أتنقم ما يريبك من خلالي – أحمد محرم

أتنقم ما يريبك من خلالي … وتنكر ما يروعك من مقالي

وما ذنبي إليك إذا تعامت … عيون الناقصين عن الكمال

وما بي غير جهلك من خفاءٍ … وما بك غير علمي من ضلال

كرام الناس أكثر من تعادي … بنو الدنيا وأتعب من توالي

وما ينفك ذو أدبٍ يعاني … جفاء عشيرة ٍ وصدود آل

أعادي بالمودة من أناسٍ … وأنكب بالكرامة من رجال

كفى بالمرء شراً أن تراه … بعيد الود مقترب الحبال

أمنت بني الزمان فعاقبوني … بداءٍ من خيانتهم عضال

ورمت شفاءهم فرميت منهم … بما أعيا الطبيب من الخبال

ومن يصحب بني الدنيا يجدهم … وإن صحب السلامة كالسلال

صبرت على المكاره صبر حرٍ … تميل به الأناة عن الملال

فلم أجهل لخلقٍ جاهليٍ … ولم أجزع لحادثة الليالي

وفي الأخلاق إن عظمت دليلٌ … على عظمٍ المكانة والجلال

ولولا موقفٌ للنفس عالٍ … لما سيقت لأهليها المعالي

تخل عن الدنية واجتنبها … ولا تؤثر سوى شرف الفعال

ونفسك لا تبع إن كنت حراً … بزائل منصبٍ وخسيس مال

لك الويلات إن العيش فانٍ … وإن الحي يؤذن بارتحال

وما أبقت عوادي الدهر إلا … بقايا الذكر للأمم الخوالي

متى تؤثر حياة السوء تعلق … جنايتها بعظمٍ منك بال

تأمل في نواحي الدهر وانظر … وقف بين الحقيقة والخيال

وسل عما يريبك من خفايا … يجيبك وحيها قبل السؤال

إذا ما ارتاب فهمك فاتهمه … بنقصٍ في التبين واختلال

وما خفي الصواب على عليمٍ … ولا احتاج الضياء إلى مثال

ولكن الحقائق عائذاتٌ … برأس ممنعٍ صعب المنال

يرد يد الفتى التنبال كلمي … ويشدخ هامة الرجل الطوال

تعاطى شأوها قومٌ فخروا … ولما يدركوا شأو التلال

تبيت حقائق الأشياء ولهى … تضج حيالها الحكم الغوالي

تعاني الموت من زمنٍ ضلالٍ … وتشكو البث من ناسٍ محال

أراع لخطبها والدهر أمنٌ … ونعمى العيش وارفه الظلال

كأن رماتها تفري فؤادي … بأنفذ ما تريش من النبال

إذا انكفأت قواربها ظماءً … غضبت لها على الشبم الزلال

وإن وجدت قلى ً ورأت صدوداً … صددت عن الحياة صدود قال

خلعت شبيبتي ولبست شيبي … وسست الدهر حالاً بعد حال

فلم أجد الهوى إلا نذيراً … يؤذن في الممالك بالزوال

يصون الشعب سؤدده فيبقى … ولا يبقى على طول ابتذال

وإن صغت القلوب إلى شقاقٍ … فإن قوى الشعوب إلى انحلال

تعادى الناس في مصر جميعاً … وخاض الكل في قيلٍ وقال

فما بين المذاهب من وفاقٍ … ولا بين القلوب من اتصال

وما للقوم إن طلبوا حياة ً … سوى موتٍ يلقب باحتلال

أرى في مصر شعباً ليس يدري … أفي سلمٍ يغامر أم قتال

تمزقه السهام فلا يراها … وتأخذه السيوف فلا يبالي

تثاقل إذ رفعت إليه صوتي … وخف له الركين من الجبال

فلولا الله والبعث المرجى … نفضت يدي من أمم الهلال

نظرت فلم أجد للقوم شيئاً … سوى الأطلال والدمن البوالي

وشمر غيرهم فبنى وأعلى … وناضل باليمين وبالشمال

سما بالعزم يبتعث المطايا … فجاز النجم مشدود الرحال

وحل بحيث ينتعل الثريا … وكان محله تحت النعال

فتلك شكيتي وعذاب نفسي … وحر جوانحي وشقاء بالي

تعزى من بني الآداب قومٌ … سهرت ونام هاجعهم حيالي

فلا كبدٌ لطول الشوق ولهى … ولا قلبٌ بنار الوجد صال

فما أنا إن صحا كلفٌ بصاحٍ … ولا أنا إن سلا دنفٌ بسال

جعلت ولا ية الآداب شغلي … وكانت أمة ً من غير وال

كأني إذ عطفت يدي عليها … عطفت يدي على بعض العيال

حملت همومها ونهضت منها … بأعباءٍ ململمة ٍ ثقال

ولم أبخل بذي خطرٍ عليها … وإن بخلت بمنزور النوال

إذا ما رمت للشعراء ذكراً … فلا تحفل بتضليل المغالي

ولا تذكر سوى نفرٍ قليلٍ … وإن هم جاوزوا عدد الرمال