أمرتكمُ أمري بنعمانَ ناصحا – مهيار الديلمي

أمرتكمُ أمري بنعمانَ ناصحا … و قلتُ احبسوها تلحقِ الحيَّ رائحا

فماريتموني تخبرون اجتهادها … فأبتم بلا حاجٍ وأبنَ طلائحا

و قد صدقتني في الصبا عن مكانهم … أخابيرُ أرواحٍ سبتني نوافحا

كأنّ الثرى من طيبها فتَّ فوقه … مجيزون من دارينَ فأرا فوائحا

لقاءٌ على نعمانَ كان غنيمة ً … و هيهات يدنو بعد أن فات نازحا

حمى دونه حرُّ السماوة ظهرها … و عبس وجها ناجرٌ فيه كالحا

إلى الحول حتى يشربَ القيظُ ماءهم … بنجدٍ وإما يسلخون البوارحا

لعلك في إرساليَ الدمعَ لائمٌ … و قد عطف الناسُ المطيَّ جوانحا

نعم قد تجرعتُ الدموعَ عليهمُ … عذابا وأقرحتُ الجفونَ الصحائحا

و ما قلتُ غاضت بالبكاء ركية ٌ … من العين إلا أرسلَ الشوقُ ماتحا

فهل ظبية ٌ بالغور يجزي وفاؤها … هوى لم يطعْ فيها على النأي كاشحا

إذا اعترضته من سلوًّ معوضة ً … محاسنُ في أخرى رآها مقابحا

و من أين ينسى من يرى الغصنَ مائلا … مثالكِ والظبيَ المروعَ سانحا

أرى عينه عينيكو الغورُ بيننا … فأدمى لقد أبعدتَ يا سهمُ جارحا

يعنفُ في حبَّ البداوة فارغٌ … من الوجد لم يقرِ الغرامَ الجوانحا

فيا ليتَ لي من دار قومي واسرتي … جواركِ رواحاً عليكِ وصابحا

و من ترهاتِ الريف أرضا قطنتها … من الجدب فيها يأكلون النواضحا

إذا ما شربتُ الوصلَ عذبا مرقوقا … بها لم أعفْ أن أشرب الماء مالحا

دعوني ونعمانَ الأراك أروده … يجاوبُ صوتي طيره المتناوحا

عسى سارحٌ من دار مية َ يامنٌ … يقيضُ لي عن شائمٍ طار بارحا

سقى ما سقتْ خدي الدموعُ الحيا الغضا … بواكرَ من جماته وروائحا

فكم ليلة ٍ فيه نضوتُ حميدة ٍ … و ألبستُ يوما برقعَ العيشِ صالحا

وهمًّ ترى القلبَ الرحيبَ وراءه … من الضيقِ لهفا يستعيبُ المراوحا

تلطفته حتى وجدتُ مفارجا … لصدريَ من غماته ومسارحا

و بحرٍ من الآل الغرور محرمٍ … ركبتُ له من سير لاحقَ سابحا

إلى حاجة ٍ في طرقها الجدُّ كله … فأدركتها جذلانَ أحسبُ مازحا

و مضطغنٍ أن قدمتني زوائدٌ … من الفضل أخفته وقد كان واضحا

يعيرني الحدثانَ وهو أعزُّ لي … كفى جذعا أن فاتكَ الشوط قارحا

و هل ضائري شيئا إذا جئتُ آخرا … تأخرُ ميلادي وقد جئتُ فاصحا

و هرَّ فلم يطردْ فعضَّ سفاهة ً ؛ … و عقرك لي أني حقرتك نابحا

و زنتُ بحلمي جهله لا أجيبه … فلله منا من تمكن راجحا

و عجماءَ من وحش القوافي خدعتها … و لم تعطِ قبلي جلدها قطُّ ماسحا

خطبتُ إليها عذرها فتحللتْ … و كانت حراما لا تلامس ناكحا

و عادتها في المدح ألا أذيلها … و لكنَّ قوما يكرمون المدائحا

تمنى بني عبد الرحيم ومجدهم … رجالُ أمانٍ لم يقعن نجائحا

و ريموا فما حطَّ الثريا لباعه … فتى ً ظنها كفا فمدَّ مصافحا

كرام مضوا بالجود إلا صبابة ً … أعاروا نداها الهاطلاتِ السوافحا

لهم من تليد العزّ ما يدعونه … إذا خفتَ في دعوى الحسيبِ القوادحا

إذا نشروا الأغصانَ من شجراتهم … على ناسبٍ عدوا الملوك الجحاجحا

تواصوا فطابوا في الحياة وأكرموا … نفوسا وطابوا ميتين ضرائحا

و أخفى الحسينُ خطفهم بشعاعهِ … كما أخفت الشمسُ النجوم اللوائحا

فتى ً لا يريد المجدَ إلا لنفسه … و لا المالَ إلا قسمة ً ومنائحا

ينازع أزماتِ السنين بأنملٍ … جوابرَ للأحوال تسمى جوارحا

أنامل من يسرٍ إذا ما أدارها … على مغلقاتِ الرزق كنَّ مفاتحا

أقام على وجه الطريق بوجهه … مجيرَ النهار عاقرَ الليل ذابحا

بحيث السماح لا يخيبُ سائلا … وحدُّ الصفاح لا يخيبنَ صائحا

إذا عجزتْ يوما مواعظُ صفحه … عن الأمر ولاه القنا والصفائحا

و يأبى فيأتي مشرعَ الدمِ واردا … حريصا ويأتي مشرعَ الماء قامحا

يصيب بأطراف العوالي محاربا … عداه وأطرافِ الكلام مصالحا

إذا هزَّ رمحا طاعنا خيلَ كاتبا … سدادا وطرساً كاتبا خيلَ رامحا

أقول لأيامي وهن عواثر … بحظي لعاً قد أدرك الذنبُ صافحا

إذا الصاحبَ استبقيته لي ورهطهُ … فمرى بقومٍ طائراتٍ طوائحا

أذموا على الآمال لي وتعاقدوا … على وقعْ خلاتي أكفا نواصحا

غبرتُ زمانا أمنع الناسَ مقودي … حرونا إلى غير المطامع طامحا

أعزُّ فلا ألقى ابنَ مالٍ مؤملا … لمالٍ ولا يلقانيَ الدهرَ مادحا

مع الناس جراً خاطري غير أنهم … بأخلاقهم يستعبدون القرائحا

و ما كنتُ في طرد الخطوب بيمنهم … بأولِ داجٍ يستضيء المصابحا

بك اعتدلتْ حوشية ٌ من تصعبي … و راخيتَ من أنسي فأصبحَ سازحا

صحبتك لم يمسحْ عذاري سواده … و ها أنا قد غطى سوادي المسائحا

و سديتَ عندي نعمة ً ليس ناهضا … ثنائي بها ما لم أجدك مسامحا

فكن سامعا في كلّ نادي مسرة ٍ … سواردَ في الدنيا ولسن بوارحا

حواملَ أعباءِ الثناء خفائفا … صعدن الهضابَ أو هبطن الأباطحا

يرى المفصحُ المفتونُ عجبابشعرهِ … لها ناقصا ما سره منه رازحا

إذا قمتُ أتلوها اقشعرَّ كأنني … تلوتُ مزاميرا بها ومسابحا

تزورك لا زالت تزور بشائرا … يسوق التهاني وفدها والمفارحا

يضمُّ الزمانُ شملَ عزك نظمها … و يطرحُ من عادي علاك المطارحا