أفاقَ بها منْ طولِ سكرته الدَّهرُ – مهيار الديلمي
أفاقَ بها منْ طولِ سكرته الدَّهرُ … وفكَّتْ أمانٍ فيكَ ماطلها الأسرُ
وأسمحتِ الأيَّامُ بعدَ حرانها … ونهنهها الوعظُ المكرَّرُ والزََّّجرُ
حملتْ تمادي غيِّها ولجاجها … على غالبٍ لمْ يدمهُ النَّدبُ والعقرُ
نهوضَ إذا خارَ الفقارَ نجتْ بهِ … جوارحُ صمٌ كلُّها في السَّرى ظهرُ
وأرعيتها الإهمالَ علماً بأنَّها … إليكَ وإنْ طالَ التَّنازعُ تضطرُّ
وما فاتَ مطلوبٌ سرى الجدِّ خلفهُ … وضامنهُ العمرُ المؤخرُ والصَّبرُ
وقدْ كنتُ أستبطي القضاءَ وسعيهُ … وأعذلهُ فيما ينوب وما يعرو
ويقنطني مايستقيمُ ويلتوي … ويقبلُ منَ أمرٍ عليكَ ويزوَّرُ
ولمْ أدرِ أنَّ اللهَ أخَّرَ آية ً … لهُ بكَ في إظهارِ معجزها سرُّ
وأنَّكَ مذخورٌ لإحياءِ دولة ٍ … إذا هي ماتتْ كانَ في يدكَ النَّشرُ
تعاورها شلُّ الغواة ِ وطردهمْ … تساقُ على حكمِ الغوارِ وتجترُّ
لها جانبٌ منْ خوفهمْ متسهِّلٌ … وآخرُ يرجو أنْ تداركهُ وعرُ
مزعزعة ُ أيدي سبا بينَ معشرٍ … همْ غمطوا النُّعمى وغمطهمْ كفرُ
ولمْ أرَ كالعبدِ الموسَّمَ آمنا … يروَّعُ منهُ ربُّهُ الملكُ الحرُّ
محافرُ أكّدتْ في أكفٍّ تخاذلتْ … فكانَ عليها حثو ما فحص الحفرُ
ولمّا نبتَ بالملكِ دارَ قرارهِ … ومالَ عليهِ منهمُ الفاجرُ الغرُّ
وسرِّحَ منْ مكنونهِ الخوفُ حائماً … عليهِ وأبدى منْ نواجذهِ الشَّرُّ
وكوشفَ حتّى لمْ تحصِّنهُ رقبة ٌ … ولمْ يبقَ بابٌ للحياءِ ولا سترُ
أتتكَ بهِ الظَّلماءَ يركبُ ظهرها … على ثقة ٍ منْ غيِّهِ أنَّكَ الفجرُ
يناديكَ قمْ هذا أوانُ انتهازها … فشمِّرْ لها قدْ أمكنَ الخائضَ البحرُ
فما ضرّهُ خذلَ الّذينَ وراءهُ … وقدّامهُ منكَ الحميَّة ُ والنُّصرُ
تلافيتها بالرأي شنعاءَ لمْ تجزْ … بظنٍّ ولمْ ينفقْ على مثلها فكرُ
دعاكَ لها يا واحدَ وهوَ واحدُ … فأصرخهُ منْ نصحكَ الحجفلُ المجرُ
وفي النَّاسِ منْ تسري لهُ عزماتهُ … بعيداً ولمْ يشكمْ حصانٌ ولا مهرُ
وأعزلَ ما مدَّ السِّلاحَ بنانهُ … تلاوذُ منْ فتكاتهِ البيضُ والسُّمرُ
وما كانَ إلاَّ أنْ وفيتَ بعهدهِ … وأسميتَ حتّى ماتَ منْ خوفكَ الغدرُ
فكنتَ عصا موسى هوتْ فتلقّفتْ … بآيتها البيضاءِ ما أفكَ السِّحرُ
طلعتْ لنا بالملكِ شمساً جديدة ً … أعادتْ بياضَ الحقِّ والحقُّ مغبرُّ
ترحَّلُ في يومٍ منَ الشَّرِّ عابسٍ … وعادَ وقدْ أعداهُ منْ وجهكَ البشرُ
أضاءتْ لنا منْ بعدِ ظلمتها الدُّجى … فقلنا الوزيرُ القاسميُّ أو البدرُ
وكمْ مثلها منْ غمَّة ٍ قد فرجتمُ … ومنْ دولة ٍ هيضتْ وأنتمْ لها جبرُ
دجتْ ما دجتْ ثمَّ انجلتْ وسيوفكمْ … كواكبُ فيها أو وجوهكمْ الغرُّ
بكمْ رب هذا الملكُ طفلاً وناشئاً … فما ضمَّهُ حصنٌ سواكمْ ولا حجرُ
وفيكمْ نمتْ أعراقهُ وفروعهُ … ورفَّتْ على اغصانهِ الورقُ الخضرُ
لكمْ فيهِ أيَّامٌ يزيدُ بياضها … نصوعاً وأيَّامُ الأعادي بها حمرُ
يداولُ منكمْ واحداً بعدَ واحدٍ … فيرضيهِ ما تملي التَّجاربُ والخبرُ
وما تمَّ امرٌ لستمُ منْ ولاتهِ … وليسَ لكمْ نهيٌ عليهِ ولا أمرُ
لكمْ سورة َ المجدِ التَّليدِ وفيكمُ … طرائفُ منْ يفخرْ بها فهي الفخرُ
فيوماً أميراً سيفهُ ويمينهُ … حمى جانبيهِ أو حبا الدَّمُ والقطرُ
ويوماً وزيراً صدرهُ ولسانهُ … كما اشترطَ القرطاسُ واقترحَ الصَّدرُ
هو الشَّرفُ العجليُّ يصدعُ فجرهُ … وتغني عنْ الدُّنيا كواكبهُ الزُّهرُ
ويستوقفُ الأسماعَ منشورُ ذكرهِ … إذا وصمَ النَّاسَ الأحاديثُ والذِّكرُ
فلا يعدمْ الدَّهرَ الفقيرَ إليكمُ … فتى ً منكمُ في جودهِ ينسخُ الفقرُ
ولا زالَ مغمورٌ منَ الفضلِ دارسٌ … يعودُ بهِ غضَّاً نوالكمْ الغمرُ
ومُليِّتَ أنتَ ثوبَ عزٍّ سحبتهُ … ولا يبلهِ سحبٌ عليكَ ولا جرُّ
يطولُ إلى أنْ لا يرى ما يطولهُ … ويمتدُّ فيهِ العمرُ ما حسنَ العمرُ
وعذراءَ بكراً منْ عوارفِ ربِّها … حبيتُ بها ما كلَّ عارفة ٍ بكرُ
رآكَ الإمامُ كفئها وقوامها … فسيقتْ وما إلاَّ علاكَ لها مهرُ
لبستْ بها تاجاً وحصناً حصينة ً … وإنْ لمْ يصغها لا الحديدُ ولا التِّبرُ
تمنَّى رجالٌ أنْ يكونوا مكانها … ففاتتْ ولمْ يقدرْ على مثلها قدرُ
مشيتَ على بسطِ الخلافة ِ واطئاً … مكاناً تمنَّاهُ منَ الفلكِ النِّسرُ
مكاناً زليقاً لو سواكَ يقومهُ … هوتْ رجلهُ أو ظنَّ أنَّ الثَّوى جمرُ
وقلبُ شجاعِ القلبِ والفمِ باسطاً … لسانكَ حيثُ القولُ محتشمٌ نزرُ
ولمَّا وعدتَ بالطَّروقِ تشوَّفَ ال … سريرُ إلى رؤياكَ واشتاقكَ القصرُ
وودَّ وليَّ الأمرِ كلَّ صبيحة ٍ … لعينيهِ عنْ إقبالِ وجهكَ تفترُّ
مزايا إذا خافَ الكفورُ سراحها … فعندكَ فيهاأنْ يقيدكَ الشِّكرُ
وقدْ كنتُ أرجوها وأزجرُ طيرها … بفألٍ قضى أنْ لا يخيبَ لهُ زجرُ
وأنذرُ إنْ أدركتها فيكَ منسكاً … أقومَ بهِ فاليومَ قدْ وجبَ النَّذرُ
وفاءً عصى أنْ يستحيلَ بهِ النَّوى … وعهداً تعالى أنْ يغيرهُ الهجرُ
وشفعاً لأسلافٍ لديكَ شفيعها … مطاعُ وقاضيها لهُ الحكمُ والأمرُ
وإنْ مسني لذعُ الجفاءِ وطالَ بي … فربَّ جفاءٍ في مدارجهِ عذرُ
وقدْ أمكنَ الإنصافَ والجودَ فرصة ٌ … إذا أعوزتْ في العسرِ قامَ بها اليسرُ
وهلْ ضائعٌ حقِّي ومجدكَ شاهدٌ … بفضلي وسلطاني على مالكَ الشِّعرُ
اعدْ نظرة ً تشجي الزَّمانَ بريقهِ … يراشُ بها المحصوصُ أو يجبر الكسرُ
ووفِّرْ لها أعراضَ ما فاتَ إنَّها … غنيمة ُ مجدٍ يستقلُّ بها الوفرُ
فما زلتُ ألقى العدمَ جذلانَ مهوناً … بما جرَّ علماً أنَّ رأيكَ لي ذخرُ