أروم الوفاءَ الصعبَ بالمطلبِ السهلِ – مهيار الديلمي

أروم الوفاءَ الصعبَ بالمطلبِ السهلِ … وأرتاد جود الحبِّ في منبتِ البخلِ

وآمنُ خوّانَ الضّمان وأقتضي … ديونيَ مقتولَ المواعيد بالمطلِ

إلى كم وفي صبري على هجركم دمي … أعينكم يا هاجرين على قتلي

فظنتُ فلا قلبي يقرُّ على الأذى … إباءً ولا عيني تنام على الذلِّ

متى سقتِ العينُ الربوعَ فلا تزل … ربوعكمُ من بخل جفنيَ في محلِ

أأستاق بالبيداء جسما أرثُّه … وأُبلي وقلبي مستعار بلا شغلِ

وأحلو ولي بين الضلوع مرارة ٌ … لصماءَ منكم لا تمرُّ ولا تُحلي

وأترك في بغدادَ من لا يبيعني … بمال ولا يرتاح دوني إلى أهلِ

غدرتم وقد ترقا دموعٌ كما جرت … ويبردُ شوقٌ نافرٌ بعد ما يغلي

ومالي وفخر الملك جارى نصره … بنفس كنفس لا أضنّ ولا أغلي

وعلَّم عزّاً كلَّ قلبٍ ووسَّمتْ … يداه ببسط الجود كلَّ يدٍ غفلِ

رأى غير معقول على الغيب رأيه … وجاد فخيط المزن ليس بمنحلِّ

وأعجز قولَ السائلين نوالُه … وإن كان حظِّي منه يمشي على مهلِ

أرى عارضاً قد طبّق الأرضَ ماؤه … وعتم وربعي منه ليس بمتبلِّ

وجارين لو مسُّوا غباري تجمّلوا … وقد وصلوا بعدي وقد وصلوا قبلي

ولم أغنِ عنهم غير من طال نبته … وطاب ولم أذهب إلى نابت البقلِ

أتوسع قدّامي وحاش قياسكم … خطى قدمٍ لو قد حذت ما حذت نعلي

وأُلقي ضياعاً لا لساني ولا يدي … ببسط وقبض لا لعقدٍ ولا حلِّ

شرائط نعماكم وإحسان جودكم … ترى جذبكم ضبعي وحملكم ثقلي

فإنكم لو تنفضون عيابكم … لعزَّ على التفتيش أن تجدوا مثلي

فلا تحملوا سرَّ الأمور وغيبها … على ظاهرٍ تحت القناعة مختلِّ

وكم من حسام قاطع بفلوله … وآخر نابٍ بالطلاوة والصقلِ

ومنتخبات إن دهى الشعرَ هجنة ُ ال … أبوّة راحت وهي مخبورة ُ الأصلِ

إذا ما رأيتَ النجم منها مشرقا … شهدتَ ولم ينسب أبا أنه نجلي

خدمتُ قريباً قائماً فمشافها … بها وبعيداً قبلُ بالكتب والرسلِ

فلم أحظَ من إحسانها واحتوائها … على كلّ معنى دقّ أو منطق فصلِ

وهل نافعي يوماً وحظّيَ قاعدٌ … إذا نهضت بي همّتي أوسعت رجلي

ولمّا مننتم بالندى فعطفتم … عليّ وأعلقتم بمعروفكم حبلي

حماني نداكم صفوه وحلاله … خبيثُ اللسان دونكم كدرُ الفعلِ

إذا مضغ الأعراضَ كان عدوُّه … ومولاه في فيه خليقين بالأكلِ

أأعدُله هيهات أظلمه إذن … ومن لم ير الإحسانَ لم يُصغ للعذلِ

أمانيُّ لي فيكم أمات نشاطها … فلا كان من قبل الأمانيِّ في حلِّ

وما والذي أحيا بك الجودَ بعدما … لها الناسُ عنه واطمأنّوا إلى الثُّكل

جزعتُ لوفر أخطأتني سماؤه … وصابت بطلٍّ أرضَ غيريَ أو وبلِ

فإني على عضّ الزمان وحمله … صليبُ قناة الصبر جلدٌ على الثّقلِ

أحبّ الجدا يأتي جميلا منوِّها … وأقلي الغنى المجنوبَ في رسن الذلِّ

ولكن يظنّ الناسُ أنك مانعي … لزهدك في مدحي وشكِّك في فضلي

ويقضون فيّ أنّني غيرُ موضعٍ … بطرحك أمري للصنيع ولا أهلِ

ومن كان في أيّام ملكك خاملا … ففي أي ملكٍ يستريش ويستعلي

نحلنا ملوكا قبلك المدحَ فانتفت … خلائقُ غشٍّ لن تصحّ على النَّحلِ

وكنّا حلى دولاتهم فتضاءلتْ … على الطوق عنقٌ عوِّدت حلقَ الغُلِّ

فما استعذبوا طعم الثناء ولا رأوا … مفارقة ً بين السماحة والبخلِ

ولا فطنوا أن يجلسوا ووفودُهم … يميسون في الألطاف منهم وفي الفضل

فسوّوا بحكم اللؤم في المنع بيننا … وعمّوا كما سوّيت في الجود والبذلِ

علاً عشيت أيامهم عن شعاعها … فمرّوا وخلَّوها لأيّامك النُّجلِ

نشرتَ أساطير الكرام فشوهدت … أخابيرُ كانت تسترابُ مع النقلِ

فأحييتهم بالجودِ ثم فضحتهم … بفضلٍ وكانوا من جنابك في قتلِ

أبنيِّ ونوِّهْ بي فربَّ صنيعة ٍ … زكا لك فرعاها ولم تشق بالأصلِ

بقيتَ بلا بعدٍ تراعي انتظاره … كما أنت إن عدّ الملوكُ بلا قبلِ

يَعُدُّ لك الأعيادَ متصل العرى … من العمر منظومُ العلائق في الشملِ

مدى الدهر ما لبَّوا فطافوا فحلّلوا … عن البدنِ يومَ النحر مثنيّة َ العقلِ

وما نسلوا للنفر داعين من منى … رعى الله فخر الملك للحرثِ والنسلِ

تمدّ بحبلٍ غيرِ منتقض القوى … وتسكن عزّاً غيرَ منتقلِ الظلِّ