أنْدَلُسِيَّة ٌ – أحمد شوقي
يا نائح ( الطلح ) أشباه عوادينا … نشجى لواديك أم نأسى لوادينا ؟
ماذا تقص علينا غير أن يــدا … قصت جناحك جالت فى حواشينا
رمى بنا البين أيكا غير سامرنا … أخـا الغريب : وظلا غير نادينا
كلٌّ رمَتْه النَّوى: رِيشَ الفراقُ لنا … سَهْماً ، وسلّ عليكَ البينُ سِكِّينا
إذا دعا الشوق لم نبرح بمنصدع … مـن الجناحين عي لا يلبينــا
فإن يك الجنس يابن الطلح فرقنا … إن المصائب يجمعن المصابينـا
لــم تأل ماءك تحنانا ولا ظلماً … ولا أدكارا ، ولا شجوا أفانينــا
تجـر من فنن ساقا إلى فنــن … وتسحـب الذى ترتاد المؤاسينـا
أساة جسمك شتى حين تطلبـهم … فمن لروحك بالنطس المداوينـا
آهــا لنا نازحى إيك بأندلـس … وإن حللنا رفيـفاً من روابينــا
رسم وقفنا على رسم الوفاء لـه … نجيش بالدمع ، والإجلال يثنينـا
لفتيـه لا تنـال الأرض أدمعهم … ولا مفارقــهم إلا مصلينـــا
لـو لـم يسودا بدين فيه منبهة … للناس كانت لهم أخلاقهم دينــا
لم نسر من حرم إلا إلى حـرم … كالخمر من (بابل) سارت (لدارينا)
لما نبا الخلد نابت عنه نسختـه … تماثل الورد (خيريا) و (نسرينـا)
نسقى ثراهم ثناء ، كلما نثـرت … دموعنـا نظمت منها مراثينــا
كادت عيون قوافينا تحركـــه … وكدن يوقظن فى الترب السلاطينا
لكن مصر وإن أغضت على مقة … عيـن من الخلد بالكافور تسقينـا
علـى جوانبها رفت تمانمنــا … وحول حافاتـها قامت رواقينــا
ملاعـب مرحت فيها مآربنـا … وأربع أنسـت فيها أمانينــــا
ومطلع لسعود من أواخرنــا … ومغـرب لجدود من أوالينـــا
بنا فلم نخل من روح يراوحنـا … من بر مصر وريحان يغادينــا
كأم موسى على أسم الله تكفلنا … وباسمه ذهبت فى اليم تلقينــا
ومصر كالكرم ذى الإحسان فاكهة … للحاضرين وأكواب لبادينــــا
يا سارى البرق يرمى عن جوانحنا … بعد الهدوء ويهمى عن مآقينــا
لما تَرقرق فى دمع السّماءِ دمًا … هاج البكا فخضبنا الأرضَ باكينــا
الليـــل يشهد لم تهتك دياجيه … على نيـام ولـم تهتف بسالينـــا
والنجـم لم يرنا إلا على قــدم … قيــام ليل الهوى للعهد راعينــا
كزفرة فى سماء الليل حائــرة … ممــا نردد فيه حين يضوينــا
بالله إن جبت ظلماء العباب على … نجانب النور محدوا ( بجــرينا )
تــرد عنك يداه كل عاديــة … إنسـاً يعثن فساداً أو شياطينــا
حتى حوتك سماء النيل عاليـة … على الغيوث وإن كانت ميامينـا
وأحرزتك شفوف اللازورد على … وشى الزبرجد من أفواف وادينـا
وحازك الريف أرجاء مؤرجـه … ربـت خمائل واهتزت بساتينـا
فقف إلى النيل وأهتف فى خمائله … وأنزل كما نزل الطل الرياحينا
وأس مـابات يذوى من منازلنا … بالحادثات ويضوى من مغانينـا
ويا معطرة الوادى سرت سحـراً … فطاب كل طروح من مرامينـا
ذكيـة لذيل لو خلنا غلالتهــا … قميص يوسف لم نحسب مغالينا
اجشمت شوك السرى حتى أتيت لنا … بالورد كتباً وبالربا عناوينـــا
فلو جزيناك بالأرواح غاليـة عن … طيب مسراك لم تنهض جوازينا
هـل من ذويك مسكى نحملــه … غرائـب الشوق وشيا من أمالينا
إلـى الذى وجدنـا ود غيرهـم … دنيـا وودهمو الصافى هو الدينا
يا من نغار عليهم من ضمائرنا … ومن مصون هواهم فى تناجينـا
ناب الحنين إليكم فى خواطرنا … عن الدلال عليكم فى أمانينــا
جئنا الى الصبر ندعوه كعادتنا … فى النائبات فلم يأخذ بأيدينــا
وما غلبنا على دمع ولا جـلد … حتى أتتنا نواكم من صياصينـا
ونابغـى كان الحشر آخـره … تميتنـا فيه ذكراكم وتحيينــا
نطوى دجاه بجرح من فراقكمو … يكاد فى غلس الأسحار يطوينا
إذا رسى النجم لم ترفأ محاجرنا … حتى يزول ، ولم تهدأ تراقينـا
بتنا نقاسى الدواهى من كواكبه … حتى قعدنا بها : حسرى تقاسينا
يبــدو النهار فيخفيه تجلدنـا … للشامتتين ويأسوه تأسينـــا
سقيا لعهد كأكناف الربى رفـة … أنا ذهبنا وأعطاف الصبا لينـا
إذا الزمان بنا غيناء زاهيــة … ترف أوقاتنا فيها رياحينـــا
الوصل صافية ، والعيش ناغية … والسعد حاشية ، والدهر ماشينا
والشمس تختال فى العقيان تحسبها … ( بلقيس ) ترفل فى وشى اليمانينا
والنيل يقبل كالدنيا إذا احتفلـــت … لو كان فيها وفاء للمصافينـــا
والسعد لو دام ، والنعمى لو اطردت … والسيل لو عف ، والمقدار لو دينا
ألقى على الأرض حتى ردها ذهبـا … ماء لمسنا به الإكسير أو طينــا
أعداه من يمنه ( التابوت ) وارتسمت … على جوانبه الأنوار من سينــا
لـه مبالغ ما فى الخلق من كــرم … عهد الكـرام وميثاق الوفيينــا
لـم يجر للدهر اعذار ولا عـرس … إلا بأيامنــا أو فى ليالينـــا
ولا حوى السعد اطغى فى أعنته … منا جيادا ولا أرخي ميادينـــا
نحن اليواقيت خاض النار جوهرنا … ولم يهن بيد التشتيت غالينـــا
ولا يحــول لنا صبغ ولا خلـق … اذا تلون كالحرباء شانينــــا
لم تنزل الشمس ميزانا ولا صعدت … فى ملكها الضخ عرشا مثل وادينا
ألم تؤله على حافاتــــه ورأت … عليـه أبناءها الغر الميامينــا ؟
إن غازلت شاطئيه فى الضحي لبسا … خمائل السندس الموشية الغينــا
وبات كل مجاج الواد من شجــر … لوافظ القز بالخيطان ترمينـــا
وهذه الأرض من سهل ومن جبل … قبل (القياصر) دناها (فراعينــا)
ولم يضع حجرا بان على حجـر … فى الأرض إلا علي آثار بانينــا
كأن أهرام مصر حائط نهضـت … به يد الدهر لا بنيان فانينــــا
إيوانه الفخم من عليا مقاصــره … يفني الملوك ولا يبقي الأوانينـا
كأنها ورمالا حولها التطمـــت … سفينة غرقت إلا أساطينــــا
كأنها تحت لألأ الضحى ذهبـــا … كنوز (فرعون) غطين الموازينـا
أرض الأبوة والميلاد طيبهــا … مر الصبا من ذيول من تصابينـا
كانت محجلة ، فيها مواقفنـــا … غرا مسلسلة المجرى قواقينـــا
فآب من كره الأيام لاعبنـــا … وثاب من سنة الأحلام لاهينـــا
ولم ندع لليالي صافيا ، دعـت … (بأن نعص فقال الدهر :آمينــا)
لو استطعنا لخضنا الجو صاعقة … والبر نار وغي ،والبحر غسلينـا
سعيا إلى مصر نقضى حق ذاكرنا … فيها إذا نسي الوافي وباكينـــا
كنز(بحلوان) عند الله نطلبـــه … خير الودائع من خير المؤدينــا
لو غاب كل عزيز عنه غيبتنـا … لم يأته الشوق إلا من نواحينــا
إذا حملنا لمصر أوله شجنــا … لم ندر أي هوى الأمين شاجينـا