أينَ ليالينا بِوادى الغضَى ؟ – محمود سامي البارودي

أينَ ليالينا بِوادى الغضَى ؟ … ذَلكَ عَهْدٌ لَيْتَهُ مَا انْقَضَى

كُنْتُ بِهِ مِنْ عِيشَتِي رَاضِياً … حَتَّى إِذَا وَلَّى عَدِمْتُ الرِّضَا

أَيَّامُ لَهْوٍ وَصِباً، كُلَّمَا … ذَكَرْتُهَا ضَاقَ عَلَيَّ الْفَضَا

فَآهِ مِنْ دَهْرٍ بِأَحْكَامِهِ … جَارَ عَلَيْنَا، وقضى ما قَضَى

أَيَّ قِنَاعٍ مِنْ شَبَابٍ سَرَا؟ … وأى َّ ثوبٍ من نعيمٍ نَضا ؟

قد بيَّض الأسودَ من لِمَّتى … يَا لَيْتَهُ سَوَّدَ ما بَيَّضَا

عَهْدٌ كَطَيْفٍ زَارَ، حَتَّى إِذَا … أشرقَ صبحٌ من مشيبى مضى

ما كانَ إلاَّ كنسيمٍ سرى … وعارضٍ غامَ ، وبرقٍ أضا

وَلَّى ، وَلَمْ يُعْقِبْ سِوَى حَسْرَة ٍ … بَيْنَ الْحَشَا، كَالصَّارِمِ الْمُنْتَضَى

لَوْلا الْغَضَا ـ وَهْوَ مَطافُ الْهَوَى … مَا شَبَّ في قَلْبِيَ جَمْرُ الْغَضَى

أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ بِهِ شَادِناً … عذَّبنى بالصدِّ ، بل أرمضا

مُعْتَدِلُ الْقَامَة ِ، ذُو لَحْظَة ٍ … تَعَلَّمَ الْخَطِّيُّ مِنْهُ الْمَضَا

ظَبى ُ حِمى ً ، مذ غربتْ شمسهُ … عن ناظرى بالبينِ ما غمَّضا

قَدْ سَرَّنِي حينَ أَتَى مُقْبِلاً … وساءنى حينَ مَضى مُعرِضاً

حَمَّلَنِي مِنْ وَجْدِهِ لَوْعَة ً … لو نهضَ الدهرُ بها خفَّضا

قد أخذَ النومَ ، وما ردَّهُ … واستلبَ القلبَ ، وما عوَّضا

ما بالهُ ماطلَ فى وعدهِ ؟ … أَلَمْ يَحِنْ لِلدَّيْنِ أَنْ يُقْتَضَى ؟

قَاضَيْتُهُ عِنْدَ مَلِيكِ الْهَوَى … فغلَّ حقِّى ، وأساءَ القضا

فَمَنْ لَهُ أَشْكُو وَقَدْ سَامَنِي … جَوراً ؟ وحقُّ الجورِ أن يُرفضا

تاللهِ لولا خَوفُ هِجرانهِ … مَا بَاتَ قَلْبِي عَانِياً مُحْرَضَا

فإنَّ لى من عزمتى صاحِباً … يَمنعُنى فى الروعِ أن أدحضا

ولَستُ مِمَّنْ إن دجا حادِثٌ … ألقى زِمامَ الأمرِ أو فوَّضا

لكنَّنى ألقى الردى حاسِراً … وَأَصْدَعُ الْخَصْمَ إِذَا عَرَّضَا

أَسْتَحْقِبُ الشَّهْدَ لِمَنْ وَدَّنِي … وَأَنْفُثُ السُّمَّ لِمنْ أَبْغَضَا

جَرَّدتُ نفسِى لِطِلابِ العُلا … والسَّيْفُ لاَ يُرْهَبُ أَوْ يُنْتَضَى

وَلِي مِنَ الْقَوْلِ نَصِيرٌ، إِذَا … دَعَوْتُهُ في حَاجَة ٍ أَوْفَضَا

سَلْ عَنِّيَ الْمَجْدَ، وَلاَ تَحْتَشِمْ … فالمجدُ يدرى أى َّ سيفٍ نضا