أَأُعلِنُ ما بي أَم أُسِرُّ فَأَكتُمُ – صريع الغواني

أَأُعلِنُ ما بي أَم أُسِرُّ فَأَكتُمُ … وَكَيفَ وَفي وَجهي مِنَ الحُبِّ مَعلَمُ

أَثيبوا بِوُدٍّ أَو أَثيبوا بِهَجرَةٍ … وَلا تَقتُلوني إِنَّ قَتلي مُحَرَّمُ

طَفَوتُ عَلى بَحرِ الهَوى فَدَعَوتُكُم … دُعاءَ غَريقٍ ما لَهُ مُتَعَوَّمُ

لِتَستَنقِذوني أَو تُغيثوا بِرَحمَةٍ … فَلَم تَستَجيبوا لي وَلَم تَتَرَحَّموا

رَكِبتُ عَلى اِسمِ اللَهِ بَحرَ هَواكُمُ … فَيا رَبِّ سَلِّم أَنتَ أَنتَ المُسَلِّمُ

تَعَلَّقتُكُم مِن قَبلِ أَن أَعرِفَ الهَوى … فَلا تَقتُلونَني إِنَّني مُتَعَلِّمُ

تُخَبِّرُني الأَحلامُ أَنّي أَراكُمُ … فَوَيلي كَم مِنَ الأَباطِلِ أَحلُمُ

حَجَجتُ مَعَ العُشّاقِ في حَجَّةِ الهَوى … وَإِنّي لَفي أَثوابِ حُبِّكِ مُحرِمُ

يَقولونَ لي أَخفِ الهَوى لا تَبُح بِهِ … وَكَيفَ وَطَرفي بِالهَوى يَتَكَلَّمُ

أَأَظلِمُ قَلبي لَيسَ قَلبي بِظالِمٍ … وَلَكِنَّ مَن أَهوى يَجورُ وَيَظلِمُ

أَلا عَظَّمَت ما باحَ مِنّي مِنَ الهَوى … وَما في ضَميرِ القَلبِ أَدهى وَأَعظَمُ

شَكَوتُ إِلَيها حُبَّها فَتَبَسَّمَت … وَلَم أَرَ شَمساً قَبلَها تَتَبَسَّمُ

فَقُلتُ لَها جودي فَأَبدَت تَجَهُّماً … لِتَقتُلَني يا حُسنَها إِذ تَجَهَّمُ

وَما أَنا في وَصلي لَها بِمُفَرِّطٍ … وَلَكِنَّني أَخشى الوُشاةَ فَأَصرِمُ

يُعاوِنُها قَلبي عَلى جَهالَةٍ … وَأُوشِكُ يُبلي حُبُّها ثُمَّ يَندَمُ

وَكُنتُ زَماناً أَجحَدُ الناسَ ذِكرَها … فَكَذَّبَني دَمعٌ مِنَ الوَجدِ يَسجُمُ

فَأَصبَحتُ كَذّاباً لِكِتمانِيَ الهَوى … وَصارَ إِلى الإِعلانِ ما كُنتُ أَكتُمُ

تَوَسَّطتُ بَحرَ الحُبِّ حينَ رَكِبتُهُ … فَغَرَّقَني آذِيُّهُ المُتَلَطِّمُ

فَوَاللَهِ ما أَدري وَإِنّي لَهائِمٌ … أَأَرجِعُ خَلفي فيهِ أَم أَتَقَدَّمُ

إِذا شِئتُما أَن تَسقِياني مُدامَةً … فَلا تَقتُلاها كُلُّ مَيتٍ مُحَرَّمُ

خَلَطنا دَماً مِن كَومَةٍ بِدِمائِنا … فَأَظهَرَ في الأَلوانِ مِنّا الدَمَ الدَمُ

وَيَقظى يَبيتُ القَومُ فيها بِسَكرَةٍ … بِصَهباءَ صَرعاها مِنَ السُكرِ نُوَّمُ

فَأَغضَت وَلِلأَكواسِ في وَجهِ رَبِّها … لَهيبٌ كَلَونِ الوَردِ أَو هُوَ أَضرَمُ

فَمَن لامَني في اللَهوِ أَو لامَ في النَدى … أَبا حَسَنٍ زَيدَ النَدى فَهوَ أَلوَمُ

لَعَمري لَقَد بَذَّ الكِرامُ فَما لَهُ … نَظيرٌ إِذا عُدَّ الأَكارِمُ يُعلَمُ

لَئِن أَحرَزَ العَلياءَ زَيدٌ فَقَبلَهُ … حَواها أَبو زَيدٍ أَخو الجودِ مُسلِمُ

وَما الناسُ إِلّا اِثنانِ فيهِ فَراغِبٌ … إِلَيهِ وَمَجهودُ الصَنيعَةِ مُرغَمُ

أَطَلَّت عَلى أَعدائِهِ وَعُفاتِهِ … مَخايِلُ وَدقٍ صَوبُها الماءُ وَالدَمُ

فَتىً لا تَرى كَفّاهُ لِلمالِ حُرمَةً … إِذا لَم يَكُن في كُلِّ يَومٍ يُقَسَّمُ

إِذا حَلَّ أَرضاً حَلَّها البائسُ وَالنَدى … فَأَيسَرَ ذو عِسرٍ وَعَزَّ مُهَضَّمُ

وَلَم تَرَ قَوماً حارَبوهُ فَأَدرَكوا … نَجاةً وَلا قَوماً رَجَوهُ فَأَعدَموا

وَما مَرَّ يَومٌ قَطُّ إِلّا جَرَت بِهِ … عَلى الناسِ مِن كَفَّيهِ بُؤسى وَأَنعُمُ

أَثارَ حُروبَ المالِ بِالبَذلِ وَالنَدى … فَنيرانُها في كُلِّ يَومٍ تَضَرَّمُ

جَبانٌ عَنِ الإِمساكِ غَيرُ تَخَلُّقِ … وَفي البَذلِ وَالإِعطاءِ لَيثٌ مُصَمِّمُ

تُسَرُّ بِوَفدِ السائِلينَ كُنوزُهُ … لِيَحوِيَها مِنهُم بَخيلٌ مُلَوَّمُ

وَمُثرٍ مِنَ المَعروفِ وَالبَأسِ وَالنَدى … عَديمٌ مِن السَوءاتِ وَالبُخلِ مُصرِمُ

كَفى البُخَلاءَ السائِلينَ بِجودِهِ … وَقَصَّرَ عَنهُ الجائِدونَ فَأَحجَموا

تَبَلَّجَ لِلإِشراقِ بيضاً وُجوهُها … إِذا ذَكَرَت زَيداً عُبَيدٌ وَأَرقَمُ

بِهِ تُحرِزُ الغاياتُ بَكرٌ وَوائِلٌ … إِذا عُدَّ بَأسٌ أَو نَدىً أَو تَكَرُّمُ

حَنيفَةُ قَومٌ لا تَزالُ أَكُفُّهُم … تُشيمُ العَطايا وَالمَنايا فَتَسجُمُ

أَقامَ النَدى مِن وائِلٍ حينَ حُصِّلَت … عَلى رَهطِ زَيدٍ فَهوَ فيهِم مُخَيِّمُ

وَما ظَلَموا لَكِن نُفوسُ عُداتِهِم … وَأَموالُهُم في الناسِ مِنهُم تَظَلَّمُ

سَلِ الحَربَ عَن زَيدٍ إِذا هِيَ أُوقِدَت … وَدَبَّ لَها شِربٌ مِنَ المَوتِ مُفعَمُ

وَصافَحَ حَدَّ البيضِ بَيضُ كُماتِها … وَكانَ عَناءَ الخَيلِ فيها التَحَمحُمُ

وَذَمَّ كَمِيُّ وَاِستُفِزَّ مُبارِزٌ … وَأُرهِبَ مَرهوبٌ وَخاطَرَ مُقدِمُ

يُخَبِّركَ عَن زَيدٍ بِحُسنِ بَلائِهِ … ظُباتُ سُيوفٍ وَالوَشيجُ المُقَوَّمُ

وَقافِيَةٍ أَحيَيتُ في أَخَواتِها … وَفيها نُجومَ اللَيلِ وَالناسُ نُوَّمُ

بَعَثتُ لَها قَلباً ذَكِيّاً وَفِطنَةً … وَقَولَ لِسانٍ صادِقٍ لَيسَ يُفحَمُ

فَلَمّا أَتَتني مُستَقيماً قَريضُها … مُثَقَّفَةُ البُنيانِ وَالأُسُّ مُحكَمُ

حَبَوتُ بِها زَيداً فَزَيَّنتُ ذِكرَهُ … كَما زَيَّنَ السِلكَ الجُمانُ المُنَظَّمُ

إِذا القَرمُ زَيدٌ لَم يَقِفكَ عَلى النَدى … فَمُت فَالنَدى مِن غَيرِ زَيدٍ مُحَرَّمُ

أَبا حَسَنٍ أَصبَحتُ ما لي وَسيلَةٌ … إِلَيكَ وَلا حَبلٌ سِوى الوِدِّ مُبرَمُ

عَطاؤُكَ مَوفورٌ وَعُرفُكَ واسِعٌ … وَعِرضُكَ مَمنوعٌ وَمالُكَ مُسلَمُ

وَفِعلُكَ مَحمودٌ وَمَجدُكَ شامِخٌ … وَجودُكَ مَوجودٌ وَبَحرُكَ خِضرِمُ