أوه بديل من قولتي واها – المتنبي

أوْهِ بَدِيلٌ مِنْ قَوْلَتي وَاهَا … لمَنْ نَأتْ وَالبَديلُ ذِكْراهَا

أوْهِ لِمَنْ لا أرَى مَحَاسِنَها … وَأصْلُ وَاهاً وَأوْهِ مَرْآهَا

شَامِيّةٌ طَالَمَا خَلَوْتُ بهَا … تُبْصِرُ في ناظِري مُحَيّاهَا

فَقَبّلَتْ نَاظِري تُغالِطُني … وَإنّمَا قَبّلَتْ بهِ فَاهَا

فَلَيْتَهَا لا تَزَالُ آوِيَةً … وَلَيْتَهُ لا يَزَالُ مَأوَاهَا

كُلُّ جَرِيحٍ تُرْجَى سَلامَتُهُ … إلاّ فُؤاداً رَمَتْهُ عَيْنَاهَا

تَبُلُّ خَدّيّ كُلّمَا ابتَسَمَتْ … مِنْ مَطَرٍ بَرْقُهُ ثَنَايَاهَا

مَا نَفَضَتْ في يدي غَدائِرُهَا … جَعَلْتُهُ في المُدامِ أفْوَاهَا

في بَلَدٍ تُضْرَبُ الحِجالُ بهِ … عَلى حِسَانٍ وَلَسْنَ أشْبَاهَا

لَقِينَنَا وَالحُمُولُ سَائِرَةٌ … وَهُنّ دُرٌّ فَذُبنَ أمْوَاهَا

كُلُّ مَهَاةٍ كأنّ مُقْلَتَهَا … تَقُولُ إيّاكُمُ وَإيّاهَا

فيهِنّ مَنْ تَقْطُرُ السّيُوفُ دَماً … إذا لِسَانُ المُحِبّ سَمّاهَا

أُحِبّ حِمْصاً إلى خُناصِرَةٍ … وَكُلُّ نَفْسٍ تُحبّ مَحْيَاهَا

حَيثُ التَقَى خَدُّها وَتُفّاحُ لُبْـ … ـنَانَ وَثَغْري عَلى حُمَيّاهَا

وَصِفْتُ فِيها مَصِيفَ بَادِيَةٍ … شَتَوْتُ بالصّحصَحانِ مَشتاهَا

إنْ أعشَبَتْ رَوْضَةٌ رَعَيْنَاهَا … أوْ ذُكِرَتْ حِلّةٌ غَزَوْنَاهَا

أوْ عَرَضَتْ عَانَةٌ مُقَزَّعَةٌ … صِدْنَا بأُخْرَى الجِيادِ أُولاهَا

أوْ عَبَرَتْ هَجْمَةٌ بنا تُرِكَتْ … تَكُوسُ بَينَ الشُّرُوبِ عَقرَاهَا

وَالخَيْلُ مَطْرُودَةٌ وَطارِدَةٌ … تَجُرّ طُولى القَنَا وَقُصْرَاهَا

يُعْجِبُهَا قَتْلُهَا الكُماةَ وَلا … يُنظِرُهَا الدّهْرُ بعدَ قَتْلاهَا

وَقَدْ رَأيْتُ المُلُوكَ قاطِبَةً … وَسِرْتُ حتى رَأيْتُ مَوْلاهَا

وَمَنْ مَنَايَاهُمْ بِرَاحَتِهِ … يأمُرُهَا فيهِمِ وَيَنْهَاهَا

أبَا شُجاعٍ بِفارِسٍ عَضُدَ الدّوْ … لَةِ فَنّاخُسْرُواً شَهَنْشَاهَا

أسَامِياً لم تَزِدْهُ مَعْرِفَةً … وَإنّمَا لَذّةً ذَكَرْنَاهَا

تَقُودُ مُسْتَحْسَنَ الكَلامِ لَنَا … كما تَقُودُ السّحابَ عُظْمَاهَا

هُوَ النّفِيسُ الذي مَوَاهِبُهُ … أنْفَسُ أمْوَالِهِ وَأسْنَاهَا

لَوْ فَطِنَتْ خَيْلُهُ لِنَائِلِهِ … لم يُرْضِهَا أنْ تَرَاهُ يَرْضَاهَا

لا تَجِدُ الخَمْرُ في مَكارِمِهِ … إذا انْتَشَى خَلّةً تَلافَاهَا

تُصَاحِبُ الرّاحُ أرْيَحِيّتَهُ … فَتَسْقُطُ الرّاحُ دونَ أدْنَاهَا

تَسُرُّ طَرْبَاتُهُ كَرَائِنَهُ … ثمّ تُزِيلُ السّرُورَ عُقْبَاهَا

بكُلّ مَوْهُوبَةٍ مُوَلْوِلَةٍ … قَاطِعَةٍ زِيرَهَا وَمَثْنَاهَا

تَعُومُ عَوْمَ القَذاةِ في زَبَدٍ … مِن جُودِ كَفّ الأميرِ يَغشَاهَا

تُشْرِقُ تِيجَانُهُ بِغُرّتِهِ … إشْرَاقَ ألْفاظِهِ بمَعْنَاهَا

دانَ لَهُ شَرْقُهَا وَمَغْرِبُهَا … وَنَفْسُهُ تَسْتَقِلّ دُنْيَاهَا

تَجَمّعَتْ في فُؤادِهِ هِمَمٌ … مِلْءُ فُؤادِ الزّمَانِ إحْداهَا

فإنْ أتَى حَظُّهَا بأزْمِنَةٍ … أوْسَعَ مِنْ ذا الزّمانِ أبْداهَا

وَصَارَتِ الفَيْلَقَانِ وَاحِدَةً … تَعْثُرُ أحْيَاؤهَا بمَوْتَاهَا

وَدارَتِ النّيّرَاتُ في فَلَكٍ … تَسْجُدُ أقْمَارُهَا لأبْهَاهَا

ألفَارِسُ المُتّقَى السّلاحُ بِهِ الـ … ـمُثْني عَلَيْهِ الوَغَى وَخَيْلاهَا

لَوْ أنْكَرَتْ منْ حَيَائِهَا يَدُهُ … في الحَرْبِ آثَارَهَا عَرَفْنَاهَا

وَكَيفَ تَخْفَى التي زِيادَتُهَا … وَنَاقِعُ المَوْتِ بَعضُ سِيمَاها

ألوَاسعُ العُذْرِ أنْ يَتِيهَ على الـ … ـدّنْيَا وَأبْنَائِهَا وَمَا تَاهَا

لَوْ كَفَرَ العالَمُونَ نِعْمَتَهُ … لمَا عَدَتْ نَفْسُهُ سَجَايَاهَا

كالشَمسِ لا تَبتَغي بما صَنَعَتْ … مَعْرِفَةً عِنْدَهُمْ وَلا جَاهَا

وَلِّ السّلاطِينَ مَنْ تَوَلاّهَا … وَالجَأْ إلَيْهِ تَكُنْ حُدَيّاهَا

وَلا تَغُرّنّكَ الإمَارَةُ في … غَيرِ أمِيرٍ وَإنْ بهَا بَاهَى

فإنّمَا المَلْكُ رَبّ مَمْلَكَةٍ … قَدْ أفْعَمَ الخافِقَينِ رَيّاهَا

مُبْتَسِمٌ وَالوُجُوهُ عَابِسَةٌ … سِلْمُ العِدى عِندَهُ كَهَيْجاهَا

ألنّاسُ كالعَابِدِينَ آلِهَةً … وَعَبْدُهُ كالمُوَحِّدِ اللّهَ