أَتَجهَلُ قَدرَ بِشرٍ إِنَّ بِشرا – الياس أبو شبكة

أَتَجهَلُ قَدرَ بِشرٍ إِنَّ بِشرا … لَأَرفَعُ مِنكَ في الناسوتِ قَدرا

نَما بَينَ الأَباعِرِ في البَراري … وَغَيرَ الكَهفِ لَم يَعرِف مَقَرّا

ولكِن حَلَّ في بُردَيهِ وَحيٌ … كَفاكَ تَفاخُراً وَكَفاهُ فَخرا

وَهَل في بُردَتَيكَ سِوى دَعِييٍّ … تَسَوَّدَ في القَبيلَةِ حينَ أَثرى

رَأَت بِشراً عَجوزٌ ذاتَ يَومٍ … وَقَد حَزَرَت بِهِ وَطَراً وَأَمرا

فَقالَت أَنتَ تَبحَثُ عَن عُروسٍ … وَبِاِبنَةِ عَمِّكَ المِضيافِ أَحرى

فَقالَ لَها وَهَل هِي ذاتُ حُسنٍ … فَقالَت إِنَّها في الحُسنِ بُشرى

لَها شَعرٌ كَأَنَّ اللَيلَ مِنهُ … تَمَنّى البَدرُ فيهِ أَن يَمُرّا

كَأَنَّ ذُؤابَتَيهِ حِبالُ أَسرٍ … تُشَدُّ بِها قُلوبُ العُربِ أَسرى

فَخَفَّ لِعَمِّهِ نَشوانَ جَذلاً … وَكاشَفَهُ فَلاقى مِنهُ زَجرا

فَقالَ لَهُ أَبَيتَ اللَعنَ قُل لي … أَفاطِمَةٌ لِغَيرِ دَمي تُسَرّى

أَتَأباها عَلَيَّ وَمِن ذِراعي … لِآمالِ القَبيلِ عَمِلتُ جِسرا

فَمَن لَكَ في الرَعِيَّةِ غَيرُ بِشرٍ … يَرُدُّ غَوائِلَ الغَزَواتِ حُمرا

وَكَم بِكرٍ وَهَبتُكَ مِن دِمائي … وَتَأبى يا ظَلومُ عَلَيَّ بِكرا

وَهامَ مُشَعَّثَ الأَحلامِ غَيظاً … يُخَرِّبُ تارَةً وَيَعُجُّ أُخرى

وَثارَ عَلى قَبيلَتِهِ بِضُرٍّ … فَكانَ الذِئبَ فَتكاً أَو أَضَرّا

فَضَجَّ بَنو الرَعِيَّةِ مِن أَذاهُ … وَأَوجَسَ عَمُّهُ خَوفاً وَذُعرا

فَقَرَّبَهُ إِلَيهِ وَقَد تَحَرّى … لَهُ شَرَكاً لِيوقِعَ فيهِ ذِمرا

وَقالَ لَهُ إِذا ما كُنتَ شَهماً … أَنِلني مِن خُزاعَةَ مِنكَ مَهرا

فَدَبَّت سورَةُ العَرَبِيِّ فيهِ … وَأَسرَجَ مُهرَهُ حَتّى يَكُرّا

وَجَنَّبَ في حِمالتِهِ جُرازاً … لَهيبُ المَوتِ يَنفُثُ مِنهُ جَمرا

وَكانَ النَجَوُّ مُربَدّاً رَهيباً … كَاَنَّ مِنَ الجَحيمِ عَلَيهِ سِترا

فَسامَرَهُ حَفيفُ الغابِ حيناً … وَحيناً سامَرَتهُ طُيوفُ ذِكرى

وَفيما بِشرُ يَطوي البيدَ طَيّاً … وَيَنشُرُها عَلى الامالِ نَشرا

إِذا بِالمُهرِ أَجفَلَ وَاِعتَراهُ … جُمودُ دُمىً وَأَحجَمَ وَاِقشَعَرّا

فَأَغمَدَ في الدياجي ناظِرَيهِ … فَأَبصَرَ في ثَناياها هِزَبرا

وَفاضَت نَشوَةً مِن مُقلَتَيهِ … مُشَعشَعَةٌ فَقالَ عُقِرتَ مُهرا

وَحينَ جَذا اِنتَضى السَيفَ المُرَوّى … وَقالَ اِنبُت فَإِنَّكَ لَن تَفِرّا

فَلَستُ بِراجِعٍ يا لَيثُ حَتّى … يَصِرَّ بِكَ الذبابُ الغثّ صَرّا

وَأَقدَمَ مُثبِتَ الأَبصارِ فيهِ … فَكانَ كِلاهُما أَسَداً تَسَرّى

وَكانَ اللَيثُ يَفرَقُ مِنهُ طَوراً … وَيَبسُطُ تارَةً لِلوَثبِ ظُفرا

وَفي أَلحاظِهِ لَهَبٌ غَضوبٌ … يُراشِقُهُ بِهِ شَفعاً وَوِترا

يَنِشُّ بِشِدقِهِ زَبَدٌ حَرورٌ … وَيَنفُثُ صَدرُهُ حُمَماً أَحَرّا

وَضَجَّ الغابُ فَالدُنيا صِراعٌ … تُفَجِّرُ في رُواقِ اللَيلِ حُرّا

وَحينَ رَآهُ أَرسَخَ منهُ بَأساً … تَذَأبَ وَالغَضَنفَرُ كانَ حُرّا

وَأَطلَقَ بِشرُ مُنصَلَهُ عَلَيهِ … فَقَدَّ لَهُ مِنَ الأَضلاعِ عَشرا

وَثارَ الكَونُ ثَورَتَهُ فَأَلقى … عَلى اللَيلِ الحُسامَ فَدارَ فَجرا

وَأَسكَرَ مَشهَدُ الضِرغامِ بِشراً … وَكَم شَرِبَ الدَمَ المُهراقَ خَمرا

فَقَدَّ قَميصَهُ عَنهُ وَأَملى … عَلَيهِ بِالدَمِ المَطولِ شِعرا

أَفاطِمَ لَو شَهِدتِ بِبَطنِ خَبتٍ … وَقَد لاقى الهِزَبرُ أَخاكِ بِشرا

وَوالى سَيرَهُ يَمتَلُّ فيهِ … لِيَبلُغَ مَأرَباً قَد كانَ وَعرا

وَأَنداءُ الصَباحِ تَفوحُ طيباً … وَيَسكُبُها النَسيمُ عَلَيهِ عِطرا

وَفيما الحُبُّ يَنهَبُهُ عَراهُ … فَحيحٌ مَرَّ في أُذُنَيهِ مَرّا

وَأَبصَرَ حَيَّةً طَلَعَت عَلَيهِ … مِنَ الأَدغالِ مِثلَ التُربِ سَمرا

أَذابَ الصُبحُ خَمرَتَهُ عَلَيها … فَمالَت مِن خُمورِ الصُبحِ سَكرى

وَشَعَّت كَالزُجاجِ وَقَد تَلَوَّت … عَلى أَعشابِها بَطناً وَظَهرا

فَقالَ أَخوكِ كانَ عَلَيَّ وِقراً … وَلكِن أَنتِ أَثقَلُ مِنهُ وِقرا

فَهَل بُعِثَت بِهِ روحٌ تَرَدَّت … بِجِلدِ الأَفعوانِ تَرومُ ثَأرا

ولاقاها بِصَدرٍ راضَ صَبراً … وَلاقَتهُ بِصَدرٍ ضاقَ صَبرا

فَكانَت تَنثَني عَنهُ اِغتِيالاً … وَتُنشِبُ رَأسَها لِلفَرسِ غَدرا

تُرى ماذا يَحُلُّ بِنا إِذا ما … أُصيبَ بِنَكبَةٍ اللَهُ أَدرى

فَبِشرٌ مَرجِعُ الفُرسانِ فينا … وَحامينا إِذا الجَوُّ أَكفَهَرّا

بَعَثتُ بِهِ إِلى حَتفٍ ذَميمٍ … كَأَنّي لِلقَبِيلِ حَفَرتُ قَبرا

فَإِن يَسلَم مِنَ الأَسَدِ اِبنِ داذا … فَلَن يَنجو مِنَ الأَفعى طِمِرّا

وَشَمَّرَ لِلِّحاقِ بِهِ وَكانَت … دِماهُ تُثيرُهُ وَالعَينُ شَكرى

عَلى فَرَسٍ كَأَنَّ الجِنَّ تَعدو … بِرِجلَيها فَتَختَفِيانِ سِرحا

وَلَمّا أَدرَكَ اِبنَ أَخيهِ حَيّاً … يَروغُ الوَحشُ مِنهُ جَذا وَخَرّا

وَقالَ اِعدِل عَنِ الأَفعى فَإِنّي … رَأَيتُكَ أَرحَبَ الأَعرابِ صَدرا

لَأَنتَ أَحَقُّ مِن أُمَراءِ قَومي … بِفاطِمَةٍ فَكُن لي ابِناً وَصِهراً

فَأَلهَبتِ الحَماسَةُ كَفَّ بِشرٍ … فَصَعَّدَ سَيفُهُ المَصدورُ جَمرا

وَأَطعَمَ خَصمَهُ يُسرى يَدَيهِ … وَأَجرى المَوتَ مِن يُمناهُ نَهرا

فَقَبَّلَ عَمُّهُ يَدَهُ بِحُبٍّ … وَقالَ أَتَيتُ أَطلُبُ مِنكَ عُذرا

أَلا عُد بي إِلى حَيثُ السَرايا … تُقيمُ لِعُرسِكَ اليَومَ الأَغَرّا

فَقَد شَهِدَت صُخورُ الغابِ يا اِبني … بِأَنَّكَ فارِسُ الأَعرابِ طُرّا

وَعادا وَالغُصونُ تَميلُ تيهاً … كَأَنَّ بِها لِما شَهِدَتهُ سُكرا

وَتَعطِفُ في الطَريقِ عَلى يَدَيهِ … تُقَبِّلُ مِنهُما يُمنى وَيُسرى

وَإِذ كانا يَجوبانِ البَراري … وَيَنثُرُ بِشرُ آيَ الفَخرِ نَثرا

إِذا بِمُلَثَّمِ العَينَينِ نَجدٍ … تَعَرَّضَّ في الطَريقِ لَهُ مُصِرّا

وَقالَ كَفاكَ تَفَخرُ يا عِصاماً … فَفَخرُكَ مَرَّ في أُذُنَيَّ فَجرا

قَتَلتَ بَهيمَةً وَقَتَلتَ سوساً … وَتَملأُ ماضِغَيكَ قَذىً وَنُكرا

فَقالَ وَمَن تَكونُ فَقالَ إِنّي … نَذيرُ المَوتِ جِئتُ إِلَيكَ جَهرا

أَنا دَهرٌ وَأَيّامي سَعيرٌ … إِذا نازَلتَني نازَلتَ دَهرا

وَفي غَضَبٍ تَبَدّى المَوتُ فيهِ … عَلى سَيفَيهِما كَرّاً وَفَرّا

أَصابَ مُلَثَّمُ العَينَينِ بِشراً … فَأَحجَمَ عَنهُ إِخفاقاً وَقَسرا

وَصاحَ بِه أَبَيتَ اللَعنَ فَاِرفَع … لِثامَكَ لا تَظَلَّ عَلَيَّ سِرّا

فَقالَ الخَصمُ وَهوَ يُميطُ سِتراً … أَنا اِبنُكَ فَاِنظُرِ الوَلَدَ الأَبَرّا

فَعاوَدَ بِشرَ تَذكاراتُ عَهدٍ … تَصَرَّمَ تارِكاً في الصَدرِ ذِكرى

وَقَبَّلَهُ وَقالَ أَراكَ يا اِبني … بِفاطِمَةَ اِبنَةِ الأَعمامِ أَحرى