ألا هتفَت بالأيكِ ساجِعة ُ القُمرِ – محمود سامي البارودي

ألا هتفَت بالأيكِ ساجِعة ُ القُمرِ … فَطُف بالحُميَّا ، فهى ريحانة ُ العُمرِ

وإن أنتَ أترَعتَ الأباريقَ فلتَكن … سُلاَفاً، وَإِيَّاكَ الْفَضِيخَ مِنَ التَّمْرِ

فقاتلة ُ العُرجونِ للفاقدِ النَّدى … وصافية ُ العُنقودِ للماجدِ الغَمرِ

مُوَرَّدَة ٌ، تَمْتَدُّ مِنْهَا أَشِعَّة ٌ … تَدورُ بِها فى ظلِّ ألوية ٍ حُمرِ

إذا شجَّها السَّاقونَ دارَ حبابُها … عَليها ، كما دارَ الشَّرارُ على الجَمرِ

ثَوتْ فى ضميرِ الدَّهرِ والجوُّ ظُلمَة ٌ … بِلا كوكب ، والأرضُ تَسبحُ فى غَمرِ

فجاءت ، ولولا عَرفُها وبريقُها … لَكَانَتْ خَفاً بَيْنَ الدَّسَاكِرِ كَالضَّمْرِ

تُزَفُّ بأَلْحَانِ الْمَثَانِي كُئُوسُهَا … كَمَا زُفَّتِ الْحَسْنَاءُ بِالطَّبْلِ وَالزَّمْرِ

كُمَيْتٌ جَرَتْ في حَلْبَة ِ الدَّهْرِ، فَانْطَوَتْ … ثَميلَتُها ، والخيلُ تُحمَدُ بالضُّمرِ

فكَم بينَ آصالٍ أدَرنا كئوسَها … وَبَيْنَ لَيَالٍ مِنْ كَوَاكِبِها نُمْرِ

إِذَا أَنْتَ قَامَرْتَ الزَّمَانَ عَلَى الْمُنَى … بِمَا دَارَ مِنْ أَقْداحِها فُزْتَ بِالْقَمْرِ

فخُذ فى أفانينِ الخلاعة ِ والصِّبا … ودَعنى مِن زَيدِ النُّحاة ِ ومِن عَمرِ

أولئكَ قَومٌ فى حُروبٍ تفاقمَتْ … ولكِن خَلَتْ مِن فَتكة ِ البيضِ والسُمرِ

فَمَا تَصْلُحُ الأَيَّامُ إِلاَّ إِذَا خَلَتْ … قُلُوبُ الْوَرَى فِيها مِنَ الْحِقْدِ وَالْغِمْرِ

وَلاَ تَتَعَرَّضْ لامْرِىء ٍ بمَسَاءَة ٍ … ولا تحتلِبْ ضَرعَ الشِقاقِ ، ولا تَمرِ

ولا تَحتَقِر ذا فاقة ٍ بينَ طِمرهِ … فَيَا رُبَّ فَضْلٍ يَبْهَرُ الْعَقْلَ في طِمْرِ

وكيفَ يعيشُ المرءُ فى الدّهرِ آمناً … وَلِلْمَوْتِ فِينا وَثْبَة ُ اللَّيْثِ وَالنِّمْرِ؟

وَمَا أَحْسَبُ الأَيَّامَ تَصْفُو لِعاقِلٍ … ولَكِن صفاءَ العيشِ لِلجاهلِ الغًمرِ

سَعَيْتُ فَأَدْرَكْتُ الْمُنَى في طِلابِها … وكُلُّ امرئٍ فى الدَّهرِ يَسعى إلى أمرِ