أيّ نَعِيمٍ في الصِّبَا والمُقْتَرَحْ – عبدالجبار بن حمديس

أيّ نَعِيمٍ في الصِّبَا والمُقْتَرَحْ … وشغلُ كفَّيّ بكوبٍ وقَدَحْ

فلا تلمني إنَّني مُغْتَنِمٌ … من السرور في زماني ما منحْ

فإنَّهُ مُسْتَرْجَعٌ هِبَاتِهِ … وباخلٌ من الصِّبَا بما سَمَحَ

وسقني من قهوة كاساتها … تُسرج في الأيدي مصابيح الصبح

لو شمّها صاحٍ عَسيرٌ سُكرُهُ … تحتَ لثامٍ في فدامٍ لَطَفَحْ

ولا تسوّفني إلى ترويقها … لا يَشْتوي اللّيثُ إذا اللّيثُ ذَبَحْ

حتى أقول زاحفاً من نشوتي … يَحْسنُ بالتزحيف بيتُ المنسرح

ومالىء ٍ زقاً وكاه مردياً … سَمَ الأسَى مِنْهُ بدُرْياقِ الفَرَحْ

وجاثمٍ بَينَ النَّدَامي تَرْتَوِي … أشباحُهُمْ منه بما يَرْوَى شَبَحْ

كأنَّما رَدّتْ عليه روحَهُ … سُلافه الراح فإن مُسّ رمحْ

غضّ الصِّبا كأنَّما حديثُهُ … يمازج النَّفسَ بأنفاسِ الملح

حلّ وكاءً شدّهُ عن مُدْمَجٍ … طَلّ دَمَ العنقودِ منه وسفح

حتى إذا ما صب منه رَيّقاً … سدّ على ذوبِ العقيقِ ما فتح

ترى نجيع الزقّ منه راشحاً … كأنَّهُ من وَدَجِ الليلِ رَشَح

مدامة ٌ للروح أختٌ برة ٌ … يَنْأى بها سرُورُنا عن التَرَحْ

قد عَلمَتْ مزاجَ فَشُرْبُها … يَجْرَحُهُ ثُمّتَ يَأسُو ما جَرَح

وتجعل القار الذي باشرها … في اللدن مسكاً للعرانين نفحْ

يحجب جسمُ الكاسِ من سعيرها … نفحاً عن الكاسِ ولولاه نفح

والشمسُ منها في نقاب غيمها … مخافة ً من نورها أن تفتضح

يومٌ كأنَّ القَطْرَ فيهِ لؤلؤٌ … يَنْظمِ للرّوْضِ عُقودا وَوُشَح

يَقدحُ نارا من زِنادِ بَرْقِهِ … ويطفىء الغيث سريعاً ما قدحْ

لمَّا جَرَتْ فيهِ الصِّبا عَليَلة ً … رقّ الهواءُ فيه للنفس وصحّ

كأنَّما الكافورُ نَثْرُ ثَلْجِنا … أو نَدَفَ البُرْسَ لنا قوسُ قزح

حتى علا الجوَّ دجى ً لم يغتبق … فيه الثرى من الحيا كما اصطبح

غرابُ ليل فوقنا محلّقٌ … يقبض عنّا ظلّهُ إذا جنح

وقد محا صبغَ الدّياجي قمرٌ … دينارهُ في كفّه الغربِ رجحْ

حتى إذا رَدَّ حُدا عَدوّهِمْ … من كان في وادي الرّقادِ قد سَرَح

نَبّهَ ذا هَذا وكلٌّ طَرْفُهُ … يلمحُ طرفَ الشكرِ من حيثُ لمح

يسألُ في تَقْوِيمٍ جيدٍ مائلٍ … لم يسامحْ في الحمْيّا لَسمَحَ

أضارِبٌ كفّيه يَشدو سَحَرا … أم نافضٌ سقطيه فيه قد صَدَح

نَبَّهَ للقهوَة ِ كلّ طافح … في مصرعِ السكر قتيلاً مطّرَح

من كل جذلان كأن رُوحَهُ … عن جسمه من شدة السكر نزح

إن الذي شحّ على إيقاظه … سامحَ في الشهبِ نداماه فشحْ

وجاءنا الساقي بصحنٍ مفعمٍ … لو شاء أنْ يَسْبحَ فيه لسَبَح

يا لائمي في الراح كم سيئة ٍ … تَجاوَزَ الغَفارُ عنها وصَفَح

ماذا تريد من سبوقٍ كلما … رُمتَ وقوفاً منه باللوم جَمَح

أغشٌ خلقِ اللهِ عند ذي هوى … من عرض الرشد عليه ونصح

حتى إذا فكّر عَنْ بصيرة ٍ … ذمّ مِنَ الأفعالِ ما كان مَدَح