أعائدٌ بكِ يا ريحانة ُ الزمنُ ؟ – محمود سامي البارودي
أعائدٌ بكِ يا ريحانة ُ الزمنُ ؟ … فيلتقي الجفنُ بعدا البينِ وَ الوسنُ
أشتاقُ رجعة َ أيامي لكاظمة ٍ … وَمَا بِيَ الدَّارُ لَوْلاَ الأَهْلُ وَالسَّكَنُ
فهلْ تردُّ الليالي بعضَ ما سلبتْ ؟ … أمْ هلْ تعودُ إلى أوطانها الظعنُ ؟
أَهَنْتُ لِلْحُبِّ نفْسِي بَعْدَ عِزَّتِهَا … وَأَيُّ ذِي عِزَّة ٍ لِلْحُبِّ لاَ يَهِنُ؟
لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْهَوَى سِرٌّ لَمَا ظَهَرَتْ … بِوَحْيِ قُدْرَتِهِ فِي الْعَالَمِ الْفِتَنُ
فَكَيْفَ أَمْلِكُ نَفْسِي بَعْدَمَا عَلِقَتْ … بِيَ الصِّبَابَة ُ حَتَّى شَفَّنِي الْوَهَنُ
لولا جريرة ُ عيني ما سمحتُ بها … للدمعِ تسفحهُ الأطلالُ وَ الدمنُ
دَعَتْ إِلَى الْغَيِّ قَلْبِي؛ فَاسْتَبَدَّ بِهِ … شَوْقٌ تَوَلَّدَ مِنْهُ الْهَمُّ وَالشَّجَنُ
وَ دونَ ما تبغيهِ النفسُ منْ أربٍ … بَيْدَاءُ تَصْهَلُ فِي أَرْجَائِهَا الْحُصُنُ
وَ في الأكلة ِ آرامٌ تطيفُ … أسدٌ براثنها الخطية ُ اللدنُ
منْ كلَّ حوراءَ مثلِ الظبي ، لوْ نظرتْ … لِعَابِدٍ لَشَجَاهُ اللَّهْوُ وَالدَّدَنُ
في نشوة ِ الراحِ منْ ألحاظها أثرٌ … وفِي الْجَآذِرِ مِنْ أَلْفَاظِهَا غُنَنُ
دَقَّتْ، وَجَلَّتْ، وَلاَنَتْ، وَهْيَ قَاسِيَة ٌ … كَذَاكَ حَدُّ الْمَوَاضِي لَيِّنٌ خَشِنُ
طوتْ بهنَّ النوى عني بدورَ دجى … لا يستبينُ لعيني بعدها سننُ
أتبعتهمْ نظراتٍ كلما بلغتْ … أخرى الحمولِ ثناها مدمعٌ هتنُ
يَا رَاحِلِينَ وَفي أَحْدَاجِهِمْ قَمَرٌ … يَكَادُ يَعْبُدُهُ مِنْ حُسْنِهِ الْوَثَنُ
منوا عليَّ بوصلٍ أستعيدُ بهِ … منْ مهجتي رمقاً يحيا به البدنُ
أوْ فاسمحوا لي بوعدٍ إنْ ونتْ صلة ٌ … فَالْوَعْدُ مِنْكُمْ بِطِيبِ الْعَيْشِ مُقْتَرِنُ
لمْ ألقَ منْ بعدكمْ يوماً أسرُّ بهِ … كَأَنَّ كُلَّ سُرُورٍ بَعْدَكُمْ حَزَنُ
يَا جِيرَة َ الْحَيِّ مَا لِي لاَ أَنَالُ بِكُمْ … معونة ً ؛ وَ بكمْ في الناس يعتونُ ؟
مَاذَا عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ أَهْلُ بَادِرَة ٍ … إذا ترنمَ فيكمْ شاعرٌ فطنُ ؟
أَفِي السَّوِيَّة ِ أَنْ يَبْكِي الْحَمَامُ، وَلاَ … يبكي على إلفهِ ذو لوعة ٍ ضمنُ ؟
يا حبذا مصرُ لوْ دامتْ مودتها … وَ هلْ يدومُ لحيًّ في الورى سكنُ ؟
تاللهِ ما فارقتها النفسُ عنْ مللٍ … وَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ لَهَا إِحَنُ
فلا يسرَّ عداتي ما بليتُ بهِ … فَسَوْفَ تَفْنَى ، وَيَبْقَى ذِكْرِيَ الْحَسَنُ
ظَنُّوا ابْتِعادِيَ إِغْفَالاً لِمَنْقَبَتِي … وَذَاكَ عِز لَهَا لَوْ أَنَّهُمْ فَطَنُوا
فإنْ أكنْ سرتُ عنْ أهلي وَ عنْ وطني … فَالنَّاسُ أَهْلِي، وَكُلُّ الأَرْضِ لِي وَطَنُ
لاَ يَطْمِسُ الْجَهْلُ مَا أَثْقَبْتُ مِنْ شَرَفٍ … وَ كيفَ يحجبُ نورَ الجونة ِ الدخنُ ؟
قدْ يرفعُ العلمُ أقواماً وَ إنْ تربوا … وَيَخْفِضُ الْجَهْلُ أَقْوَاماً وَإِنْ خَزَنُوا
فَرُبَّ مَيْتٍ لَهُ مِنْ فَضْلِهِ نَسَمٌ … وَ ربَّ حيًّ لهُ منْ جهلهِ كفنُ
فلا تغرنكَ أشباهٌ تمرُّ بها … هَيْهَاتَ، مَا كُلُّ طِرْفٍ سابِقٌ أَرِنُ
فلا ملامَ على ما كانَ منْ حدثٍ … فكُلُّنَا بِيَدِ الأَقْدَارِ مُرْتَهَنُ
لَوْ كَانَ لِلْمَرْءِ حُكْمٌ فِي تَصَرُّفِهِ … لعاشَ حراً ، وَ لمْ تعلقْ بهِ المحنُ
وَ أيُّ حيًّ وَ إنْ طالتْ سلامتهُ … يَبْقَى ؟ وَأَيُّ عَزِيزٍ لَيْسَ يُمْتَهَنُ؟
كلُّ امريءٍ غرضٌ للدهرِ يرشقهُ … بأسهمٍ لا تقي أمثالها الجننُ
فَلْيَشْغَبِ الدَّهْرُ، أَوْ تَسْكُنْ نَوَافِرُهُ … فَلَسْتُ مِنْهُ عَلَى مَا فَاتَ أَحْتَزِنُ
غنيتُ عما يهينُ النفسَ منْ عرضٍ … فما عليَّ لحيًّ في الورى مننُ
لَكِنَّنِي بَيْنَ قَوْمٍ لاَ خلاَقَ لَهُمْ … إِنْ عَاقَدُوا غَدَرُوا، أَوْ عَاشَروا دَهَنُوا
يخفونَ منْ حسدٍ ما في نفوسهمُ … وَيُظْهِرُونَ خِدَاعاً غَيْرَ مَا بَطنوا
يا للحماة ِ أما في الناسِ منْ رجلٍ … وارى الضميرِ ، لهُ عقلٌ بهِ يزنُ ؟
أكلَّ خلًّ أراهُ لا وفاءَ لهُ ؟ … وَ كلَّ قلبٍ عليَّ اليومَ مضطغنُ ؟
تغيرَ الناسُ عما كنتُ أعهدهُ … فاليومَ لاَ أدبٌ يغنى ، وَ لاَ فطنُ
فالخيرُ منقبضٌ ، وَ الشرُّ منبسطٌ … وَ الجهلُ منتشرٌ ، وَ العلمُ مندفنُ
لَمْ تَلْقَ مِنْهُمْ سَلِيماً فِي مَوَدَّتِهِ … كَأَنَّ كُلَّ امْرِىء ٍ فِي قَلْبِهِ دَخَنُ
طَوَاهُمُ الْغِلُّ طَيَّ الْقِدِّ، وَانْتَشَرَتْ … بالغدرِ بينهمُ الأحقادُ وَ الدمنُ
فَلاَ صَدِيقَ يُرَاعِي غَيْبَ صَاحِبِهِ … وَلاَ رَفِيقَ عَلَى الأَسْرَارِ يُؤْتَمَنُ
بَلَوْتُهُمْ؛ فَسَئِمْتُ الْعَيْشَ، وَانْصَرَفَتْ … نفسي عنِ الناس حتى ليسَ لي شجنُ
فَإِنْ يَكُنْ فَاتَنِي مَا كُنْتُ أَمْلِكُهُ … فَالْبُعْدُ عَنْهُمْ لِمَا أَتْلَفْتُهُ ثَمَنُ
كَفَى بِحَرْبِ النَّوَى سَلماً نَجَوْتُ بِهِ … وَ ربَّ مخشية ٍ في طيها أمن
لعلَّ مزنة خيرٍ تستهلُّ على … رَوْضِ الأَمَانِي؛ فَيَحْيَا الأَصْلُ
وَ كلُّ شيءٍ لهُ بدءٌ وَ عاقبة ٌ … وَ كيفَ يبقى على حدثانهِ الزمنُ ؟
كلمات: صالح الخريجي
ألحان: طلال مداح