أَرَأَيْتَ فِي أَثَرِ الغَمَامِ الوَادِقِ – خليل مطران
أَرَأَيْتَ فِي أَثَرِ الغَمَامِ الوَادِقِ … جَرْيَ العُيُونِ بِدَمْعِهِنَّ الدَّافِقِ
هِيَ دِيمَةٌ خَرْسَاءُ أَلْقَتْ دَرَّهَا … وَكَأَنَّ مَا أَلْقَتْهُ حُمْرُ صَوَاعِقِ
لَمْ يَنأَ عَنْ مَرْمَى لَظاهَا ناطِقٌ … بِالضَّادِ بَيْنَ مَغَارِبٍ وَمَشَارِقِ
مَاذَا جَنَاهُ وَلَمْ يَكُن مُتَوَقَّعاً … قَدَرٌ تَغَيَّرَ فِي قِصَارِ دَقَائِقِ
فَجَعَ الكِنَانَةَ بِابْنِهَا وَبِسَيْفِهَا … وَبِرَأْيِهَا فِي المَوْقِفِ المُتَضَايِقِ
هَيْهَاتَ تَهْجَعُ وَالخُطُوبُ حِيَالَهَا … يَقظَى تُقَوَّضُ كُلَّ رَأْسٍ شَاهِقِ
وَتَلِجُّ فِي حَصْدِ الشَّبَابِ وَمَا بِهَا … رِفْقٌ بِمُحْتَلِمٍ وَلاَ بِمُرَاهِقِ
فِتْيَانُهَا هُمْ ذُخْرُهَا وَعَتَادُهَا … وَأَشِعَّةُ الصُّبْحِ الجَدِيدِ الشَّارِقِ
أَتَظَلُّ كَالأُمِّ الثَّكُولِ مَرُوعَةً … بِبَوَائِقٍ تَنْقَضُّ إِثْرَ بَوَائِقِ
حَسَنَيْنُ إِنْ يَبْعَدْ فَلَيْس مُفَارِقاً … مَا كُلُّ غَائِبِ صُوَرةٍ بِمُفَارِقِ
أَنى افْتَقَدْتَ وَجَدْتَ فِي آثَارِهِ … ذِكْرَى تَضَوَّعُ كَالأَرِيجِ العَابِقِ
عِلْمٌ وَتَقْوَى يُؤْتِيَانِ جَنَاهُمَا … حُلْواً عَلَى قَدْرِ المُنَى لِلذَّائِقِ
أَدَبٌ كَمَا يَهْوَاهُ أَرْبَابُ الحِجَى … وَفَصَاحَةٌ لَيْسَتْ بِذَاتِ شَقَاشِقِ
جُودٌ بِلاَ مَنٍ يُكَدِّرُ صَفْوَهُ … وَالمَنُّ يُكْرَهُ لَوْ أَتَى مِنْ رَازِقِ
بَأْسٌ وَمَا أَحْلاَهُ فِي مُتَكَرِّمٍ … عَنْ لُوثَةِ المُتَصَلِّفِ المُتَحَامِقِ
وَصَلاَبَةٌ تُهْوَى لِمَا ازْدَانَتْ بهِ … مِنْ نَاعِمَاتٍ فِي الخِلاَلِ رَقَائِقِ
طَلَبَ المَعَالِي فِي اقْتِبَالِ شبَابِهِ … وَأَتى الفرِيّ بِمُبْدَعَاتِ طَرائِقِ
بِالرَّأيِ أَوْ بالبَأْسِ أَوْ بِكِلَيْهِمَا … يُدْني البَعيدَ وَلاَ يُعَاقُ بِعَائِقِ
فِي كُلِّ شوْطٍ لِلمَهَارَةِ وَالحجَى … يَشْأُو الرِّفاقَ وَمَا لهُ مِنْ لاَحِقِ
أَلسيْفُ أَشْرَفُ لَهوِهِ وَأَحَبُّهُ … وَالسيْفُ لاَ يَأْبَى مَرَانةَ حَاذِقِ
يَعْتَدُّهُ حَيْثُ الزَّمَانُ مُسَالِمٌ … لِيَكُفَّ مِنْ غرْبِ الزمَانِ الحَالِقِ
هُوَ إِلْفُهُ وَحَلِيفُهُ لكِنهُ … لِلزهْوِ لمْ يَنُطِ النِّجَادَ بِعَاتِقِ
جَابَ الصّحَارَى المُوحِشاتِ يَرُوعُهَا … مِنْ ذلِك الإِنسِيِّ أَوَّلُ طارِقِ
يَرْتادُهَا بِذكَائِهِ وَدَهَائِهِ … وَكَأَنهُ يَرْتَادُهَا بِفَيَالِقِ
فَأَصَابَ بِاسْتِكْشَافِهِ وَاحَاتِهَا … فَتْحاً عَزِيزاً خَلَّدَ اسْمَ السابِقِ
وَرَمَى العَنَانَ بِذَاتِ أَجْنِحَةٍ عَلى … كُرْهٍ تَذِلّ لِقَائِدٍ أَوْ سَائِقِ
تَقَعُ القَشَاعِمُ دُونَهَا وَتَمُرّ فِي … هُوجِ العَوَاصِفِ كَالشِّهَابِ المَارِقِ
أَيَخَافُهَا وَهْوَ المُرَاغِمُ لِلرَّدَى … حَتى يُوَافِيَهُ بِحِيلَةِ سَارِقِ
بَيْنَ الثقَافَةِ وَالرِّيَاضَةِ لَمْ يَزَلْ … فِي سَيْرِهِ المُتَخَالِفِ المُتَوَافِقِ
حَتى إِذَا رَمَقَتْهُ عَيْنُ مَلِيكِهِ … لِشَمَائِلَ اكْتَمَلتْ بِهِ وَخَلاَئِقِ
أَدْنَاهُ مُخْتَصّاً بِهِ فَوَفَى لَهُ … بِفُؤَادِ شَهْمٍ لاَ لِسَانِ مُمَاذِقِ
مُسْتَمْسِكاً بِوَلاَئِهِ مُتَجَشِّماً … عَنَتاً وَلَمْ يَكُ ذَرْعُهُ بِالضائِقِ
وَيَلِي المَنَاصِبَ لَمْ يُكَابِدْ دُونَهَا … حُرَقُ المَشُوقِ وَلاَ هَوَانَ العَاشِقِ
يَقْضِي حُقُوقاً لِلبِلاَدِ وَأَهْلِهَا … مِنْهَا وَلاَ يَقْضِي لُبَانَةَ عَالِقِ
وَيَزيِدُ مُرْهِقَةَ الفُرُوضِ نَوَافِلاً … مِنْ سَدِّ خَلاَّتٍ وَنَفْعِ خَلاَئِقِ
فِي المُعْضِلاَتِ يَرَى بِثَاقِبِ رَأْيِهِ … مَا غَيَّبَتْهُ مِنْ وُجُوهِ حَقَائِقِ
فَيَسيرُ لاَ حَذِراً وَلاَ مُتَرَدِّداً … وَيَبُثُّ بَثَّ المُطْمَئِن الوَاثِقِ
هَلْ يَسْتَوِي مُتَطَلِّعٌ مِنْ مُسْتَوىً … لاَ أُفْقَ فِيهِ وَنَاظِرٌ مِنْ حَالِقِ
مَا اسْطَاعَ يَصْطَنِعُ الجَمِيل وَلَمْ يَرُقْ … فِي عَيْنِهِ غَيْرُ الأَنِيقِ الرِائِقِ
وَرَعَى الأُولَى قَدَرُوا الجَمَالَ فَبَرَّزُوا … بِفُنُونِهِمْ مِنْ صَامِتٍ أَوْ نَاطِقِ
فَبِجَاهِهِ وَبِنُصْحِهِ وَبِبِرِّهِ … نَصَرَ النِفيسَ عَلَى الخَسِيسِ النافِقِ
وَرَعَى رِيَاضَاتٍ تُنَشِّيءُ فِتْيَةً … سُمَحَاءَ أَخْلاَقٍ حُمَاةَ حَقائِقِ
أَللهْوُ ظَاهِرُها وَفِي تَوْجِيهِهَا … كَمْ مِنْ مَنَافِعَ لِلحِمَى وَمَرَافِقِ
مَاذَا أَرَانَا فِي رَفِيعِ مَقَامِهِ … مِنْ كُلِّ مَعنىً فِي الرُّجُولَةِ شَائِقِ
حَتى قَضَى الأَيَّامَ لاَ يَلْقَى بِهَا … إِلاَّ تَجِلَّةَ مُكْبِرٍ أَوْ وَامِقِ
تَجْلُو القِلاَدَةُ صُورَة فِي جِيدِهِ … لِفَضَائِلٍ كَجُمَانِهَا المُتَنَاسِقِ
هَذَا فَقِيدُ مَليكِهِ وَبِلاَدِهِ … وَشَهِيدُ إِخْلاَصِ الوَفِيِّ الصادِقِ
يَا وَافِدِينَ لِيَشْهَدُوا تَأْبِينَهُ … مِنْ أَوْليَاءَ وَأَصْفِيَاءَ أَصَادِقِ
وَمْنَ الشَّبَابِ الصِّيدِ فِي الفِرَقِ التِي … عَنْهَا ضَحَا ظِلُّ اللِّواءِ الخَافِقِ
أَتُعَادُ بِالذِّكْرَى مَآثِرُهُ وَمَا … يُحْصَيْنَ بَيْنَ جَلاَئِلٍ وَدَقَائِقِ
مَنْ مُسْعِدُ الخُطَبَاءِ وَالشُّعْرَاءِ أَنْ … يَرْقَوْا إِلَيْهَا بِالثنَاءِ اللاَّئِقِ
فِي الشرْقِ آفَاقٌ تُرَدِّدُهَا فَمَا … جُدْرَانُ دَارٍ أَوْ سُتُورُ سُرَادِقِ
فَارُوقُ يَا فَخْراً لأُمتِهِ إِذَا … عُدَّ المُلُوكُ مِنَ الطِّرَازِ الفَائِقِ
دُمْ سَالِماً وَفِدَاكَ أَهْدَى رَائِدٍ … وَأَبَرُّ مُؤْتَمَنٍ وَخَيْرُ مُرَافِقِ
مَا كَانَ أَفْدَحَ رُزْءَهُ بِنَوَاهُ عَنْ … مَوْلاَهُ لَوْ لَمُ يَلْقَ وَجْهُ الخَالِقِ