أَتَتْ مِصرَ تَسْتَعْطِي بِأَعْيُنِهَا النُّجْلِ – خليل مطران
أَتَتْ مِصرَ تَسْتَعْطِي بِأَعْيُنِهَا النُّجْلِ … وَعرْضِ جمَالٍ لاَ يُقَاسُ إِلَى مِثْلِ
غَرِيبَة هَذِي الدَّارِ بادِيَة الذُّلِّ … جَلتْ طِفْلَةً عَنْ مَوْطِنٍ نَاضِبٍ قَحْل
فَلاَخِيَّةٌ مَا درَّهَا ثَدْيُ أُمهَا … سِوى ضَعْفِهَا البادِي علَيْهَا وهمِّها
وَلَمْ تَتَناوَلْ مِنْ أَبِيهَا سِوَى اسْمِهَا … وَمَا أَحْرزَتْ مِنْ أَهْلِهَا غَيْرَ يُتْمِهَا
فَكَانَت كَنَامِي الغَرْسِ يَزْكُو وَيَنْضُرُ … وَمَطْعَمُهُ طِينٌ وَمَسْقَاهُ أَكْدَرُ
يُحِيطُ بِهَا دَوْحَانِ شَيْخٌ مُعَمِّرٌ … وَأُمٌ عَجُوزُ القِشْرِ وَاللبُّ أَخْضَرُ
فَمِنْ صُبْحِها تَسْعى لِجَنْيٍ ومُكْتَدى … وفِي لَيْلِهَا تَقْضِي الَّذِي يُبتَغَى غَدَا
كَمَا كَانَ عَبْدُ الرِّقِّ جِنْحاً وَمُغْتَدَى … يُوَاصِلُ مَسْعَاهُ لِيَخْدُم سيِّدَا
قَضَتْ هَكَذَا بَيْنَ الأَسَى وَالمتَاعِبِ … صِباها وَلَمَّا تَغْدُ بين الكَوَاعِبِ
فَصَحَّتْ كَنَبْتِ الطَّوْدِ بَيْنَ المعَاطِبِ … وَمَدَّتْ إِلَى حيْثُ الثَّرى غَيْرُ نَاضب
فَيا لَقوَى التَّمْكِينِ فِي جِسْمِ سَالِمِ … يُقَاوِمْن دُونَ العُمْرِ كُلَّ مُقَاوِمِ
يُجَاذِبْنَ بِالأَوْرَاقِ دَرَّ الغَمَائِمِ … يُهَابِطْن بِالأَعْراقِ ذَرَّ المَنَاجِمِ
يَمُرُّ بِهَا عهْدُ الصِّبا وَالتَّدَلُّلِ … عَلَى شَظَفٍ فِي عيْشِهَا وَتَذَللِ
وَكَمْ جُرِّعَتْ مِنْ صَبْرِهَا كَأْس حَنْظَلِ … وَكَمْ نَالَهَا صَرْفٌ مِنْ الدَّهْرِ مُبْتَلي
وكَمْ ضَاجَعَ الجُوعُ الأَثِيمُ بَهَاءَهَا … فَقَبَّلَهَا حَتَّى أَجَفَّ دِمَاءَهَا
وكَم سَاعَفَ الحَر المُذِيب شَقَاءَهَا … وكَمْ نَازَعَ البَرْدُ الشَّدِيدُ بَقَاءَهَا
أَنَرْنَ نُهَاها فِي اعْتِكَارِ التَّجَارِبِ … بِنِيرَانِهِنَّ المُحْرِقَاتِ الثَّوَاقِبِ
صُغْنَ لَهَا مِنْ فَحم تِلْكَ الغَيَاهِبِ … ذَكَاءً مِن الماسِ المُضِيءِ الجَوَانِبِ
دَعاهَا بِلَيْلَى والِدَها لِتُنْكَرَا … وَهَلْ كَانَ صَوْناً لاسْمِهَا أَنْ يُغَيَّرَا
عَلَى أَنهَا كَانَتْ مِثَالاً مُصَوَّرَاً … تَصَوَّرَ مِنْ مَاءِ الجمَالِ مُقَطَّرا
يُسرُّ بِمرْأَى حُسْنِها كُلُّ سَابِلِ … فَينْفَحُهَا مِنْ مَالِهِ غَيْرَ بَاخِلِ
وكَمْ مُدْقِعٍ مِنْ شِدَّةِ الفَقْرِ سَائِلِ … يَرُدُّ يَدَيْهِ لا يَفوزُ بِنَائِلِ
تَحنُّ إِلى الصُّقْعِ الَّذِي لَمْ يَبَرَّهَا … وجَرَّعَهَا صَابَ الحَيَاةِ وَمُرَّهَا
نَأَتْ ونَأَى أَتْرَابُهَا عَنْهُ كُرَّهَا … وَلَكِنْ هِي الأَوْطَانُ نَحْمَدُ ضُرَّهَا
عَلَى أَنَّهُ صُقْعٌ شَحِيحُ الجدَاوِلِ … عَقِيمُ الثَّرَى لَكِنَّهُ جِدُّ آهِلِ
جَدِيبٌ خَصِيبٌ بِالبطُونِ الحَوَامِلِ … وَما تَقْذِفُ الأَمْوَاجُ فِي متْنِ سَاحِلِ
يُعِدُّ بَنِيهِ لِلتَّبَارِيحِ وَالفَنا … إِذَا لَمْ يَرُودُوا كُلَّ أُفْقٍ مِنَ الدُّنَى
فَيَتَّخِذُونَ التِّيهَ فِي الأَرْضِ مْوطِنَا … وَهُمْ كَالدَّبَى الغَرْثَى نُفُوساً وَأَبْطُنَا
فَلاَ تُنْكِرُ الأَزْوَاجُ بَغْيَ نِسائِهَا … وَلاَ تكْبِرُ الزَّوْجَاتُ خَلْع حيَائِها
ووُلْدٍ خَلَتْ آبَاؤُهَا عَنْ إِبَائِهَا … تُسَاوَمُ فِي حُسنِ الوُجُوهِ وَمَائِهَا
كَذَا أُدِّبَتْ لَيْلَى فَطِيماً وعَالَهَا … ذَوُوهَا لِيُضْحُوا بَعْدَ حِينٍ عِيَالَهَا
فَتُطْعِمِهُمُ مِنْ خِزْيِهَا مَا جُنَى لَهَا … وَتَكْسُوهُمُ مِمَّا تُعرِّي جَمالَها
ولَكِنّ فِي نَفْسِ الصَّغِيرِ المَسَاويَا … يُمَاثْلنَ بِالحُسْنِ الخِصالِ الزَّوَاهِيا
كَأَوَّلِ نَبْتِ الحَقْلِ يَجْمُلُ نَامِيَا … وَلاَ تَفْرُقُ العينُ الغَرِيب المُضَاهِيَا
فلَمْ يَكُ فِي لَيْلَى سِوَى مَا يُحَبِّبُ … بِهَا مِنْ مَعَانِيهَا الجِيَادِ وَيُعجِبُ
وَكَانَتْ علَى الأَيَّامِ تَنْمُو وَتَعذُبُ … كَمُثْمِرَةِ الأَغْصَانِ والصَّقْعُ طَيِّبُ
إلَى أَنْ غدَتْ فِي أَعيُنِ المُتَوسِّمِ … تنِيرُ كَنُورِ الشَّارِقِ المُتَبسِّمِ
مُنَعَّمةَ الأَعطَافِ لاَ عنْ تَنَعُّمِ … مُتَمَّمةٌ أَوْصَافُهَا لَمْ تُتَمَّمِ
ضرُوبُ جَمالٍ لَوْ رَأَتْهَا أَميرَةٌ … رَأَتْ كَيْف تَعْلُوهَا فَتَاةٌ حَقِيرةٌ
وَكَيْفَ حَوَتْ جَاهَ المُلُوكِ فَقِيرَةٌ … مُضَوَّرَةٌ مِمَّا تجُوعُ جدِيرةٌ
بَهَاءٌ بِهِ يَسْمُو عَلَى الجَاهِ فَقْرُها … وَعُرْيٌ بِهِ يُزْرِي الجَواهِرَ نَحْرُهَا
وثَوْبٌ عتِيقٌ إِنْ فَشَا مِنْهُ سِرُّهَا … أَبَاحَ لِلنَّوَاظِرِ صَدْرُهَا
ورَأْسٌ إِذَا مَا زَانَهُ تَاجُ شَعْرِهَا … فَأَشْرَفَ مِنْ عَرْشٍ غضَاضَةُ قَدْرِها
وقَدْ تَشْتَرِيهِ ذَاتُ تَاجٍ بِفَخْرِهَا … وتَرضَى بِهِ تَاجاً كَرِيماً لِفَقْرِها
وَقال أَبُوها يَوْمَ تَمَّ شَبَابُهَا … وَحِيكَ لَهَا مِنْ نُورِ فَجْرٍ إِهَابُهَا
أَيَا أُمَّ لَيْلَى حَسْبُ لَيْلَى عَذَابُهَا … تَوفَّرَ مَسْعَاهَا وَقَلَّ اكْتِسَابُهَا
أَراهَا أصحَّ الآنَ حسْماً وَأَجْمَلاَ … فَحَتَّامَ لاَ نَجْنِي جنَاهَا المُؤَمَّلاَ
نَمَتْ ونُمُوُّ الفَقرِ يَأْتِي مُعَجَّلاَ … وَلَمْ أَرَ فِي الإِعْسَارِ كَالحَانِ مَوْئِلاَ
فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ شَدِيدٌ دَهاؤُها … سَخِيٌّ مآقِيهَا سَرِيعٌ بُكَاؤُهَا
بُنَيَّةٌ هَذِي الحَالُ أَعْضَلَ دَاؤُهَا … وَأَنْتِ لَنَا دُونَ الأَنَامِ دَوَاؤُهَا
فَقَالَتْ أَشِيرِي يَا أُمَيْمَةُ إِنَّنِي … لَفَاعِلَةٌ مَا شِئْتِهِ فَأْمُرَنَّنِي
وَما تُؤْثِرِيهِ أَحْتَرِفْهُ وَأُتْقِن … وَكُلُّ الَّذِي فِيهِ رِضَاكِ يَسُرُّنِي
فَقَالَتْ لَهَا إِنَّا نَرَى لَكِ مِهْنَةً … تُعِيدُ عَلَيْنَا نِقْمَةَ العيشِ مِنَّةً
تَكُونِينَ فِيهَا لِلنَّوَاظِرِ جَنَّةً … وَلِلشَّارِبِينَ المُسْتَهَامِينَ فِتْنَةً
لَخَيْرٌ لَهَا يَا أُمَّهَا العُدْمُ وَالطَّوى … مِن السَّعْدِ تُهْدِيهِ إِلَيْهَا يدُ الهَوَى
وَأَوْلَى بِهَا مِنْ أَنْ تُذَالَ فَتَصْفُوَا … مُعانَاةُ هَمِّ نَاصِبٍ يُوهِنُ الْقُوى
كَذَلِكَ نَاجَاهَا الضَّمِيرِ مُؤَنِّباً … وَلَكِنَّ جُوعَ النَّفْسِ فِيهَا تَغَلَّبَا
فَرَدَّ إِلى الصَّمْتِ الضَّمِيرِ مُخَيَّبَا … وَأَلْقَى بِتِلْكَ البِنْتِ فِي أَوَّلِ الصِّبَا
فَمَرَّ بِهَا فِي حَانَةٍ نَفَرٌ أُولُو … مُجُونٍ دَعَتْهُمْ بِالرُموزِ فَأَقْبَلُوا
وَحَيَّوا فَحَيَّتْهُمْ وَفِيهَا تَدَللُ … فَقَالَ فَتىً ما لِلْمَلِيحَةِ تخْجَلُ
تَسَمَّينَ يَا حَسْنَاءُ قَالَتْ تَحَبُّباً … أَنَا اسْمِيَ لَيْلَى هَلْ تَرَى اسْمِيَ مُعْجِبَا
فَقَالَ لَئِنْ أَنْشَدْتِهِ الصَّخْرَ أَطْرَبا … بِرِقَّةِ هَذَا الصَّوْتِ أَوْ رَاهِباً صبا
وَقَالَ فَتىً مَا شَاءَ رَبُّكِ أَحْكَمَا … جَمَالَكِ يَا لَيْلَى فَجَاءَ مُتَمَّمَا
رأَيْتُ وَلَكِنْ لاَ كَثَغْرِكِ مَبْسِمَا … وَلاَ مِثْلَ هَذِي العَيْنِ تُرْوِي عَلَى ظَمَا
فَلَمَّا سَقَتْهُمْ قَالَ نَشْوَانُ يَمْزَحُ … أَتَسْقِينَنَا رَوْحاً وَجَفْنُكِ يَذْبَحُ
وَمَدَّ يَداً مِنْهُمْ فَتًى مُتَوَقِّحُ … إِلَيْهَا فَجَافَتْ ثُمْ صَافَتْ لِيَسْمَحُوا
وَقَالَتْ بِتُولٌ فَارْقُبُوا اللهَ وَاتَّقُوا … وَلَكِنْ أَشَارَ اللَّحْظُ أَنْ لاَ تُصَدِّقُوا
فَأَضْحَكَهُمْ هَذَا العَفَافُ المُلَفَّقُ … وَقَالَ فَتًى شَأُنُ الرَّحِيقِ يُعَتَّقُ
فَتَابَعَهُ ثَانٍ وَقَالَ تَفَنُّنَا … أَمَا زِلْتِ بِكْراً بِئْسَمَا الدَّيْرُ هَهُنَا
وَلَكِنَّهَا الأَثْمَارُ تُخْلَقُ لِلْجَنَى … وَإِلاَّ فَغُبْنٌ أَنْ تَطِيبَ وَتَحْسُنَا
وَعَقَّبَ مَزَّاحٌ بِأَدْهَى وَأَغْرَب … أَأُخْبِركُمْ ما البكْرُ فِي خَيرِ مَذْهَبِ
هِيَ الكَأْسُ فَارْشِفْ مَا تَشَاءُ وَقَلِّبِ … فإِنْ هِيَ لَمْ تُعْطَبْ فَلَسْتَ بِمُذْنِبِ
وَكَانَ رَفِيقٌ مِنْهُمُ مُتَأَلِّمَا … يَرَى آسِفاً ذَاكَ الدِّعَابَ المُذَمَّمَا
وَتِلْكَ الفَتَاةَ البِكْرَ خلَقاً مُثَلَّمَا … وَعِرْضاً غَدَا تَثْلِيمُهُ مُتَحَتِّمَا
لَئِنْ جَازَ مَسُّ البِكْرِ أَوْ سَاغَ لَثْمُها … بِلاَ حَرَجٍ مَا دَامَ يُؤْمَنُ ثَلْمُهَا
فَلِمْ زَهْرَةُ الرَّوْضِ الَّتِي هِيَ رَسْمُهَا … إِذَا ابْتُذِلَتْ جَفَّتْ وَلَوْ صِينَ كِمُّهَا
أَيَا لَيلُ هَلْ تَصْفُو وَتَطْلُعُ أَنْجُمَا … لِتُقْذَى بِأَرْجَاسِ الوَرَى أَعْيُنُ السَّما
وَيَا زَمَناً قَالُوا بِهِ الرِّقُّ حُرمَا … عَلامَ أُبِيحَ الطِّفْلُ لِلْجُوعِ وَالظَّمَا
أُصَيْبِيَةٌ جَاؤُوا المَكَانَ لِيَسْهَرُوا … وَقَدْ أَجْلَسُوهَا يَسْكَرُونَ وَتَسكَرُ
فَلَمَّا نَفَى اللُّبَّ الشَّرَابُ المُخَمَّرُ … تَمَادَوْا بِهَا فِي غَيِّهِمْ وَتَهَوَّرُوا
فَهَذَا مُعاطِيَهَا وَذَاكَ مُدَاعِبُ … وَهَذَا مُدَاجِيهَا وَذَاكَ مُشَاغِبُ
وَهَذَا مُرَاضِيَهَا وَذَاكَ مُغَاضِبٌ … وَهَذَا مُبَاكِيهَا وَذَاكَ مُلاَعِبُ
يُحَاوِلُ كُلٌّ أَنْ يَزِيغَ فؤَادُهَا … وَكلُّ يُرَجِّي أَنْ يَضلَّ رَشَادُهَا
يَرُومُونَ مِنْهَا أَنْ تُبِيحَ وِسَادَهَا … وَيَبْغُونَ طُرّاً بَغْيَهَا وَفَسَادَهَا
ذِئَابٌ تُدَاجِي نَعْجَةً لافْتِرَاسِهَا … وَتَرْقُبُ مِنْهَا فُرْصَةً لاخْتِلاَسِهَا
وَلَكِنَّهَا رَدَّتْهُمُ عَنْ مِسَاسِهَا … تُبَالِغُ فِي تَشْوِيقِهِمْ بِاخْتِبَاسِها
فَمَا هِيَ مِنْهَا فِي الطَّهَارَةِ رَغْبَةٌ … وَلاَ هِيَ مِنْ فَقْدِ البَكَارَةِ رَهْبةٌ
وَلَكِنَّهُ عِلْمٌ لَدَيْهَا وَدُرْبةٌ … كَمَا أَبَوَاهَا أَدَّبَاهَا وَعُصْبَةٌ
تَصِيدُ لُهَى عُشَّاقِهَا بِاخْتِيَالَهَا … وَتَبْتَزُّ مِنْهَا أُمُّهَا فَضْلَ مَالِهَا
فَتُنْفِقُهُ فِي رَوْحِهَا وَدَلاَلِهَا … وَتَقْنِي الحِلَى مُعَتَاضَةً عَنْ جَمَالِهَا
أَعَدْلاً يُبَاهِي عَصْرُنَا زَمَناً خَلاَ … وَقَدْ عُوِّدَ الأَطْفَالُ فِيهِ التَّسَوَّلاَ
وَسِيمَتْ بِهِ الأَبْكَارُ سَوْماً مُحَلَّلاَ … وَبَاعَتْ نِسَاءٌ وُلْدَهَا وَاشْتَرَتْ حِلَى
عَلَى هَذِهِ الحَالِ الشَّدِيدِ نَكِيرُهَا … نَمَا الحُسْنُ فِي لَيْلَى وَمَاتَ ضَمِيرُهَا
فَجِسْمٌ كَمِشْكَاة يَعِزُّ نَظِيرُهَا … بِإِتْقَانِهَا لَكِنْ خَبَا الدَّهْرَ نُورُهَا
فَلَمَا اسْتَوَى شَكْلاً رَبِيعُ الصَّبَا بِهَا … وَشَبَّ عَنِ الأَكْمَامِ زَهْرُ شَبَابِهَا
وَدَلَّ عَلَى النَّعْمَاءِ غَضُّ إِهَابِهَا … وَأَنْكَرَ زَهواً مَا مَضَى مِنْ عَذَابِهَا
وَمَا هِيَ إِلاَّ دِمْنَةٌ لَكِنِ اكْتَسَى … ثَرَاهَا مِنَ النَّبْتِ المُزَوَّرِ مَلْبَسَا
وَيَسْطَعُ مِنْهَا الطِّيبُ لَكِنْ مُدَنَّسَا … وَفِي نَوْرِهَا تَنْمُو الرَّذَائِلُ وَالأَسَى
تَكَامَلَ فِيهَا الحُسْنُ وَالمَكْر أَجْمَعَا … كَأَنَّهُمَا صِنْوَانِ قَدْ وُلِدَا معا
وَدَرَّهُما ثَديٌ لأُمٍ فَأُرْضِعَا … وَشَبَّا بِحِجْرٍ وَاحِدٍ وَتَرَعْرَعَا
فَلَوْ زُرْتَهَا مَمْلُوءَةَ النَّهْدِ مُعْصِرَا … لأَبْكَاكَ مَا سَاءَتْ خِصَالاً وَمخْبَرَا
وَسَرِّكَ مَا شَاقَتْ جَمالاً وَمَنْظَزَا … وَقُلْتَ أَلَيْلَى هَذِهِ وَبِهَا أَرَى
نَعَمْ هِيَ لَيْلَى لَكْنِ الآنَ تَكْذِبُ … وَيَكْذِبُ مِنْهَا الحَاجِبُ المُتَحَدِّبُ
وَيَكْذِبُ فِيهَا قَلْبُهَا المُتَقَلِّبُ … وَيَكْذِبُ مِنْ بُعْدٍ شَذَاهَا المُطَيَّبُ
وَتَكْذِبُ فِي مِيْلاَدِهَا وَوَلاَئِها … وَتَكْذِبُ فِي مِيعَادِهَا وَرَجَائِهَا
وَزُرْقَةِ عَيْنَيْهَا وَبَرْدِ صَفَائِهَا … وَحُمْرَةِ خَدَّيْهَا وَوَرْدِ حَيَائِهَا
وُتُخْلُقُ زُوراً فِي المَحَاجِرِ أَدْمُعَا … وَتُنْشِيءُ لَوْناً لِلْحَيَاءِ مُصَنِّعَا
وَتَنْسُجُ لِلتْمْوِيهِ فِي الوَجْهِ بُرْقُعَا … وَتَبْكِي كَمَا تَفْتَرُّ فِي لَحْظَةٍ مَعَا
تخَاطِبُ كُلاًّ بِالَّذِي فِي ضَمِيرِهِ … لِمَا هِيَ تَدْرِي مِن خَفِيِّ أُمُورِهِ
وتُعْجِبُهُ فِي حُزْنِهِ وَسُرُورِهِ … وَتَصْطَادُهُ لُطْفاً بِفَخً غُرُورِهِ
حَوَى سِيَراً مِنْ كُلِّ ضَرْبٍ فُؤَادُهَا … بِهَا يَهْتَدِي سُبْلَ الخِدَاعِ رَشادُهَا
وَيَقوَى عَلى ضَعْفِ القُلُوبِ وِدَادُهَا … فَلا تَنْثَنِي حَتَّى يَتِمّ مُرَادُهَا
يُحَدِّثُهَا كُلٌّ بِأَمْرٍ تَجَدَّدَا … وَيُفْشِي لَهَا أَسْرَارَهُ مُتَوَدِّدَا
وَمَا يَكْشِفْ البَدْرُ الظَّلاَمَ إِذَا بَدَا … كَمَا تَكْشِفُ الأَسْرَارَ لَيْلَى وَمَا الصَّدَى
وَكَمْ تَصْطَبِي ذَا غِرَّةٍ لا يَخَالُهَا … مُحَصَّنَةً بِكْراً وَذِي الحَالُ حَالُهَا
فَيُغْوِيهِ فِيهَا أُنْسُهَا وَابْتِذَالُهَا … وَيَسْخُو عَلَيْهَا مَا يَشَاءُ احْتِيَالهَا
أَلَيْسَ صَفَاءُ البِكْرِ فِي أَوَّلِ الصبا … كَقَطْرِ النَّدَى يَحْلَى بِهِ زَهْرُ الرُّبَى
فَإِنْ يَسْتَحِلْ ذَاكَ الصَّفَاءُ تَلَهبا … فَلاَ عَجَبٌ أَنْ تُحْسَبَ البِكْرُ ثَيِّبَا
وَكَمْ مِنْ سَرِيٍّ مُولَعٍ بِالتَّعَفَّفِ … سَبَتْ بِالحَيَاءِ الكَاذِبِ المُتَكِلَّف
وَدَاجَتْ فَصَادَتْ بِالمَقَالِ المُلَطَّفِ … وَبِالتِّيهِ حَيْثُ التِّيهُ مَحْضُ تَزَلُّفِ
إِذَا مَا البَغِيَّاتُ احْتَشَمْنَ ظَوَاهَرا … وَجَارَيْنَ فِي آدَابِهِنَّ الحَرَائِرَا
وَكُنَّ جَمِيعاً كَالنُّجُومِ سَوَافِرَا … فَأَيُّ حَكِيمٍ يَسْتَبِينُ السَّرَائِرَا
عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرْضَ عَنْ مُسْتَقَرِّهَا … وَكَانَتْ تُنَاجِيهَا أَمَانِيُّ سِرِّهَا
بِأَنْ تَتَوَلَّى عَاجِلاً فَكَّ أَسْرِهَا … فَإِنْ وُفِّقَتْ بِإِعْلاءِ قَدْرِها
وَكَانَ فَتىً طَلْقُ المُحَيَّا جَمِيلُهُ … وَلَكِنَّهُ نَذْلُ الفُؤَادِ ذَلِيلُه
يَمِيلُ إِلَيْهَا وَهْيَ لاَ تَسْتَمِيلُهُ … فَيَزْدَادُ فِيهِ غَيْظُهُ وَغَلِيلُهُ
وَكَانَ كَثِيراً مَا يَوَد خِطَابَهَا … فَتُصْغِي إِليْهِ وَهْيَ تَحسُو شَرَابَهَا
فَإِنْ مَلأَتْ مِمَّا يَقُولُ وِطَابَهَا … تَوَلَّتْ وَكَانَ الصَّدُّ عَنْهُ جَوَابَها
وَظَلَّ يُوَافِي فِي المَوَاعِيدِ زَائِرَاً … فَيَحْسُوا الظِّلَى جَمْراً وَيُرْوِي النَّوَاظِرَا
يُخَالِسُهَا نِيَّانِهَا وَالسَّرَائِرَا … لَطِيفاً لِمَا يَبْغِي عَلَى الذُّلِّ صَابِرَا
فَآلَى لَهَا يَوْماً بِأَنْ يَتَأَهَّلاَ … بِهَا فَأَصَابَ الوَعْدَ مِنْهَا المُؤَمَّلاَ
فَقَالَتْ كَفَانِي خِدْمَةً وَتَبَتُّلاَ … وَذِي نِعْمَةٌ أَرْقَى بِهَا سُلَّمَ العُلَى
فَأَبْدَتْ لَهُ الإِقْبَالَ بَعْدَ التَّبَرُّمِ … وَلَكِنْ أَطَالَتْ خُبْرَهُ خَوْفَ مَنْدَمِ
فَقَالَتْ لَهَا النَفْسُ الطَّمُوعُ إِلى كَمِ … تَظَلاَّنِ فِي مُشْقٍ مِنَ الرَّيْبِ مُؤِلمِ
فَلَمْ أَرَ أَهوَى مِنْ جَمِيل وَأَطْوَعَا … فًؤَاداً وَلاَ وَجْهاً أَحَبَّ وَأَبْدَعَا
فَتّى لَكِ يًهْدِي قَلْبَهً وَاسْمَهُ مَعَا … فَإِنْ طَالَ المَطْلُ مِنْكِ تَطَلَّعَا
فَخَامَرَ لَيْلَى الخَوْفُ ثُمَّ تَحَوَّلاَ … إِلى غَيْرَةٍ وَالغَيْرَةُ انْقَلَبتْ إِلى
غَرَامٍ فَمَا تَلْوِي عَلَى أَحَدٍ وَلاَ … تُكَاشِفُ بِالحُبِّ النَّزِيهِ مُؤَمِّلاَ
وَمِنْ نَكَدِ المَخْدُوعِ أَنَّ زَمَانَهُ … يُسَخِّرُ لِلَّخِلِّ المُدَاجِي أَمَانَهُ
فَإِذْ يَرْعَوِي المُغْرَى وَيَلْوِي عِنَانَهُ … يَكُونُ المُدَاجِي قَدْ أَذَاهُ وَخَانَهُ
أَصَمَّ الهَوَى لَيْلَى وَأَعْمَى ذَكَاءَهَا … وَرَدَّ عَلَيْهَا كَيْدَهَا ودَهَاءَهَا
فَمِنْ نَفْسِهَا نَالَتْ وَشِيكاً جَزَاءَهَا … وَمُشْقِي الوَرَى مِنْهَا أَنَمَّ شَقَاءَهَا
وَلَيْلَةً أُنْسٍ زَارَهَا مِنْ صِحَابِهَا … فَرِيقٌ بَغَوْا أَنْ يَكْشِفُوا سِرَّ مَا بِهَا
فَدَارَ حَدِيثٌ بَيْنَهُمْ فِي عِتَابِهَا … لإِعْرَاضِهَا عَنْ صَحْبِهَا وَانْقِلاَبِهَا
فَخَالَتْهُمُ يَهْجُونَهُ لِمَارِبِ … وَيُتْهَمُ مَحْضُ النُّصْحِ في فَمِ ثَالِب
فَبَيْنَا تُجَافِي دُونَهُ كَلَّ عَاتِبِ … أَتَى يَتَهَادَى بَيْنَ جَيْشِ مَعَايِبِ
فَفَارَقَتِ الحُضَّارَ طُرَّاً وَأَقْبَلَتْ … عَلَيْهِ وَفِي أَحْشَائِهَا غِلَّةٌ غلَتْ
وَفِي وَجْنَتَيْهَا حُمْرَةٌ كَاللَّظَى عَلَتْ … فَحَيَّتْهُ بِالبِشْرِ الطَّلِيقِ وَأَغْفَلَتْ
أَهَذَا الَّذِي فِيهِ المَلاَمُ يَرِيبُهَا … وَفِي حُبِّهِ سَعْدُ الحَيَاةِ وَطِيبُهَا
هُمُ بُغْضَاءٌ وَالحَبِيبُ حَبِيبُهَا … وَهُمْ بُلَهَاءٌ لا جَمِيلَ خَطِيبُهَا
وَكَانَ مِنَ الجُلاَّسِ أَشْيَبُ مُغْرَمُ … تَصَبَّتْهُ عِشْقاً وَهْوَ قَدْ كَادَ يَهْرَمُ
فَقَالَ إِلى كَمْ نَحْنُ نُعْطِي وَنُنْعِمُ … لِيَحْظَى بِهَا قَوْمٌ سِوَانَا وَيَنْعَمُوا
دَعَاهَا فَجَاءَتْهُ تجِيبُ تَلَمظَا … فَأَنْحَى عَلَيْها بِالمَلاَمِ وَأَغْلَظَا
إلَى أَنْ جَرَتْ مِنْهَا الشُّؤُونُ تَغَيُّظا … فَثَارَ جَمِيلٌ يَقْذِفُ السمَّ وَاللَّظَى
وَبَارَزَهُ حَتَّى التُّرَابُ تَخَضَّبَا … فَفَازَ عَلَى الشَّيْخِ الفَتَى مُتَغَلِّبَا
وَأَشْبَعَهُ ذُلاًّ لِكَيْ يَتَأَدَّبَا … وَعلَّمَهُ أَيْنَ التَّصَابِي مِنَ الصِّبَا
فَلَمَّا رَأَتْ تِلْكَ الحَمِيَّةَ سُرَّتِ … وَفُرِّجَ عَنْهَا غَيْمُ حِقْدٍ وَحَسْرَةِ
بَلِ انْكَشَفَتْ غَمَّاؤُهَا عَنْ مَسَرَّةٍ … وَنَادَتْ جَمِيلاً يَا مَلاَذِي وَنُصْرَتِي
وَأَلْقَتْ عَيَاءً رَأْسَهَا فَوْقَ صَدْرِهِ … فَزَانَ سَوَادُ الشَّعْرِ أَبْيَضَ نَحْرِهِ
مِثَالاَنِ قَامَا لِلشَّبَابِ وَنَصْرِهِ … وَلِلْحُسْنِ تَجْلُو شَمْسُهُ وَجْهَ بَدْرِهِ
فَأَلْوَى عَلَيْهَا عَاكِفاً مُتَدَانِياً … يُخَاصِرُ أُمْلُوداً مِنَ القَدِّ وَاهِيَا
وَيَرْشُفُ مِنْ أَجْفَانِهَا الدَّمْعَ جَارِيَا … عَلَى وَرْدِ خَدّ يُخْجِلُ الوَرْدَ زَاهِيَا
كَأَنَّ جَمِيلاً بِارْتِشَافِ شُؤُونِهَا … سَقَى ورْدَةً مَحْرُورَةً مِنْ عُيُونِهَا
كَأَنَّ النَّدَى المَنْثُورَ فَوْقَ جَيِبنِهَا … مَدَامِعُ فَجْرٍ أُفْرِغَتْ فِي هَتُونِهَا
وَأَوْحَى إِلَيْهِ المَكْرُ أَنْ يَتَعَجَّلاَ … لِيُدْرِكَ مِنْ لَيْلَى المَرَامَ المُؤَمَّلاَ
فَإِنْ أُمْهِلَتْ حَتَّى تَفِيقَ وَتَعْقَلا … يَظَلُّ بِأَيْدِيهَا مَقُوداً مُذَلَّلا
فَرَاغَ بِهَا فِي جُنْحِ أَلْيَلَ أَهْيَمِ … كَهَمٍ عَلَى صَدْرِ الوُجُودِ مُخَيِّمِ
إِلَى رَبَضٍ قَفْرٍ المَسَالِكِ مُظْلِمِ … مُعَدٍّ لِيُؤْتَى فِيهِ كُلُّ مُحَرَّم
فَطَارَتْ بِهِ نَفْسُ الفَتَاةِ تَرَوُّعَا … فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا مُتَضَرِّعَا
فَعَفَّتْ فَمَنَّاهَا فَزَادَتْ تَمَنُّعَا … فَأَقْسَمَ إِلاَّ أَنْ يَمُوتَا إِذاً مَعَا
وَبَالَغَ فِي إِغْرَائِهَا مُقْسِماً لَهَا … بِأَنَّ فَتَاهَا مِنْ غَد صَارَ بَعْلَهَا
وَيَرْفَعُها شَأْناً وَيَكْفُلُ أَهلَهَا … وَيَجْعَلُ فِي أَسْمَى الصُّرُوحِ مَحَلَّهَا
وَكَانَ الدُّجَى قَدْ رَقَّ حَتَّى تَصَدَّعَا … وَهَبَّ بَشِيرُ الصُّبْحِ يَرْتَادُ مَطْلَعَا
فَمَا زَالَ يَجْلُو خَافِياً وَمُقَنَّعَاً … إلى أَنْ نَضَا أَدْنَى السُّتُورِ وَقَدْ وَعَى
دَمٌ كَانَ سِرّاً فِي البَتُولِ مُقَدَّسا … فَلَمَّا أَرَاقَتْهُ ابْتِذَالاً تَدَنَّسَا
أَفِي لَحْظَةٍ تَغُدو المَصُونَةُ مُوِمَساً … وَتُضْحِي عَرُوسُ البَغْيِ إِكْلِيلُهَا الأَسَى
فَمَا الكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ زَلَّ وَأَعْتَمَا … وَلاَ المَلَكُ الهَاوِي طَرِيداً ومِنَ السَّمَا
بِأَعْجَلَ مِنْ لَيْلَى سُقُوطاً وَأَعْظَمَا … فَلَوْ رَضيَتْ بِالمَوْتِ بَعْلاً وَإِنَّمَا
مَضَتْ سَنَةٌ تَصْفُو اللَّيَالِي وَتَعْذُبُ … مِراراً وَلَيْلَى دَائِماً تَتعَذبُ
صَبُورٌ عَلَى جَمْرِ الغَضَا تَتَقَلَّبُ … جَفَاهَا الأُولَى قِدْماً إِلَيْهَا تَقَرَّبُوا
وَكَانَ جَمِيل كَالنِّسَاءِ لَهُ حِلَى … وَيُكْسَى جَلاَبِيبَ الحِريرِ تَبَذُّلاً
تُسَلِّفُهُ ليْلَى جَنَى خزْيِهَا وَلاَ … تَضَنُّ عَلَيْهِ خَوْفَ أَنْ يَتَحَوَّلاَ
فَيأْخُذ مالَ السحْتِِ وَالعيْبِ رُشْوةً … ويَسخو كَما لَوْ كَانَ يَملِك ثَرْوةً
يُشَارِكَ فِيهِ وَالِديها وَإِخوةً … تَعُولُهُمُ أَكلاً وَمَأْوىً وَكِسْوةً
وَكَمْ سَافِلٍ مِنْ مِثْلِهِ رَقِيَ الذرَى … وتَاهَ عَلَى القَوْمِ الكِرَامِ تَكَبرا
بِمُرتَزَقٍ يَاتِيهِ مِنْ حَيْثُ لاَ يُرَى … كَأَنَّ لَهُ كَنْزاً خَفِيّاً عنِ الوَرى
أَقَامَ زماناً غَيْرَ وافٍ بِوَعْدِهِ … وَلَيْلَى ثَبُوتٌ فِي صِيانَةِ عهْدِهِ
وتَهْوَاهُ حتى فِي إِساءَةِ قَصْدِهِ … وتَحْمِلُ مِنْهُ المَطْلَ خَشْيةَ بُعْدِهِ
مَصائِبُها بَرَّأنَها مِنْ خَظَائِهَا … وحَزَّزْنَها مِنْ خُبْثِها ورِيائِها
عَفَا ربهَا عَنْها لِصِدُقِ وَلائِها … وأَخْلَصها حَرْقاً بِنَارِ شَقائِها
فَلَمَّا قَضَتْ مِنْ عِدَّةِ الحمْلِ أَشْهُرا … شَكَتْ أَلَماً يسْتْنفِدُ الصبرَ مُنْكَرا
وكَانَتْ علَى المأْلوفِ تَشْربُ مُسْكِراً … وَتَتْعبُ حَتَّى يطْلُع الفَجْرُ مُسْفِرَا
فَقَالَتْ لِمَنْ تَهْوَى أََرانِي ضَئِيلَةً … فَإِنْ تَفنِي مَالِي يكُنْ لِي وَسِيلَةً
لأَشْفَى وإِلاَّ مُتُّ حُبْلَى عِليلَة … فَفَرَّحها بِالوعْدِ إِفكاً وَحِيلة
وطَال عَلَيْهَا يَوْمُهَا فِي التَّوَقُّعِ … وَمرَّ زَمانٌ بعْدَهُ فِي التَّوَجُّعِ
تَبِيتُ علَى مَهْدِ الأَسى وَالتفجُّعِ … وتُصْبِحُ فِي يأْسٍ أَلِيمٍ مُصَدِّعِ
أَيَهْتِكُ عِرْضَ البِكْرِ وَهْوَ مُخَاتِلُ … ويسْرِقُ مَا تَجْنِيهِ ما زَلاَّءُ حَامِلُ
وَيُرْدِي ابْنَهُ المِسْكِين والعَدْلُ غَافِلٌ … فَوَا خَجْلَتَا زَانٍ ولِصٌ وقَاتِلُ
وَليْلٍ أَشَد الدَّاءِ أَيْسرُ خَطْبِهِ … بَطِيءٍ كَأَنً الموْت فُرْجَةُ كَرْبِهِ
تَجَنَّى علَى لَيْلَى بِأَنْواعِ حربِهِ … وَمدَّ لَها شَوْكاً بِأَنْوَارِ شهْبِهِ
أَضَاعَتْ بِهِ مِمَّا تُقاسِيِه رُشْدها … وَعانَتْ مِنَ الأَوْصابِ فِيهِ أَشُدَّها
يغالِبُ آناً وجْدُها فِيهِ حِقدَها … وَيغْلِبُ آناً حِقْدُهَا فِيهِ وَجدَهَا
أَيا رَبِّ إِني حامِلٌ ثُمَّ مُرْضِعُ … ومالِي مِن القُوْتِ الضَّرُورِيِّ مشْبِعُ
أَبِي مُوسِعِي ذَمَّاً وأُمِّي تُقَرِّعُ … وأَشْعُرُ أَنَّ ابْنِي بِجوفِي مُوجعُ
لَقَدْ بِعْتُ كلَّ المُقْتَنَى ورهَنْتُهُ … وَأَنْفَقْتُ حتَّى خَاتِماً مِنْهُ صُنْتهُ
هُو العَهْدُ مِنْ ذَاكَ الخَؤُونِ اؤُتُمِنتُهُ … ضَنَنْتُ بِهِ مِنْ حيْثُ كُنْتُ ظَنَنْتُهُ
إِلَهِيَ قَد يَجنِي مَلاكٌ تَحَسرا … وَيُخْطِيءُ عانٍ إِنْ خَطَا فَتَعَثَّرا
ويأْتِي وَلِيدٌ إِنْ الجَّسمَ مُنكَرا … ولَكِنْ جنِينٌ لا يفُوهُ ولاَ يرى
لِتَهْنِئْكِ يا بِنْتَ النَّعِيمِ سعادةٌ … كَما شئْتِها تَأْتِي وفِيْها زِيادة
وَتَهْنِئكِ مِنْ بعلٍ كَرِيمٍ عبادةٌ … ويهْنِئْكِ حمْلٌ طَاهِرٌ وَوِلاَدةٌ
تَجِفُّ دِمائِي مَا تَفَكَّرْتُ أَنَّنِي … عَلَى وَشْكِ وَضْعٍ والشَّقَاءُ يَحُفنِي
فَلاَ يدَ ذِي وُدٍّ وَلاَ وَجْه مُحْسِنِ … أَهُمُّ بِرِزْقٍ يُسْتَفَادُ فَأَنْثَنِي
أَلاَ لِمَ هذَا الطِّفْلُ يحيا ولاَ أَبا … لَهُ أَلِيشْقَى شِقْوَتِي ويُعذبَا
كَفَى قَلْب أَحنَى الوالِداتِ تَحوبَا … أَيأْتِي فَرِيَّاً ذلِكَ القَلْبُ إِنْ أَبى
أَتغْنِيكَ مِنْ مهْدٍ بَقِيَّةُ أَضْلِعي … وَيُغْنِيكَ مِنْ شَدْوٍ نَواحُ تَفَجُّعِي
وهل تَتَغَذَّى مِنْ فُؤَادٍ مُقَطَّعِ … وتَشْرَبُ مَاءً مِنْ سواكِبِ أَدْمُعِي
فَيا وَلَدِي المِسْكِينَ فِلْذَةَ مُهْجِتي … وَيا نِعْمةً عُوقِبْتُ فِيهَا بِنِقْمَةِ
ومنْ كُنْتُ أَرْجُوهُ لِسعْدِي وَبهجَتِي … وكَانَ يُنَاجِيهِ ضَمِيرِي بِمُنْيتِي
تَمُوتُ ولَمَّا تَسْتَهِلَّ مُبشِّرا … تَمُوتُ وَلَمْ أَنْظُرْ مُحيَّاكَ مُسفِرا
تُفَارِقُ قَبْراً فِيهِ عُذِّبْت أَشْهُرا … إِلى جدَثٍ مِنْهُ أَبَرَّ وَأَطهرا
تَمُوتُ وَما سلَّمْتَ حتَّى تُودِّعا … وأُمُّكَ تَسْقِيكَ السُّمُومَ لِتصْرعَا
وَتَنْفِيكَ مِنْ جَوْفِ بِهِ كنْت مُودَعا … لِتَخْلصَ مِنْ عيْشْ ثَقِيلٍ بِما وعى
فَإِنْ تَلْقَ وَجهَ اللهِ فِي عَالَمِ السَّنَى … فَقُلْ رَبِّي أغْفِرْ ذَنْبَ أُمِّيَ مُحْسِنَا
فَمَا اقْتَرفَتْ شَيْئاً وَلكِنْ أَبِي جَنَى … عَلَيْنَا فَعَاقِبْهُ بِتَعذِيبِهِ لَنَا
كَفَرتُ بِحُبَّي فِي اشتِدَادِ تَغَضبِّي … فَعفوَكَ يا ابْنِي مَا أَبُوكَ بِمُذْنِبِ
فَقُلْ رَبِّ أُمِّي أَهْلَكَتْنِي لاَ أَبِي … وَأُمِّي زَنَتْ حتَّى جنَتْ مَا جَنَتْهُ بِي
رأَت شهُبُ الظَّلماءِ مشهَدَ ظلْمِهَا … وَقَدْ أَسْقَطتْ مِنْهَا الجَنِينَ بِسُمِّهَا
فَلَمْ تَتَسَاقَطْ مُغْضَبَاتٍ لِحَطْمِهَا … وأُشْرِبَ نُورُ الشَّمْسِ مِنْ دَمِ إِثْمِها
عَلَى أَنَّ لَيْلَى بعْدَ تَصرَّما … سَلَتْ وَسَلاَ المُغْرِي لَهَا مَا تَقَدَّمَا
وَعَاش جَمِيلٌ نَاعِم البال مُكَرمَا … كَأَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَبِيحَا مُحَرَّمَا
إِذَا التَقَيَا بِاللَّحْظِ يَوْماً تَبَسَّمَا … لِدِكْرَى شَهِيدَيْنِ البَكَارةِ والطِّفْلِ