أَشكو إِلى قَلبِكَ يا سَيِّدي – الياس أبو شبكة
أَشكو إِلى قَلبِكَ يا سَيِّدي … قَلباً ثَوى في حَظِّيَ الأَسودِ
أَطلَقتُه طِفلاً وَلما نَمى … أَصبَحَ مُحتاجاً إِلى مُرشِدِ
أَهكَذا كنتَ وَكانَ الهَوى … في عَهدِ سُلطانِ الصبا الأَيِّدِ
تنهجُ نَهجَ الطَيرِ في مَرجِهِ … لا تَنتَمي يَوماً لِغَيرِ الدَدِ
وَالمَرجُ بَسّامٌ بِأَزهارِهِ … لِنَشوَةٍ في طَرفِكَ الأَغيَدِ
يُريكَ ساعاتِكَ هزّاجَةً … وَيَكتُمُ اليَأسَ مَصيرُ الغَدِ
فَيلكسُ ما لِلحرِّ من راحَةٍ … في وَطَنٍ يَرتاحُ لِلأَعبُدِ
بَناتُه مُستَعبَداتٌ بِهِ … تُؤثِر أَن تُعزى لِمُستَعبَدِ
بَناتُه يا ويحَها من دمىً … جرَّدَها الظُلمُ من الأَكبُدِ
ذَوَّبَتِ الدُنيا بِأَجفانِها … رَحيقَ جَهلٍ أَكدَرٍ مُفسِدِ
وَغادَةٍ أَحبَبتُها ضَلةً … وَلم يَكُن قَلبي الفَتى في يَدي
أَحبَبتُ فيها ما يحبُّ النَدى … في خَطراتِ النُسَمِ الشُرَّدِ
ما اِستَحكَمَ القَلبانِ حَتّى مَضَت … تَلقي بِأَحلامِيَ في مَوقِدِ
وَاِنفَجَرَ البُركانُ حَتّى اِنثَنَت … تَدُبُّ نارُ اليَأسِ في مَرقَدي
فخفتُ أَن يُقضى عَلى عزَّتي … وَأَن يَعيثَ الخَزى لا يرتَدي
فَقُلتُ لِلقَلبِ اِنتَبِه إِنَّ لي … مجداً ثِياب الخَزي لا يَرتَدي
وَالمَرأةُ الحَسناءُ صَيّادَةٌ … تَصطادُ قَلبَ الباسِلِ الأَصيَدِ
ثائِرَةٌ كَالمَوجِ إِن تَلعِب … الأَرواحُ في طَيّاتِهِ يُزيدِ
لما رَأَتني مُلقِياً عَهدَها … عَلى ضحايا حُبِّها الأَربَدِ
وَاليَأسُ في عَينَيَّ مُستَحكِماً … لا يَرِدُ الآمالَ من مورِدِ
أَلقَت بواهي رَأسِها المُجهَدِ … عَلى بَقايا جَسدي الأَملَدِ
كَأَنَّها وَاليَأسُ يَعتادها … تَلقي بِأَشلاءٍ عَلى جَلمَدِ
أَوصَدتُ دونَ الحُبِّ قَلبي فَما … يَرجو الهَوى من قَلبِيَ الموصَدِ
بَينَ ضُلوعي حجرٌ بارِدٌ … رَميتُه في ظُلمَةٍ أَبرَدِ
خمسَةُ أَعوامٍ تَقَضَّت بِنا … بَينَ عذابٍ مجحفٍ مُلحدِ
حسبتُها من فَرط أَثقالِها … خَمسَةَ أَجيالٍ بِصَدري النَدي
أَقعَدَني عَن نَيلِ مُستَقبَلي … همٌّ وَلَولا الهَمُّ لم أَقعُدِ
وَيلُ الشَبابِ الغضِّ من قَلبِهِ … إِذا أَضلوهُ وَلم يَهتَدِ
القَلبُ جرمٌ في حَياةِ الفَتى … وَصانِع القَلبِ هو المُعتَدي
من واجِب الأَيّامِ تحطيمُهُ … عَلى حِفافِ المَهدِ في المَولِدِ
يا سَيِّدي فَيلكسُ ذي حالَتي … ذي حالَةُ الشاعِر يا سَيِّدي
إِمّا رَآهُ الحُبُّ مُستَنزِفاً … أَدمُعُهُ قالَ لَهُ غَرّدِ
بَئِست حَياتي في بِلادٍ غَدَت … تَرتاحُ لِلأَنذالِ من حُسَّدي
تؤثرُ صوتَ البومِ في نَحسِهِ … عَلى أَغاني البُلبُلِ المُنشدِ
يا شاعِرَ الآلامِ هذا دَمي … ذوبتهُ شمعاً عَلى مَعبدي
هذي عِباراتُ الأَسى سُطِّرَت … بِالدَمعِ من أَجفاني الزهَّدِ
هذي شَكاتي يا خَطيبَ العُلى … أَرفَعُها لِلرَجُلِ الأَوحَدِ
أَرفَعُها لِلمَجدِ في أَوجِهِ … لِأَنَّه جذوَةُ قَلبٍ صدي
وَجدتُ في نَفسِكَ ما لَم أَجِد … في أَنفُسٍ مُخمدَةٍ هُجَّدِ
لامَستُ في أَنّاتِها ثَورَةً … أَخمَدَت النارَ وَلم تَخمُدِ