أروَّضَ الوادي أمْ ابيضَّ الغسقْ – مهيار الديلمي
أروَّضَ الوادي أمْ ابيضَّ الغسقْ … أمْ طيفُ ظمياءَ على النَّأى طرقْ
جاءَ على غربتهِ لمْ يحتفلْ … ما نكدَ الأرضُ وما تيهُ الطَّرقْ
تحملهُ راحلة ٌ كاذبة ٌ … منَ الكرى تشكرُ شكرَ منْ صدقْ
فقمتُ أمشي نائماً ينفضني … إكبارُ ما خاضَ إليَّ وما خرقْ
مرتشفاً ترابهُ أعرفهُ … منْ غيرهِ بما استفادَ منْ عبقْ
والرَّكبُ قدْ ألهاهمُ عنْ شأننا … يومَ الخليلِ سامني ما لمْ أطقْ
وناظرَ رقادهُ منْ غدرهِ … لولا فراقُ الطَّيفِ ماذمَّ الأرقْ
ناشدْ غصوناً باللوى موائلاً … طوعَ النَّسيمِ تلتوي وتفترقْ
أهنَّ أحلى أمْ قدودٌ تلتوي … شكوى على جمرِ النَّوى وتعتنقْ
وعنْ قناة ٍ لحظها عاملها … وحبَّبَ الرُّمحُ إنْ اسمرَّ ودقْ
لمياءُ يلفي الظَّبيُ منْ أوصافهِ … صفراً إذا ردَّ الَّذي منها سرقْ
تمَّ البدورُ وهلالُ وجهها … ما بلغَ التّمَ بها ولا امَّحقْ
فارقتُ حولاً أهلُ نجدٍ والهوى … ذاكَ الهوى وحرقي تلكَ الحرقْ
فقلْ لمنْ ظنَّ البعادَ سلوة ً … لا تنتحّلْ طعمَ شيءٍ لمْ تذقْ
آهٍ لقلبٍ شقَّ عنهُ أضلعي … منَ الحمى تخالجُ البرقَ الشَّفقْ
ثارَ بهِ الشَّوقُ فهبَّ فهفا … تطلُّعاً ثمَّ نزا ثمَّ مرقْ
أنشدهُ وليسَ في أهلُ منى ً … والقومُ حجٌ منْ تعرَّفَ الشَّرقْ
للهِ عيشٌ بالحمى تعلَّقتْ … حبالهُ بيدِ قطَّاعِ العلقْ
صحبتُ منهُ رفقة ً سائرة ً … لو أمهلَ الحادي العنيفُ أو رفقْ
أيَّامَ لي منْ الشَّبابِ دوحة ٌ … ملتفَّة ُ الأغصانِ خضراءُ الورقْ
ولمَّتي تقطرُ منْ ماءِ الصِّبا … شرطَ المفدِّي ما فلا وما فرقْ
إذا الظِّباءُ نفرتْ منْ قانصٍ … تزاحمتْ على حبالي وربقْ
فاليومَ لا أرجعُ إلاَّ مخفقاً … محصَّنَ المدية ِ مثنّى الورقْ
قالوا المشيبَ لبسة ٌ جديدة ٌ … خذوا الجديدَ واستردُّوا ليَ الخلقْ
أسلفتُ دهري غبناً فارتجعتْ … أحداثهُ منّي الّذَي كانَ استحقْ
كمْ قدْ ركبتُ ظهرهُ ولجمي … تبدلهُ عنِ العليقِ بالعلقْ
أجريتهُ ركضاً إلى مآربي … وخبباً حتَّى أفوزَ بالسَّبقْ
فلمْ تزلْ خطاهُ بي قصيرة ً … وجلدي حتَّى رضيتُ بالعنقْ
قالتْ يئستُ فجلستْ حجرة ً … والرِّزقُ في أخرى يصوبُ ويدقْ
مزمَّلاُ بعيشة ٍ ذبذابة ٍ … لمْ يكسِ الدَّهرُ بها ولا حمقْ
تألفُ داراً بالعراقِ جدبها … قدْ عدمَ اللحمَ معادَ يعترقْ
أضربتْ أسدادُ جوٍّ غيرها … على المطيِّ أمْ على الأرضِ طبقْ
يحبُّ كسرالبيتِ إمَّا عاطلٌ … منَ العلا أو طائشِ القلبِ فرقْ
مجثمتانِ أينَ أنتَ منهما … هما الثُّرى وأنتَ بيضاءُ الأفقْ
عنِّي فما أعدلها قضيّة ً … لو أنَّ منْ يحرمَ بالفضلِ رزقْ
أما رأيتَ الفضلَ واجتماعهُ … في وطنِ والحظُّ قلَّما اتفقْ
العربيُّ راقعٌ شملتهُ … والقرويُّ بالنَّضارِ ينتطقْ
منْ لي بسوقِ المائقينَ يشتري … حلمي فيها برفاغة ِ النَّزقْ
وقدْ حرصتُ مطلقاً أعنَّتي … لو أنّ معقولَ القضاءِ ينطلقْ
والشِّعرُ قدْ أقعدتهُ فكاسدٌ … أو نافقٌ وليتَ شعري ما نفقْ
عبَّدتهُ حرَّاً لقومٍ عنفوا … بملكهِ فما نجا حتّى أبقْ
فصرتُ إنْ أردتهُ لمثلها … أبى عليَّ خيفة ً منها وشقْ
وقدْ عصاني في الملوكِ زمناً … فهلْ ترى يسمحُ في مدحِ السُّوقْ
لو كانَ كالأميرِ كلُّ سامعٍ … لمْ يحتبسْ عنْ شأوهِ ولمْ يعقْ
ولو بسعدِ الدَّولة ِ اشتغالهُ … مذْ سارَ ما سارَ بمدحٍ نختلقْ
حارنْ ما حارنْ وارتاضَ لهُ … لقدأرمَّ ولأمر ما نطقْ
أصابَ كفئاً ورأى ضريبة ً … ففالتَ الغمدُ إليها واندلقْ
ومرَّ مشتاقاً معَ الأوصافِ لا … تملكُ منهُ صهوة ٌ ولا عنقْ
طابتْ لهُ الأنباءُ فاستروحها … شمَّاً وللجودِ رياحٌ تنتشقْ
يا راكباً تنقلهُ سابحة ً … ورهاءُ لا منْ جنَّة ٍ ولا خرقْ
سوداءُ منْ لباسها وجلدها … وجسمها أبيضُ عريانَ يققْ
أرضعها البحرُ وربَّاها وما … تخشى على ذاكَ ردى ً منْ الغرقْ
إذا المطايا ألمتْ منَ الصَّدى … خمساً وعشراً ألمتَ منَ الشَّرقْ
تحدى برجزٍ ليسَ منْ أشجانها … ونغمٍ لمٍ يصبها ولمْ يشقْ
تركبُ منْ هوجِ الرِّياحِ غررا … وما لها إلاَّ بهنَّ مرتفقْ
بلِّغْ بميسانِ إذا بلغتها … عاقلة َ الثّاوي وزادَ المنطلقْ
وقمراًَ يطلعُ في سمائها … ونورهُ في الخافقينَ يأتلقْ
وقلْ كما شاءَ النّدى لخالدٍ … قولة َ لا تخلُّبٍ ولا ملقْ
يا خيرَ منْ حلَّتْ على أبوابهِ … رحائلُ البدنِ وحاجاتُ الرُّفقْ
ومنْ أتتهُ كالحبالِ عجفاً … ورجعتْ كالوسقْ منْ تحتِ الوسقْ
لولا السّماحُ وغرامٌ بالنَّدى … لما قرعتْ تطلبُ المالَ الحلقْ
ولاشهدتَ اليومَ تغلي قدرهُ … لو لمْ يصبِ ماءُ الطَّلى بهِ احترقْ
عمَّتْ على أشعارها صبائغٌ … تولّدتْ بينَ النَّجيعِ والعرقْ
يحملنَ كلَّ خائضٍ بحرَ النّدى … حتَّى يرى الموجَ عليهِ ينطبقْ
كأنَّهُ بالموتِ يقضي لذّة ً … أو بفراقِ نفسهِ يشقي حنقْ
كتيبة ُ خرساء إلاَّ قونسٌ … يطنُّ أو خرَّ غلامٌ فصعقْ
لمء ترَ منْ قبلكَ خرقاً قادها … أسدَ شرى تهفو عليهنَّ الخرقْ
إذا طغى على لصَّليق زأرها … فأضلعُ البصرة ِ منها تصطفقْ
لواؤكَ المرفوعُ منْ أمامها … لمْ ينخفضْ ولا هوى منذُ بسقْ
كأنَّهُ أبصرَ أكبادَ العدا … تنزو فأعداهُ الخفوقُ فخفقْ
قدْ جرَّبوا كيدكِ أمسِ والّذي … عندَ غدٍ أشقى عليهمْ وأشقْ
يا فارسَ القرطاسِ والسَّيفِ لقدْ … جمعتَ منْ ذي طرفينِ مفترقْ
حتّى لقالوا طاعنٌ بقلمٍ … أو كاتبٌ بالرُّمحِ في الطَّرسِ مشقْ
عرفتَ منْ نفسكَ مالمْ يعرفوا … فطرتَ حتَّى صرتَ حيثُ تستحقْ
كمْ عجبوا منكَ وأنتَ ترتقي … وانتظروا فيكَ الزَّليلَ والزلقْ
وخاوصوكَ حسداً بأعينٍ … لمْ تحفلِ الشَّهلة َ منها والزّرقْ
حتَّى تركتَ النَّجمَ في خضرائهِ … يخطرُ زواً أنْ سبقتَ ولحقْ
فالمالُ إنْ لمْ تلتحفْ بريشهِ … ولمْ تنطهُ بيدٍ ولمْ تلقْ
أنفقتهُ في الجودِ فهوَ بددٌ … في الأرضِ حتَّى ما لهُ منكَ نفقْ
والحوضُ يفنيهِ اعتوارُ شفة ٍ … فشفة ٍ وإنْ علا وإنْ عمقْ
وفرُ الفتى ما شاءَ منْ حديثهِ … والمجدُ منْ غيرِ النُّضارِِ والورقْ
هلْ لكَ في ودٍّ على شطِ النّوى … صفا على غشِّ المودَّاتِ ورقْ
وصاحبٍ كما اشترطتَ صاحباً … أخلصَ ما كانَ إذا قلتَ مذقْ
بكيلكَ البرَّ بصاعٍ أصوعا … وإنْ عققتْ غيرَ غدرٍ لمْ يعقْ
مطهَّرُ الشِّيمة ِ غنمٌ قربهُ … محبَّبِ الإكثارِ محفوظُ النّثطقْ
لا يشربُ الرَّاحَ لأنْ تسكرهُ … لكنْ لأنْ يجذبها حسنُ الخلقْ
سيفٌ إذا أنتَ عرفتَ قدرهُ … فرى بأعناقِ عداكَ وفلقْ
أتاهُ عنكَ منْ أحاديثِ النَّدى … والمجدِ ما صبا إليهِ وأرقْ
فساقها عذراءَ ما خطبتها … وكمْ غلا خطبٌ بها فلمْ تسقْ
ثمينة َ البضعِ حصيناً سرُّها … على الرِّجالِ حرَّة ً لا تسترقْ
إنْ آنستْ خيراً أقامتْ أو رأتْ … ضيماً أجازَ حكمها أنْ تنطلقْ
العقدُ والتّطليقُ للبعلِ وفي … قبضتها أقرَّ بعلٌ أمْ طلقْ
إنسيّة ٌ تحسبُ نفثَ سحرها … كلامٌ جنيٍّ حكى ما يسترقْ
حاضرة ً تحسبها بادية ً … تديَّرتْ داراتِ خبتٍ فالبرقْ
أخَّرها الميلادُ وهي رتبة ً … في الشِّعرِ بالتَّقديمِ أولى وأحقْ
إذا قرنتَ بالفحولِ شأوها … حكمتَ أنَّ السَّابقَ الَّذي سُبِقْ
فاجتلّها منْ فمِ راوٍ قدْ فرى … بالسّعيِ فيها لكَ دهراً وخلقْ
أشفقَ أنْ يعطلَ وهي مفخرٌ … عرضكَ منها والمحبُّ ذو شفقْ
فاشكرْ لهُ ما حملتْ يمينهُ … منها وما فتّقَ فيها ورتقْ
واعرفْ لمهديها لكَ افتتاحهُ … في المدحِ باباً عنْ سواكَ منغلقْ
وجازهِ وابقَ على ودادهِ … مسلّماً ما طردَ الليلُ الفلقْ
ولا تعلِّلْ باستماعِ غيرها … فإنّما تلكَ بنيَّاتُ الطُّرقْ