وَلَم يُطرَف لَها بَصَرُ

رَفَعتَ عَنكَ سِتارَ الناسِ مُنتَفِضاً … أَيَحجُبُ الخُلدُ مَن يَبلى وَيَندَثِرُ

هذي الستارَةُ كانَت في تَشَدُّدِها … عَلَيكَ آخِرَ قَيدٍ شَدَّهُ البَشَرُ

كَأَنَّها وَهيَ تُنضى خِلعَةٌ كَذَبَت … مِنَ الفَناءِ لِحاءٌ عَنكَ يُقتَتَرُ

مُنذُ اِبنِ مَريمَ وَالأَكفانُ هاوِيَةٌ … عَنِ النُبوغِ وَصَخُر القَبرِ مُنحَدِرُ

كَم في بِلادِكَ مِن نَفسٍ تَوَدُّ عَلى … وَقاحِ عَورَتِها أَن تُسدَلَ السُتُر

جاءَت عَروسُكَ في حُلمي تُخاطِبُني … يَصونُها المَلَكانِ الحُبُّ وَالخَفَرُ

شَبابُها قُبَلُ الأَجيالِ في دَمِهِ … كَأَنَّهُ بِجَمالِ اللَهِ مُؤتَزِرُ

في مُقلَتَيها نُجومٌ لِلهَوى جُدُدٌ … وَفي يَدَيها نُجومٌ لِلعُلى أُخَرُ

مِن جَنَّةِ الحُبِّ غَرسُ الخَيرِ ما نَبَتَت … لَو ذاقَتِ الأَرضُ مِن أَثمارِهِ سَقَرُ

قالَت ثِمارِيَ لَم تُبذَل لِغَيرِ فَتىً … جَرَت بِهِ الدعَةُ الخَضراءُ وَالكِبَرُ

كَم شاعِرٍ نَوَّرَت في روحِهِ قُبَلي … فَكُلُّ قُبلَةِ حُبٍّ مِن فَمي قَمَرُ

وَلَم أَطَأ قَلبَهُ إِلّا عَلى زَهَرٍ … وِسادَتي وَفِراشي قَلبُهُ العَطِرُ

وَكَم فَتىً بَطِرَ الإِلهامُ في دَمِهِ … فَقامَ يُغصِبُني في شِعرِهِ البَطَرُ

أَطعَمتُهُ شَفَتي حيناً فَساوَمَ بي … كَأَنَّني سِلعَةٌ تُشرى وَتُحتَكَرُ

لَمّا رَدَدتُ عَلَيهِ مِعطَفي خَجَلاً … صارَ الحُطَيئَةَ في أَحقادِهِ عُمرُ

أَبا النُسورِ سَقَيتَ المَوتَ خَمرَتَهُ … فَصُلبُكَ المُصطَفى لِلخُلدِ مُدَّخَرُ

ما ضَرَّ نَسرَكَ لَم يُعقِب وَقَد نُسِلَت … مِنهُ النُجومُ فَفَوزي وَحدَهُ أُسَرُ

لرُبَّ حَيٍّ غَدا في قَومِهِ حَجَرا … وَرُبَّ مَيتٍ غَدا حَيّاً بِهِ الحَجَرُ