أَشِعَّةٌ من مُقلَتَيكَ مُلهِبَه – الياس أبو شبكة

أَشِعَّةٌ من مُقلَتَيكَ مُلهِبَه … يا أَلَمي تَجعَلُ نَفسي طَرِبَه

أَشرِق عَلى قَلبي بِهيّاً نيِّرا … فَيورِقَ الشَوكُ بِهِ وَيُزهِرا

يا هَيكَلا كُهّانُهُ القلوبُ … بَخورُهُ الأَدمُعُ وَالشُحوبُ

أَسمَعُ أَجراسَكَ من بَعيد … فَهي تُناديني إِلى السُجودِ

وَدَقَّ نِصفُ اللَيلِ في السُكونِ … فَاِختَلَجَ الشاعِرُ كَالظُنونِ

وَقالَ إِنَّ تَعَبَ الضَميرِ … يَصعَدُ من مَجاهِلِ القُبورِ

يا لَيلُ يا مَسارِبَ الفَواجِعِ … يا قِرَبَ الدِماءِ وَالمَدامِعِ

كَم من خِلِيٍّ فيكَ يَستَريحُ … وَكَم شَقِيٍّ بائِسٍ يَنوحُ

أُرقُد قَريرَ العَينِ يا خِلِيُّ … وَانتَ فَاِشقَ أَيُّها الشَقِيُّ

فَاللَيلُ مِلكُ المُترفِ السَعيدِ … وَمِلكُ كُلذِ تَعِسٍ شَريدا

غَلواءُ يا نِبراسَ قَلبي البائِسِ … يا أَمَلّا في ظُلُماتِ اليائِسِ

يا مَرهَماً لِقَلبِيَ المَوجوعِ … يا مَلَكاً يَطوفُ في دُموعي

أُحبُّ فيكِ صورَةً عَذراءَ … وَإِن تَكُن أَصباغُها شَوهاء

يا صورَةً تَجري بِها السَعادَه … أَلحبُّ فيها دونَهُ العِبادَه

يا أَرَجَ المُروج وَالأَكهامِ … يا وَتَراً أَسمَعَني أَنغامي

مَجَّدتُ آلامَكِ في الزُهورِ … في وَهَجِ الأَنوارِ في الطُيورِ

في بَسَمات الصُبحِ في الأَصائِل … في القَمحِ في تَمَوُّجِ السَنابِل

في أَدمُعِ الأَيِّمِ وَاليَتيمِ … في صَرخَةِ البَريءِ وَالمَظلومِ

يا زَهرَةً تائِبَةً مقدَّسَه … يا خُبر قُربانةِ نَفسي التَعِسَه

أَحمَدُكِ اليَومَ كامسِ وَغَدا … وَكُلّما غابَ النَهارُ وَبَدا

وَكُلَّما بَلَّلتُ بِالدُموعِ … شِعراً شَقِيّاً قُدَّ من ضُلوعي

وَقد أَحَسَّت فَترَةً بِروحِها … تَطَّرِحُ الأَوهام من جُروحِها

وَرَفَعَت اليهِ عيناً ذائِبَه … كَأَنَّها صورَةُ نَفسٍ تائِبَه

لكِنَّها عادَت إِلى جُنونِها … وَثارَت النيرانُ في عُيونِها

وَكانَ قَد أَوشَكَ أَن يُقَبِّلا … جَبينَها المُضطَربَ المُشتَعِلا

حينَ اِستَحالَت جَمرَةً مُلتَهِبَه … تَراجَعَت عَنهُ خُطىً مُضطَرِبَه

وَبعد فِكرٍ قالَتِ الحَياةُ … عَقارِبٌ من جَسَدي تَقتاتُ

دَعني فَلا أَبرَحُ يا حَبيبي … أَعيشُ في ماضِيَّ في ذَنوبي

في حَمأَةِ الضَميرِ في اوجاعي … في بُؤرَةِ الديدانِ وَالأَفاعي

أَيَستَطيعُ الطيبُ في القارورَه … أَن يَغسِلَ الأَوساخَ في القاذورَه

دَعني وَخلِّ نَفسَكَ العَذراءَ … عَذراءَ لا تَرجِسُ في غَلواءَ

وَاِستَرجِعِ القُبلاتِ من خَدَّيّا … مَغفِرَةٌ ثَقيلَةٌ عَليّا

فَقالَ إِنَّ دَمعَةً تَطَهَّرَت … تَكفي لِغَسلِ النَفس مَهما قَذِرَت

فَأَدمُعُ التَوبَةِ وَالغُفرانِ … أَقدَسُ يا غَلواءَ من القُربانِ

فهي خَميرُ الأَلَمِ المَعجونِ … وَفَلذَةُ القُلوبِ في العُيون

وَسُبحَةُ النُفوسِ في العَذابِ … تُجمَعُ في سِلكٍ من الأَهدابِ

وَهي عَصيرٌ من لُبانٍ طاهِر … تَعقُدُهُ الآلامُ في المَحاجِر

وَلُؤلوءٌ في قَعرِ بَحرٍ خاطي … يَقذِفُهُ الموجُ إِلى الشَواطىء

مَرَّت ثَوانٍ كُلُّها أَحلامُ … لَم يَتَخَلَّل سُكرَها كَلامُ

كان بِها الاِثنانِ يُصغِيانِ … إِلأى نَزاع الأَلَمِ السَكرانِ

إِذا بِهِ يَقولُ يا غَلواءُ … هذا الشَقا تَبارَكَ الشَقاء

هذا الشَقا يا غَلوَ يا حَبيبَتي … يا أُختِ يا عَروسس يا رَفيقَتي

هذا الشَقا في مَطهَرِ التَكفيرِ … آخِرُ حدٍّ لِشَقا الضَمير

غَلواءُ فِردوسُ الحَياةِ ههنا … فَأَنتِ لم تَزني بل الوَهمُ زِنى

إِحتَفِظي بِقُدسِ تَذكارِ الشَقا … فَهو طَريقٌ لِلعَفافِ وَالتُقى

إِنَّ الشَقاء سُلَّمٌ إِلى السَما … فَعَدنُ ميراثٌ لِمَن تَأَلَّما

وَثَمَنُ السَعادَةِ الخَلّابَه … لَيسَ يُوازي ثَمَنَ الكَآبَه

وَشُفيت غَلواءُ من أَوهامِها … لكِنَّها لَم تُشفَ من آلامِها