أرى الأرض قد مادتْ لأمرٍ يهولهُا – حيدر بن سليمان الحلي

أرى الأرض قد مادتْ لأمرٍ يهولهُا … فهل طرقَ الدنيا فناءٌ يزيلُها؟

وأسمع رعداً قد تقصف في السما … لمن زمرُ الأملاك قام عويلها؟

تأمَّل فأما الساعة ُ اليوم فاجأت … وأما التي في العالمين عديلها

وإلا فما الدهر راع حشا الورى … بتقطيبه منها عراها ذهولها؟

بلى طرقتْ أختُ القيامة بغتة ً … وتلك التي للحشر يبقى غليلها

لها صعدتْ بالحزن للعرش رنّة ٌ … بأعلى بيوت الوحي كان نزولها

نحت في رواق المجد صدراً من العُلى … يروع ملوكَ الأرض فيه مئولها

ومالت بأرسى هضبة ٍ ما تصوَّرت … جحاجحُ فهرٍ أن ترى ما يميلها

فدى ً لعميد الغالبين كلّها … وأي فريدٍ لو فداه قبيلها

إذاً لافتدت طوداً لها ما تعلقت … بقنته للكاشحين وعولها

فإن “معز الدين” مَن سُلَّ دونه … صوارمُ لا يخشى عليها فلولها

وقارع حتى كلُّ مضاء فكرة ٍ … ثناه بحدِّ القول وهو كليلها

وراش نبالاً لم تفت مقتل العدى … وأقتلُ سهمٍ ما يريش نبيلها

وسدَّد من أقلامه السمر صعدة ً … بصعداتها للسمر قصِّر طولها

فأدرك ما لا تدرك الشوسُ بالقنا … ونال بها ما لم تنله نصولها

أكالئ ثغر الدين قد عثر الردى … بيومك لكن عثرة ً لا نقيلها

لأرخى يميناً منك شدَّ قوى الهدى … وغمض عيناً بالحفاظ تجيلها

فمن مخبري كيف انتحتك منية ٌ … بطرفك لو ترمى لعزِّ وصولها؟

أأنحلها خوفُ التقحيم إذ مشت … إليك فأخفاها عليك نحولها؟

أم اقتادك التسليمُ لله طائعاً … وهل طاعة ٌ إلا وأنت فعولها؟

ورزئك ما هذي الدموع وإن جرت … بماءٍ ولا هذي السيولُ سيولها

ولكن حشاشات على الشوق لم تزل … تذوب إلى أن جاءها ما يسيلها

ستبكيك ما ناح ابنُ ورقاء أعينٌ … بفضلك من حيث التفتنا نجيلها

نرى لك آثار الغمامة لاطفت … ثرى الأرض حتى روَّضته هطولها

“أبا صالحٍ” ما العيش بعدك صالحاً … لنفسٍ هواها عنك لا يستميلها

عفاءً على “الفيحاء” بعدك وحدها … وإن غال كلَّ الأرض بعدك غولها

لقد لبست فيك الجمال وإنما … عليك تعرّى اليوم عنها جميلها

غدت ثاكلاً تشجى بنيها وطالما … زهت فاجتلتها كالعروس بعولها

نعاك لها ناعٍ إليك أطارها … بدهياء راعَ الخافقين حلولها

أتت لك تشكو اليتم فيك بأدمعٍ … لها صنتها دهراً فأضحت تذيلها

وشرفتها ميتاً بحملك ضعف ما … رأتك من التشريف حياً تنيلها

إصاحِ إلى جنبي قف اليوم ممسكاً … عليَّ حشاً حان الغداة رحيلها

فقد كنتُ قبل اليوم أعهد لي يداً … هي اليوم لا منّي فأنت بديلها

أزل بالنعيّ الراسيات فقد سرى … يخفُّ على أيدي الرجال ثقيلها

وما خفَّ لمّا أن تساوى بحمله … حقيرٌ الورى فوق الثرى وجليلها

ولكن سرى الأملاك فيه يؤمهم … بتكبيره فوق السما جبرئيلها

وغبراء من حثو التراب قد احتبى … بقاتمها حزنُ الفلا وسهولها

مرت ماءها الأنفاسُ في صعداتها … فسالت وأسرابُ الدموع سيولها

تدانى بها منا ابنُ نعيٍ يلوثها … على وجهه طوراً وطوراً يذيلها

فقمنا له نخفي الذي منه هالنا … وهل طلعة ٌ للشر يخفي مهولها؟

وقلنا زعيم الطالبيين أحدقت … بجنب علاه شيبها وكهولها

قضى حجة ً واستأنف السير فانبرت … تعطّف منه حول فحلٍ فحولها

وهذا بشيرٌ لو وهبنا نفوسنا … لقلت له والفضلُ منه قبولها

فلما ألمَّ استلَّها من لسانه … صفيحة نعيٍ كلُّ قلبٍ قتيلها

شكت عندها الأسماعُ وقراً أصمَّها … وما وقر الأسماع إلا صليلها

وقال امسحوها اليوم عمياء من جوى ً … بشلاّء فيها لم يُككفْ همولها

فذاك على الأعواد سيدُ هاشمٍ … بجنب العُلى منه مسجى كفيلها

وذي هاشمٌ جاءت بأثقال همِّها … ومهديّها محمولة لا حمولها

نضتها السرى أسيافَ مجدٍ صقيلة ً … وعادت وفي قلب المعالي فلولها

مضت بأبٍ للمكرمات يؤمُها … وكان بأمِّ النائبات قفولها

أما وسريرٍ تحته قد تزاحمت … فطاشت كما طاشت خطاها عقولها

لقد هالها الإقدام فيه لتربة ٍ … على روحها بالراحتين تهيلها

فقد قبرت في اللحد واحد عصرها … وأقسم ما المقبورُ إلا قبيلها

تجللتها يا دهرُ سوداء فانطوت … عليك ليوم النشر تضفو ذيولها

خطمت بها قسراً عرانينَ هاشمٍ … فقدها تساوى صعبُها وذلولها

فما جولة عند الردى فوق هذه … فنخشاه يوماً في كريم يجولها

ويا رافعيه في الأكف نصبتمُ … بها علماً يشأى العُلى ويطولها

قفوا وانظروا كيف الورى لو تحاشدت … وضاق بأبناء السبيل سبيلها

تشيِّع نعشاً ليس تدري إمامها … إلى القبر محمولٌ به أم رسولها؟

فتى ً طبَّق الدنيا علاءً وعمَّها … سخاءً وأبقى بعده من يعولها

كفى خلفاً منه بأشبال مجده … وهل تخلف الآساد إلا شبولها؟

مصابيحُ رشدٍ والمصابيح في الورى … يكون إليها ليس عنها عدولها

فشمسُ الهدى والأمر لله إنْ تغبْ … وراع الورى شرقاً وغرباً أفولها

فدونكها موروثة ً نبويَّة ً … وخلفَك باغيها فللأُسد غيلها

إمامة حقٍ إن تكن أمس ودعت … أباها فعند اليوم ناب سليلها

ستعلم روادُ الشريعة إذ جرت … بسلسلٍ علمٍ فيك ما سلسبيلها

لقد سمعت بالوحيِ تنزيلَ آيها … وسوف ترى من فيك كيف نزولها

ألا إنما العليا قواعدُ سؤددٍ … لك اللهُ أرساها فمن ذا يزيلها

ومجد قدامى الفخر مدَّ على الورى … سماءً لها عرض السماء وطولها

عفاة َ الورى لا يقعد اليأسُ فيكم … فأثقال أهل الأرض قام حمولها

أبلِّ بني فهرٍ لواشجة ٍ حشاً … إذا الشتوة ُ الغبراء هبَّ بليلها

أتى باليد البيضاء تقطر نعمة ً … وبالطلعة الغرّاء يبهى جميلها

لقد جاء في عصر به عقر الندى … سوى مذقة ٍ يعي الرجاءَ حصولها

فما هو إلا “صالحٌ” و”ثمودهُ” … وبالجود إلا ناقة ٌ وفصيلها

أنر يا “أبا الهادي” دجى كلِّ مشكل … فما شبهة ٌ إلا وأنت مزيلها

وأمطر بناناً يا “محمدُ” في الورى … وقد روَّضوا حالاً توالت محولها

فاقسمُ لو لم ترو عاطشة المنى … لدبّ بأغصان الرجاء ذبولها

صنايع من عرفٍ لنا بك فخرها … وللناس مشكوراً لديك جزيلها

قد اكتست الدنيا فتاهت بزهوها … خلائقَ أخلاقُ الرجال سمولها

إذا استبقت فهرٌ بفخرك في مدى ً … غدت غررُ العليا لها وحجولها

وليس الخطاب الفصلُ إلا مقالة … لسانُ قريشٍ وهو أنت قؤولها

بك ارتاش عافيها وقرَّ مروعها … وأدُنى قاصيها وعزَّ ذليلها

وما قصرتْ باعُ العُلى عن رزيّة ٍ … رغت كرغاء المثقلات نكولها

وذا “صالحُ” الدنيا وأنت كلاكما … تمدان منها و”الحسينُ” مطيلها

فتى ً لا أقول الغيثُ يحكي بنانه … سماحاً لأن الغيثَ فيه عذولها

شمائله تحكى النسيمَ لطافة ً … وأخلاقه الصهباء رقَّت شمولها

بنى الغالبيين الذين أكفُّهم … تريك الغوادي الغرَّ كيف مخيلها

ألستم لقومٍ تملأ الأرض رجفة ً … إذا هي للهيجاء سار رعيلها؟

ضراغمُ تخشى رقدة الموت من غفا … إذا استيقظتْ للضرب يوماً نصولها

يطول نعيُّ الثاكلات لقومها … إذا صهلت للطعن شوقاً خيولها

بها ليلُ أمّا هجرت يوم معركٍ … فتحت ظبات المشرفيِّ مقيلها

لها الحربُ لم تبرح تقلِّل عدَّها … ويكثر في عين العدوِّ قليلها

لكم صبرُها تحت السيوف وحلمها … إذا نوبُ الدهر ارجحنَّ جليلها

فما شيمة ُ الحسَّاد فيكم وليتها … عفت كعفوِّ المجد منها طلولها

وقدركم في الموت يعلو نباهة ً … وما الموت كلُّ الموت إلا خمولها

ألا أنتم القوم الذين قبابُهم … على شهب الخضراء ترخي سدولها

فروعُ على ً لا يدرك الوهم طائراً … سوى إنها فوق السماء أصولها

لها فوق أهل الأرض مجدٌ تكافأت … عمومتها في فخره وخؤولها

خذوها بني العلياء “خنساء” عصرها … وإلا فبنت الدوح مر غليلها

لها قربُ عهدٍ بالولادة لا تخل … أتى قبلُ أو من بعدُ يأتي مثيلها

تطول قوافي الشعر منها قصيدة ٌ … «زهيرٌ» بحوليّاته لا يطولها

ألا إنما يبقى الهدى ببقائكم … فسؤلُ المعالي أن تدوم سؤولها