أرى الإنسانَ يطغى حينَ يغنى – مصطفى صادق الرافعي
أرى الإنسانَ يطغى حينَ يغنى … وما أدنى الهبوطَ من الصعودِ
يظنُّ الناسَ من خلقٍ قديمِ … ويحبسهُ أتاهم من جديدِ
كما تعمى البهائمُ حينَ ترعى … عن الشوكِ الكثيرِ لأجلِ عودِ
متى كانتْ جيوبكَ من نضارٍ … فقد صارتْ جنوبكَ من حديدِ
ومن عجبٍ يكونُ المالُ تاجاً … وحبُّ المالِ أشبهُ بالقيودِ
فيا أسفاً على الفقراءِ أمسوا … كمثلَ العودِ جُفِّفَ للوقودِ
دموعهم دنانيرٌ ولكن … تعامى الناسُ عن هذي النقودِ
أليسَ من التغابُنِ وهو ظلمٌ … جزاءُ السَّعي يعطى للقعودِ
ومن يحصدْ فإنَّ الويلَ أن لا … يذودَ الطيرَ عنْ حبِّ الحصيدِ
ومن يحملْ على عنقٍ حساماً … فقد ظمأ الحسامُ إلى الوريدِ
وما زال الورى بعضُ لبعضٍ … حسوداً يتقي شرَّ الحسودِ
يقولُ الناسُ إن المالَ ماءٌ … بهِ يحيى المجدُّ معَ البليدِ
أكالماءِ المرشحِ ما تراهُ … حوى الكدرينِ من طينٍ ودودِ
وأينَ البحرُ يضطربُ اضطراباً … من المستنقعاتِ على ركودِ
كذا خُلقَ الأنامُ فمن شقيٍّ … يلازمهُ الشقاءُ ومن سعيدِ
ومن يسخطْ على زحلٍ فلمْ لا … يدير بكفهِ نجمَ السعودِ
وكم بينَ النحاسِ وإن جلوهُ … وبينَ توهجِ الذهبَ الشديدِ
نواميس جرتْ في الكونِ قدماً … ليتَّضحَ الفناءُ من الخلودِ