أَبْقَى وَيَرْفَضُّ حَوْلِي عِقْدُ خُلاَّنِي – خليل مطران
أَبْقَى وَيَرْفَضُّ حَوْلِي عِقْدُ خُلاَّنِي … أَشْكُو إِلَى اللهِ آلامِي وَأَحْزَانِي
يَا يَوْمَ سَمْعَانَ هَلْ أَبْقَيْتَ لِي سَكَناً … يُحَبِّبُ العَيْشَ أَوْ يُغْرِي بِسُلْوَانِ
فَجَعْتَنِي فِي أَخٍ كَانَتْ مَوَدَّتُهُ … دُنِيَا تَحَلَّتْ مِنَ النُّعْمَى بِأَلْوَانِ
نَشَأْتُ أَرْعَاهُ إِكْبَاراً وَأُكْرِمُهُ … وَظَلَّ يُكْرِمُنِي لُطْفاً وَيَرْعَانِي
إِرْحَمْ مُحِبِّيكَ يَا مَنْ كُنْتَ أَرْحَمَهُمْ … لَكِنْ هَجَرْتَ وَلَمْ تَعْمَدْ لِهِجْرَانِ
هَذَا خَلِيلُكَ لَوْ تَدْرِي بِمَوْقِفِهِ … وَالرُّوحُ مُهْتَزَّةٌ فِي شِبْهِ جُثْمَانِ
أَأَنْتَ شَاهِدُهُ وَالوَجْدُ عَامِدُهُ … يَسْقِي ثَرَاكَ بِدَمْعٍ مِنْهُ هَتَّانِ
مَعَاذَ حَقِّكَ عِنْدِي أَنْ يُضَيِّعَهُ … عَلَى المَفَاخِرِ إِعْوَالِي وَإِرْنَانِي
قَلَّتْ جَزَاءً دُمُوعٌ جِدُّ فَانِيَةٍ … وَأَنْتَ مُخْلِدُ مَجْدٍ لَيْسَ بِالفَانِي
يَا مُلْهِمَ الشِّعْرِ هَبْ لِي مِنْكَ مُسْعِدَةً … لا تَغْلِبَنِّي عَلَى الإِلْهَامِ أَشْجَانِي
وَيَا قَرِيضِي دَعَا دَاعِي الوَفَاءِ إِلَى … رَعْيِ الذِّمَامِ فَكُنْ لِي خَيْرَ مِعْوَانِ
فِي كُلِّ جَانِحَةٍ مَنِّي وَجَارِحَةٍ … لِسَانُ صِدْقٍ وَهَذَا وَقْتُ تِبْيَانِ
فَأُطْلِقُ القَوْلَ فِي تَأْبِينِ مُرْتَحِلٍ … مُسْتَكْمِلِ الزَّادِ مِنْ فَضْلٍ وَإِحْسَانِ
نَهَاكَ بِالأَمْسِ عَنْ مَدْحٍ يُصَاغُ لَهُ … فَاليَوْمَ لا تَكُ لِلنَّاهِي بِمِذْعَانِ
وَاذْكُرْ صُرُوحاً لِسَمْعَانٍ مُشَيَّدَةً … لَمْ يَبْنِهَا مِنْ عُصُورٍ قَبْلَهُ بَانِي
وَحَدِّثِ الشَّرْقَ وَالأَقْوَامُ مُصْغِيَةٌ … عَمَّا أَجَدَّ لَهُ فِيهَا مِنَ الشَّانِ
أَلمْ يَكُ الشَّرْقُ مَهْدَ الفَخْرِ أَجْمَعِهِ … فِي كُلِّ فَنٍّ أَخَذْنَاهُ وَعِرْفَانِ
تَجَاهَلَتْ قَدْرَهُ الدُّنْيَا وَمَا جَهِلَتْ … لَكِنَّ كُلَّ قَدِيمٍ رَهْنُ نِسْيَانِ
تِلْكَ القُوَى لَمْ تَزَلْ فِي القَوْمِ كَامِنَةً … وَإِنْ طَوَتْهَا اللَّيَالِي مُنْذُ أَزْمَانِ
هِيَ الكُنُوزُ الَّتِي لَوْ قُوِّمَتْ لأَبَتْ … نَفَاسَةً كُلَّ تَقْوِيمٍ بِأَثْمَانِ
ظَلَّ الجُمُودُ عَلَى أَبْوَابِهِ رَصَداً … حَتَّى تَجَلَّتْ فَفَاقَتْ كُل حُسْبَانِ
أَمْجِدْ بِسَمْعَانَ إِذْ أَبْدَى رَوَائِعَهَا … وَرَدَّ حُجَّةَ مَنْ مَارَى بِبرْهَانِ
فَقَدْ أَمَاطَ حِجَابَ الرَّيْبِ عَنْ هِمَمٍ … إِنْ أُطْلِقَتْ سَبَقَتْ فِي كُلِّ مَيْدَانِ
وَسَارَ فِي طَلَبِ العَلْيَاءِ سِيرَتُهُ … لا يَرْتَضِي بِمَقَامٍ دُونَ كِيوَانِ
فَعَزَّ فِي شَمْلِهِ وَالشَّمْلُ عَزَّ بِهِ … وَرُبَّ فَرْدٍ بَعْثٌ لأَوْطَانِ
فَتْحُ التِّجَارَةِ مُذْ خُطَّتْ صَحِيفَتُهُ … عُنْوَانُهُ اسْمُ سَلِيمٍ وَاسْمُ سَمْعَانِ
سَلِيمٌ العَلَمُ الفَرْدُ الَّذِي بَعُدَتْ … بِهِ النَّوَى وَهْوَ فِي آثَارِهِ دَانِ
أَلحَازِمُ العَازِمُ المَرْهُوبُ جَانِبُهُ … وَالمَانِحُ الصَّافِحُ المَحْبُوبُ فِي آنِ
فِي دَوْحَةِ الصِّيدَنَاوِيِّ الَّتِي بَسَقَتْ … إِلَى العَنَانِ هُمَا فِي النِّيلِ صِنْوَانِ
كَانَا لَزِيمَيْنِ حَالَ البَيْنُ بَيْنَهُمَا … حَتَّى تَلاقَى اللَّزِيمَانِ الوَفِيَّانِ
لَكِنَّ أَصْلَيْنِ قَدْ حَلَّتْ مَحَلَّهُمَا … تِلْكَ الفُرُوعُ الزَّوَاكِي لا يَزُولانِ
مِنْ كُلِّ رَيَّانِ ذِي ظِلٍّ وَذِي ثَمَرٍ … صُلْبٍ عَلَى الدَّهْرِ إِنْ يَعْصِفْ بِحِدْثَانِ
سَمْعَانُ لَوْ دَامَتِ النُّعْمَى ودمت لَهَا … لَكُنْتَ أَوْلَى بِهَا مِنْ كُلِّ إِنْسَانِ
عُمْرٌ مَدِيدٌ تَقَضَّى فِي مُجَاهَدَةٍ … شَرِيفَةٍ بَيْنَ تَأْثِيلٍ وَبُنْيَانِ
سَلْسَلْتَهُ فِي كِتَابٍ كُلُّهُ غُرَرٌ … مِنَ المَحَامِدِ لَمْ تُوصَمْ بِأَدْرَانِ
يَزِيدُهَا فِي طَرِيقِ المَجْدِ مَا أَخَذَتْ … عَنْ مَحْتِدٍ بِقَدِيمِ المَجْدِ مِزْدَانِ
تَسُوسُ شَأْنُكَ فِيهِ دَائِباً فَطِناً … بِعَزْمِ أَدْرَبَ لا سَاهٍ وَلا وَانِ
وَتَمْحَضُ البَلَدَ الحُبَّ الخَلِيقَ بِهِ … وَتَحْفَظُ اليَدَ فِي سِرٍّ وَإِعْلانِ
وَتُوسِعُ الضُّعَفَاءِ البّائِسِينَ جَدًى … بِأَرْيَحِيَّةِ سَمْحٍ غَيْرِ مَنَّانِ
وَتَقْبَلُ العُذْرَ مِمَّنْ جَاءَ مُعْتَذِراً … وَتَغْفِرُ الوِزْرَ لِلمُسْتَغْفِرِ الجَانِي
إِلَيْكَ بِاسْمِ جُمُوعٍ كُنْتَ كَافِلَهُمْ … مِنْ حَاسِبِينَ وَكُتَّابٍ وَأَعْوَانِ
وَبِاسْمِ آلافِ أَطْفَالٍ تُقَوِّمُهُمْ … عَلَى مَبَادِيءِ تَهْذِيبٍ وَعِرْفَانِ
وَبِاسْمِ شَتَّى جَمَاعَاتٍ تُؤَازِرُهَا … عَلَى تَبَايُنِ أَجْنَاسٍ وَأَدْيَانِ
وَبِاسْمِ أَرْبَابِ عِيلاتٍ عَصَمْتَهُمُ … مِنَ افْتِضَاحٍ بَبَدْلٍ طَيَّ كِتْمَانِ
وَبِاسْمِ طَائِفَةٍ كُنْتَ العَمِيدَ لَهَا … وَكُنْتَ حِصْناً لَهَا مِنْ كُلِّ عُدْوَانِ
وَبِاسْمِ مَنْ لا يَكَادُ العَدُّ يَحْصُرُهُمْ … فِي مِصْرَ وَالشَّرْقِ مِنْ صَحْبٍ وَأَخْدَانِ
أُهْدِي أَكَالِيلَ تَبْقَى فِي نَضَارَتِهَا … لا كَالأَكَالِيلِ مِنْ وَرْدٍ وَرَيْحَانِ
أَزْهَارُهَا خَالِدَاتٌ بَهْجَةً وَشَذَاً … لا يُجْتَنَى مِثْلُهَا مِنْ كُلِّ بُسْتَانِ
جَنَّاتِهَا مُهَجٌ أَنْمَى نَدَاكَ بِهَا … أَزْهَى الأَفَانِينِ مِنْ وُدٍّ وَشُكْرَانِ
فَاذْهَبْ وَحَسْبُكَ تَبْجِيلاً وَتَكْرمَةً … أَنْ عِشْتَ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي فَضْلِكَ اثْنَانِ
وَأَنَّ بَيْتَكَ مَا مَرَّتْ بِهِ حِقَبٌ … حَلِيفُ نُجْحٍ وَإِقْبَالٍ وَعُمْرَانِ
يَعْتَزُّ مِنْكَ بِتَذْكَارٍ يُتَوِّجُهُ … وَمِنْ بَنِيكَ بِأَعْضَادٍ وَأَرْكَانِ
لا فَرْقَ فِي ابْنٍ إِذَا عُدُّوا وَلا ابْنِ أَخٍ … وَهَلْ هُمُ غَيْرُ أَنْدَادٍ وَإِخْوَانِ
أَيُّ الأُمُورِ تَوَلَّوْهُ فَإِنَّ لَهُمْ … فِيهِ تَصَرُّفَ إِبْدَاعٍ وَإِتْقَانِ
هُمُ الشَّبَابُ الأُولَى تَعْتَزُّ أُمَّتُهُمْ … بِهِمْ إِذَا أُممٌ بَاهَتْ بِفِتْيَانِ
جِئْنَا نُلَطِّفُ تَبْرِيحَ المُصَابِ بِهِمْ … إِنْ لَطَّفَ البَثُّ نِيرَاناً بِنِيرَانِ
وَإِنَّ أَخْلَقَ مَفْجُوعٍ بِتَعْزِيةٍ … تِلْكَ الَّتِي بَانَ عَنْهَا شَطْرُهَا الثَّانِي
تِلْكَ الفَرِيدَةُ فِي الأَزْوَاجِ إِنْ ذُكِرَتْ … دَارٌ تَقَاسَمَ فِيهَا البِرَّ زَوْجَانِ
عَفِيفَةُ النَّفْسِ إِلاَّ عَنْ تَزَيُّدِهَا … مِنَ الفَضَائِلِ مَا كَرَّ الجَدِيدَانِ
رَعَتْ بَنِيهَا وَلَمْ تُغْفِلْ كَرَائِمَهَا … فَنَشَّأَتْهُمْ عَلَى تَقْوَى وَإِيْمَانِ
وَشَرَّفَتْ كُلَّ عِرْسٍ أَسْعَدَتْ رَجُلاً … وَكُلَّ وَالِدَةٍ بَرَّتْ بِوِلْدَانِ
يَا مَنْ نُوَدِّعُهُ قَسْراً وَنُودِعُهُ … قَبْراً وَلَيْسَ الفِدَى مِنَّا بِإِمْكَانِ
فُزْ بِالرِّضَى فِي جِوَارِ اللهِ وَارِثِ لَنَا … فَنَحْنُ نَشْقَى وَأَنْتَ النَّاعِمُ الهَانِي