أبشراك من طول الترحل والسرى – ابن دارج القسطلي

أبشراك من طول الترحل والسرى … صبح بروح السفر لاح فأسفرا

من حاجب الشمس الذي حجب الدجى … فجرا بأنهار الندى متفجرا

نادى بحي على الندى ثم اعتلى … سبل العفاة مهللا ومكبرا

لبيك أسمعنا نداك ودوننا … نوء الكواكب مخويا أو ممطرا

من كل طارق ليل همي ينتحي … وجهي بوجه من لقائك أزهرا

سار ليعدل عن سمائك أنجمي … وقد ازدهاها عن سناك محيرا

فكأنما أغرته أسباب النوى … قدرا لبعدي عن يديك مقدرا

أو غار من هممي فأنحى شأوها … فلك البروج مغربا ومغورا

حتى علقت النيرين فأعلقا … مثنى يدي ملك الملوك النيرا

فسريت في حرم الأهلة مظلما … ورفلت في خلع السموم مهجرا

وشعبت أفلاذ الفؤاد ولم أكد … فحذوت من حذو الثريا منظرا

ست تسراها الجلاء مغربا … وحدا بها حادي النجاء مشمرا

لا يستفيق الصبح منها ما بدا … فلقا ولا جدي الفراقد ما سرى

ظعن ألفن القفر في غول الدجى … وتركن مألوف المعاهد مفقرا

يطلبن لج البحر حيث تقاذفت … أمواجه والبر حيث تنكرا

هيم وما يبغين دونك موردا … أبدا ولا عن بحر جودك مصدرا

من كل نضو الآل محبوك المنى … يزجيه نحوك كل محبوك الفرا

فدت منا دماء نحورها … ببغائها في كل أفق منحرا

بنا صدر الدبور فأنبطت … قلق المضاجع تحت جو أكدرا

وصبت إلى نحو الصبا فاستخلصت … سكن الليالي والنهار المبصرا

غوص نفخن بنا البرا حتى انثنت … أشلاؤهن كمثل أنصاف البرا

سرت لنا ألا تلاقي راحة … مما تلاقي أو تلاقي منذرا

وتقاسمت ألا تسيغ حياتها … دون ابن يحيى أو تموت فتعذرا

لله أي أهلة بلغت بنا … يمناك يا بدر السماء المقمرا

بل أي غصن في ذراك هصرته … نخر فأورق في يديك وأثمرا

فلئن صفا ماء الحياة لديك لي … فبما شرقت إليك بالماء الصرى ب

ولئن خلعت علي بردا أخضرا … فلقد لبست إليك عيشا أغبرا

ولئن مددت علي ظلا باردا … فلكم صليت إليك جوا مسعرا

وكفاك من جعل الحياة بضاعة … ورأى رضاك بها رخيصا فاشترى

فمن المبلغ عن غريب نازح … قلبا يكاد علي أن يتفطرا

لهفان لا يرتد طرف جفونه … إلا تذكر عبرتي فاستعبرا

أبني لا تذهب بنفسك حسرة … عن غول رحلي منجدا أو مغورا

فلئن تركت الليل فوقي داجيا … فلقد لقيت الصبح بعدك أزهرا

ولقد وردت مياه مارب حفلا … وأسمت خيلي وسط جنة عبقرا

ونظمت للغيد الحسان قلائدا … من تاج كسرى ذي البهاء وقيصرا

وحللت أرضا بدلت حصباؤها … ذهبا يرف لناظري وجوهرا

وليعلم الأملاك أني بعدهم … ألفيت كل الصيد في جوف الفرا

ورمى علي رداءه من دونهم … ملك تخير للعلا فتخيرا

ضربوا قداحهم علي ففاز بي … من كان بالقدح المعلى أجدرا

من فك طرفي من تكاليف الفلا … وأجار طرفي من تباريح السرى

وكفى عتابي من ألام معذرا … وتذممي ممن تجمل معذرا

ومسائل عني الرفاق ووده … لو تنبذ السادات رحلي بالعرا

وبقيت في لجج الأسى متضللا … وعدلت عن سبل الهدى متحيرا

كلا وقد آنست من هود هدى … ولقيت يعرب في القيول وحميرا

وأصبت في سبأ مورث ملكه … يسبي الملوك ولا يدب لها الضرا

فكأنما تابعت تبع رافعا … أعلامه ملكا يدين له الورى

والحارث الجفني ممنوع الحمى … بالخيل والآساد مبذول القرى

وحططت رحلي بين ناري حاتم … أيام يقري موسرا أو معسرا

ولقيت زيد الخيل تحت عجاجة … يكسو غلائلها الجياد الضمرا

وعقدت في يمن مواثق ذمة … مشدودة الأسباب موثقة العرى

وأتيت بحدل وهو يرفع منبرا … للدين والدنيا ويخفض منبرا

أوخططت بين جفانها وجفونها … حرما أبت حرمانه أن تحفرا

تلك البحور تتابعت وخلفتها … سعيا فكنت الجوهر المتخيرا

ولقد نموك ولادة وسيادة … وكسوك عزا وابتنوا لك مفخرا

فعمرت بالإقبال أكرم أكرم … ملكا ورثت علاه أكبر أكبرا

وشمائل عبقت بها سبل الهدى … وذرت على الآفاق مسكا أذفرا

أهدى إلى شغف القلوب من الهوى … وألذ في الأجفان من طعم الكرى

ومشاهد لك لم تكن أيامها … ظنا يريب ولا حديثا يفترى

لاقيت فيها الموت أسود أدهما … فذعرته بالسيف أبيض أحمرا

ولو اجتلى في زي قرنك معلما … لتركته تحت العجاج معفرا

يا من تكبر بالتكرم قدره … حتى تكرم أن يرى متكبرا

والمنذر الأعداء بالبشرى لنا … صدقت صفاتك منذرا ومبشرا

ما صور الإيمان في قلب امرئ … حتى يراك الله فيه مصورا

فارفع لها علم الهدى فلمثلها … رفعتك أعلام السيادة في الذرى

وانصر نصرت من السماء فإنما … ناسبت أنصار النبي لتنصرا

واسلم ولا وجدوا لجوك منفسا … في النائبات ولا لبحرك معبرا