أَبْلِغْ بِمَا أَفْرَغْتَ فِي تِمْثَالِ – خليل مطران
أَبْلِغْ بِمَا أَفْرَغْتَ فِي تِمْثَالِ … مِنْ مَأْرَب غَالٍ وَمَعْنّى عَالِ
فَنٌّ بَذَلْتَ لَهُ الحَيَاةَ مُثَابِراً … فِي حَوْمِة الآلامِ وَالآمَالِ
وَإِذَا تَمَنَّيْتَ الحَيَاةَ كَبِيرَةً … بُلِّغْتَهَا بِكَبِيرَةِ الأَعْمَالِ
ذَاكَ النُّبُوغُ وَلاَ تَنَالُ سَعَادَةٌ … تُرْضِيهِ إِلاَّ مِن أَعَزِّ مَنَالِ
خُذْ بِالعَظيمِ مِنَ الأُمُورِ وَلاَ يَكُنْ … لَكَ فِي الهُمُومِ سِوَى هُمُومِ رِجَالِ
وَاجْعَلْ خَيَالَكَ سَامِياً فَلَطَالَمَا … سَمَتِ الحَقِيقَةُ بِامْتِطَاءِ خَيَالِ
ابْعِدْ مُنَاكَ عَلَى الدَّوَامِ فَكُلَّمَا … دَانَ النَّجَاحُ عَلَتْ مُنَى الأَبطَالِ
أَخْلَى الخَلاَئِقِ مِنْ لَذَاذَاتِ النهَى … مَنْ عَاشَ فِي الدُّنْيَا بِمقَلْبٍ خَالٍ
لَيْسَ الَّذِي أُوتِيتَ يَا مُخْتَارُ مِنْ … عَفْوِ العَطَايَا ذَاكَ سُهْدُ لَيَالِ
فِي كُلِّ فَنٍ لَيْسَ إِدْرَاكُ المَدَى … لِلأَدْعِيَاء وَلَيسَ لِلْجُهَّالِ
كَلاَّ وَلَيْسَتْ فِي تَوَخِّي رَاحَةٍ … قَبْلَ التَّمامِ مَظِنَّةٌ لِكَمَالِ
إِنِّي لأَسْتَحْلِي الفَلاَحَ فَيَنْجَلِي … لِيَ عَنْ مُثَابَرَةٍ وَغُرِّ فِعَالِ
مِصْرٌ تُحَيِّي فِيكَ نَاشِرَ مَجْدِهَا … مَجْدِ الصِّنَاعَةِ فِي الزَّمَانِ الخَالِي
وَهْيَ الَّتِي مَا زَالَ أَغْلَى إِرْثِهَا … مِنْ خَالِدِ الأَلْوَانِ وَالأَشْكَالِ
لَبِثَتْ دُهُوراً لاَ يُجَدَّدُ شَعْبُهَا … رَسماً وَلاَ يُعْنَى بِرَسْمٍ بَالِ
حَتَّى انْبَرَى الإِفْرَنْجُ يَبْتَعِثُونَ مَا … دَفَنَتْهُ مِنْ ذُخْرٍ مَدَى أَجْيالِ
وَبَرَزْتَ تَثْأَرُ لِلبِلاَدِ مُوَفَّقاً … فَرَدَدْتَ فَيِهَا الحَالَ غَيْرَ الحَالِ
أَليَوْمَ إِنْ سَأَلَ المُنَافِرُ عَصْرَنَا … عَمَّا أَجَدَّ فَفِيهِ رَدُّ سُؤَالِ
أَليَوْمَ فِي مِصْرَ العَزِيزَةِ إِنْ يُقَلْ … مَا فَنُّهَا شَيءٌ سِوى الأَطْلاَلِ
أَلَيوْمَ مَوضِعُ زَهْوِهَا وَفَخَارِهَا … بِجَمِيلِ مَا صَنَعَتْهُ كَفُّكَ حَالِ
صَوَّرْتَ نَهْضَتَهَا فَجَاءَتْ آيَةً … تَدْعُو إِلَى الإِكْبَارِ وَالإِجْلاَلِ
يَا حَبَّذَا مِصْرُ الفَتَاةُ وَقَدْ بَدَتْ … غَيْدَاءَ ذَاتَ حَصَافَةٍ وَجَمَالِ
فِي جَانِبِ الرِّئْبَالِ قَدْ أَلْقَتْ يَداً … أَدْمَاءَ نَاعِمَةٍ عَلَى الرِّئْبَالِ
بِتَلَطُّفٍ وَرَشَاقَةٍ بِتَعَفُّفٍ … وَطَلاَقَةٍ بِتَصَونٍ وَدَلاَلِ
فَإِذا أَبُو الهَوْلِ الَّذِي أَخْنَتْ بِهِ … حِقَبُ العِثَارِ أُقِيلَ خَيرَ مُقَالِ
تمثالَ نَهْضَةِ مِصْرَ أَشْرِقْ جَامِعاً … أَسْنَى مُنَى الأَوْطَانِ فِي تِمْثَالِ
نَاهِيكَ بِالرَّمْزِ العَظِيم وَقَدْ حَوَى … مَعْنَّى الرُّقِيِّ وَرُوحَ الاِسْتِقْلاَلِ