أراكَ الحمى هل قبَّلتكَ ثُغورها – مصطفى صادق الرافعي

أراكَ الحمى هل قبَّلتكَ ثُغورها … فمَالتْ بأعطافِ الغُصونِ خُمُورًها

وحنَّت إلى سَجَعِ الحَمامِ كأنَّه … رنينُ الحُلى إذ لاعبتْها صُدورها

عذيْرِيَّ من تَلكَ الحبيبةِ ما لها … تقولُ عُذيري والمًحِبُّ عذيرها

يقلِّبُ عينيه إليها ضَميرهُ … ويلفِتُ عينيها إليهِ ضَميرُها

وما كلُّ ما يخشاه منها يضيرُهُ … ولا كلُّ ما تخشاهُ منهُ يُضيرها

وقام إليَّ العاذلاتُ يلمْنَنِي … فقلنَ ألا تَنْفكَّ قُلتُ أسيرُها

لئِن لم يكُن للظبيِ سِحرُ عيونها … فما شيمةُ الغزلانِ إلا نُفورها

وما شفني إلا النَّسيم وتيهُهُ … عليَّ إذا ما لاعبتُه خُدُوروها

ألا فاعذلوا قد مرَّ ما كنتُ حاذراً … وعادتْ ليالي الدَّهرِ يحلو مرورُها

وأصبحتِ الدنيا تضاحكُ أهلها … ويُبْسُمُ فيهم بِشْرُها وبَشيرُها

وتتيهُ بأعيادِ الملوكِ وكيفَ لا … وعيدُ أميرِ المُؤمنينَ أميرُها

أعادَ بهِ روحَ الخلافةِ ربُّها … وجاءتْ لها بالنَصْرِ فيه نصيرها

فراعتْ صناديدُ الملوكِ وما سوى … مليكِ البرايا قد أقلَّ سريرها

وجارَ عليها الدهر شعثاً خُطوبُه … فهبَّ لها عبد الحميدِ يُجيرُها

بَصيرٌ بنورِ اللهِ في كلِّ أزمةِ … تردُّ عيونَ الصَّيدِ حسرى ستورها

وطارَ بها لا يَرتَضي النَّجمَ غايةً … تمدُّ جناحَيهَا عليهِ طُيورُها

يظنُّ عِداهُ أنَّ في النَّاس مثلهُ … فيا وَيْحَهُم شمسُ الضُّحى ما نَظيرها

وغرَّ فرنسا أن ترى الليثَ باسمِاً … فلم تدرِ حتّى لجَّ فيها سفيرها

أيجلوكَ يا عضبَ الشبا ما هذت بهِ … وقبلكَ ما ضرَِّ النبيُّ هريرها

وكم دولةٍ جالت أمامكَ جولةً … وسيقَت كما ساقَ الشياهُ غرورها

ملأتَ عليها الأرض أُسْداً عوابِساً … يردِّدُ بينَ الخَافِقَينِ زئيرها

فمالتْ بهم إن شئتَ يوماً قِفارُها … وماجتْ بهم إن شئتَ يوماً بُحورها

وقد صفتِ الآجالُ في حومةِ الوغى … وحامتْ على القومِ العُداةِ نُسورُها

إذا انتضلتْ رُسلُ المنيَّاتِ أحجمتْ … جيوشُهم فاستعجلتْها قبورُها

وما لسيوفِ التُركِ يجهَلُها العِدى … وقد عَرَفتها قبلَ ذاك نُحورُها

يهزُّ إليكَ المسلمينَ صليلُها … وإنْ ضمَّ منهمْ جانِبُ الصِينِ سُورُها

ليهنَ أمير المؤمنين جلوسه … على العرش وليهنَ البرايا سرورها

فقد طارح البوسفورُ مصر تحيةً … أضاءتْ لها في جانبَيها قصورها

وشاهدَ أهلها من الأفقِ نورهُ … ولاحَ لأهليهِ منَ الأفقِ نُورها

وقامَ فتاها ينطقُ الورقَ سَجْعهُ … وقد هزَّ عِطفيهِ إليها هَديرُها

بصادحةِ لا يُطربُ القومَ غيرُها … وهل أنا للأشعارِ إلا جَريرُها

ترفُّ قوافيها إذا هيَ أقبَلتْ … تزفُّ معانِيها إليكَ سُطورُها

وما قدمَ الماضينَ أن زمانهم … تقدَّم إنْ بذَّ الجيادَ أخيرها