أصابَ المجاهدُ عقبى الشهيد – أحمد شوقي

أصابَ المجاهدُ عقبى الشهيد … وألقى عَصاه المضافُ الشَّريد

وأمسى جماداً عدوُّ الجمود … وباتَ على القيد خَصمُ القيود

حداه السفارُ إلى منزلٍ … يلاقي الخفيفَ عليه الوئيد

فقرَّ إلى موعدٍ صادقٍ … معزُّ اليقينِ مذلُّ الجحود

وباتَ الحواريُّ من صاحبيهِ … شَهيدَيْن أَسْرَى إليهم شهيد

تسربَ في منكبيْ مصطفى … كأمسِ ، وبينَ ذراعيْ فريد

فيا لَكَ قبراً أكَنّ الكنوزَ … وساجَ الحقوقَ، وحاط العهود

لقد غيَّبوا فيك أَمضى السيوفِ … فهل أنت يا قبرُ أوفى الغمود ؟

ثَلاثُ عقائدَ في حفرة ٍ … تَدُكُّ الجبالَ، وتُوهِي الحديد

فعدنَ فكنّ الأساس المتينَ … وقام عليها البناءُ المشيد

فلا تنسَى أمسِ وآلاءَه … ألا إن أمسِ أساسُ الوجود

ولولا البلى في زوايا القبورِ … لما ظهرَتْ جِدّة ٌ للمُهود

ومَنْ طلب الخُلْقَ من كنزه … فإن العقيدة َ كنزٌ عَتيد

تعلمَ بالصبرِ ، أو بالثباتِ … جليدُ الرجالِ ، وغيرُ الجليد

طريدَ السياسة ِ منذُ الشبابِ … لقد آن يستريح الطريد

لقيت الدواهيَ من كيدها … وما كالسياسة داهٍ يكيد

حَمَلْتَ على النفس ما لا يطا … قُ، وجاوزَتِ المستطاعَ الجهود

وقلبتَ في النار مثلَ النضا … رِ ، وعربتَ مثلَ الجمانِ الفريد

أَتذكر إذْ أَنتَ تحت اللواءِ … نبيهَ المكانة ِ ، جمَّ العديد؟

إذا ما تطلَّعْتَ في الشاطئين … ربا الريفُ ، وافتنّ فيك الصعيد

وهزّ النديُّ لك المنكبينِ … وراحَ الثرى من زحامٍ يَميد

رسائلُ تذري بسجع البديعِ … وتنسي رسائلَ عبدِ الحميد

يَعِيها شيوخُ الحِمى كالحديث … ويحفظها النشءُ حفظ النشيد

فما بالُها نَكِرَتْها الأُمورُ … وطول المدى ، وانتقال الجدود ؟

لقد نسيَ القومُ أمسِ القريبَ … فهل لأحاديثه من معيد ؟

يقولون : ما لأبي ناصرٍ … وللتُّرْكِ؟ ما شأْنُه والهنود؟

وفِيمَ تحمَّل هَمَّ القريبِ … من المسلمينَ وهمَّ البعيد ؟

فقلتُ: وما ضرّكم أَن يَقومَ … من المسلمين إمامٌ رشيد ؟

أَتستكثرون لهم واحداً … وَلِيَّ القديم نصيرَ الجديد؟

سعى ليؤلف بينَ القلوبِ … فلم يَعْدُ هَدْيَ الكتابِ المجيد

يَشُدُّ عُرَى الدينِ في داره … ويدعو إلى الله أهلَ الجحود

وللقومِ حتى وراءه القفارِ … دعاة ٌ تغني ، ورسلٌ تشيد

جزى الله مَلْكاً من المحسنين … رؤوفُ الفؤادِ ، رحيمُ الوريد

كأَنَّ البيانَ بأَيامه … أَو العِلْمَ تحتَ ظلالِ الرشيد

يداوي نداه جراحَ الكرامِ … ويدركهم في زوايا اللحود

أَجارَ عِيالَك من دهرهم … وجاملهم في البلاءِ الشديد

تولى الوليدة في يتمها … وكفكفَ بالعطف دمعَ الوليد

سلامٌ أَبا ناصرٍ في التراب … يعيرُ الترابَ رفيفَ الورود

بعدتَ وعزَّ إليكَ البريدُ … وهل بينَ حيٍّ وميتٍ بريد؟

أجلْ ، بيننا رسلُ الذكرياتُ … وماضٍ يطيفُ ، ودمعٌ يجود

وفكرٌ وإن عقلَتْه الحياة ُ … يَظَلُّ بوادي المنايا يَرود

أجلْ ؛ بيننا الخشبُ الدائباتُ … وإن كان راكبها لا يعود

مضى الدهرُ وهْيَ وراءَ الدموعِ … قيامٌ بمُلْكِ الصَّحارى قُعود

وكم حملَتْ من صَديدٍ يَسيلُ … وكم وضعتْ من حناشٍ ودود

نَشَدْتُكَ بالموت إلا أَبنْتَ … أأنتَ شقيٌّ به أم سعيد؟

وكيف يُسَمَّى الغريبُ امرؤٌ … نَزِيلُ الأُبُوّة ِ، ضَيْفُ الجُدود؟

وكيف يقال لجار الأوائ … لِ جارِ الأواخرِ : ناءٍ وحيد؟