آيَةٌ فِي تَسَلْسُلِ الذِّكْرَيَاتِ – خليل مطران
آيَةٌ فِي تَسَلْسُلِ الذِّكْرَيَاتِ … أَنْ تَعُودَ الحَيَاةُ بَعْدَ الحَيَاةِ
لَيْسَ فِي عَالَمِ الخُلُودِ فَنَاءٌ … لاَ وَلاَ فِي الفَوَاتِ كُلِّ الفَوَاتِ
أَكْرِمِ العِلْمَ حَيْثُ كَانَ وَفِي كُ … لِّ مكَانٍ فِي الحَيِّ أَوْ فِي الرُّفَاتِ
وَتَنَزَّهْ إِنْ رُمْتَ مَا هُوَ أَبْقَى … عَنْ هَنَاتٍ سَتَنْقَضِي وَهَنَاتِ
قوَّةُ العِلمِ أَنَّهُ مُلهِمُ الحُسْ … نَى وَحَلاَّلُ أَعْقَدِ المُعْضِلاَتِ
فَهْوَ فِي أَقْطَعِ الصُّرُوفِ وَصُولٌ … وَهْوَ فِي أَمْنَعِ الظُّرُوفِ مُوَاتِي
كُلُّ وَقْتٍ يُمَدَّدُ العِلْمُ فِيهِ … هُوَ لاَ رَيْبَ أَسْمَحُ الأَوْقَاتِ
رَأْيُ هَذَا الوَزِيرِ أَعْلَى وَفِي حَضْ … رَتِهِ شَاهِدٌ جَلِيُّ الإِيَاةِ
وَالهِلاَلِيُّ كَانَ أَجْدَرَ مَنْ يَجْ … لُو بِنُورٍ غَيَاهِبَ الظُّلُمَاتِ
يَا مُعِيدِي مُوسى إِذَا مَا جَلَوْتُمْ … وَجْهَ مَاضْ لَمْ يَخْفَ وَجْهُ الآتِي
أُنْظُرُوا حينَ تَرْجِعُ العَيْنُ أَدْرَا … جَ اللَّيَالِي تُطَالِعُ البَاقِيَاتِ
كَيْفَ يَلْقَى الإِنْسَانُ فِيهَا أَخَاهُ … وَكَأّنَّ العَهْدَيْنِ فِي مِرْآةِ
قَدْ تَقَضَّتْ مِنَ السَّنِينَ مِئَاتٌ … مَا الَّذِي جَدَّ بَعْدَ تِلْكَ المِئَاتِ
بَيْنَ جِيلٍ خَلاَ وَجِيلٍ تَلاهُ … لَمْ تُبَدَّلْ جَوَاهِرُ الحَالاَتِ
كَانَ مُوسَى وَلِيدُ قُرْطُبَةٍ يَنْ … شَأُ في صَعْبَةٍ مِنَ البِيئَاتِ
فَتَوَلَّى عَنْهَا يُطَوِّفُ فِي الآ … فَاقِ بَيْنَ الأَمْصَارِ وَالفَلَوَاتِ
لَمْ يَسَعْهُ مِنَ البِلاَدِ سِوَى رَوْ … ضِ المَعَالِي وَمَنْبِتِ المَكْرُمَاتِ
مِصْرُ كَهْفُ الأحْرَارِ فِي كُلِّ عَصْرٍ … وَمَلاَذُ المُرَوَّعِينَ الأَبَاةِ
وَإِلَى ذَاكَ مَوْئِلُ العِلمِ إِنْ لَمْ … تَرْحَبِ الأَرْضُ بِالهُدَى وَالهُدَاةِ
هُوَ غَرْسٌ آوَتْ فَكَانَ أَفَانِ … نَ تَسُرُّ النُّهَى مِنَ الثَّمَرَاتِ
نَضِجَتْ حِكْمَةُ الخَلاَئِقِ مِنْهَا … فِي أَوَانٍ بَدِيعَةِ الزِّينَاتِ
ذَاتِ صَوْغٍ مُنَمَّقٍ عَرَبِيٍّ … رَصَّعَتْهُ جَوَامِعُ الكَلِمَاتِ
ذَاكَ وَافَى بِاللَّوْح مِنْ طُورِ سِينِي … نَ إِلى اليَوْمِ حَمِلَ المِشْكَاة
صَوْلَةُ الرَّيْبِ لَمْ يَخَفْهَا عَلَيْهِ إِنَّ … مَّا خَافَ صَوْلَةَ التُّرَهَاتِ
فَنَفَ فِي شُرُوحِهِ لِمُتُونِ ال … وَحْي مَا رَابَهُ بِغَيْرِ افْتِئَاتِ
وَمَضَى فِي تَخَيُّرِ السُّنَنِ المُثْ … لَى وَلَمْ يَثْنِهِ اعْتِرَاضُ الغُلاَةِ
وَابْنُ مَيْمُونَ كضانَ فِي خُطَّةٍ أُخْ … رَى مِنَ الرَّاسِخِينَ أَهْلِ الحَصَاةِ
رَاجَعَ العَقْلَ فِي الحَقَائِقِ وَاسْتَهْ … دَى بِهِ فِي غَيَاهِبِ المُشْكِلاَتِ
سَلْ أُوْلِي الذِكْرِ فِي الفِرِنْجَةِ عَمَّا قَبَ … سُوا مِنْ أَحْكَامِهِ النَّيِّرَاتِ
وَتَتَبَّعْ صُنُوفَ مَا اَثَرُوا عَنْ … هُ وَمَا دَوَّنُوا بِشَتَّى اللُّغَاتِ
كَانَ لِلعُرْبِ فِي دَلِيلِ الحَيَارَى … قِسْطَهُمْ مِنْ فُصُولهِ القِّيمَاتِ
أَبْرَزَ العِليَةَ المُجَلِّينَ مِنْ … هُمْ فِي مَجَالِ العُلومِ وَالفَلْسَفَاتِ
فَدَرَى الغَرْبُ فَصْلَُهُمْ حِينَ كَانَتْ … فِيهِ أَعْلَمُهُمْ مِنَ النَّكِرَاتِ
إِن فِي ذَلِكَ الكِتَابِ لَخَوَضاً … مُطْمَئِنَّا فِي أَخْطَرِ الغَمَرَاتِ
وَمِزَاجاً مَا بَيْنَ مَعْنَى وَحِسٍّ … لَمنْ يَكُنْ إِنْ يُرَمْ مِنَ الهَيِّنَاتِ
عَجَبٌ كُلُّ مَا تَضَمَّنَ فِي اللَّ … هِ وَفِي كَوْنِهِ وَفِي الكَائِنَاتِ
فِي مَفَاعِيلِ حَوْلِهِ أَوْ مَرَامِي … طَوْلِهِ أَوْ مُقَوِّمَاتِ الذَاتِ
وَمَعَانِي هَذَا الوُجُودِ وَمَا فِي … كُلًّ أَجْزَائِهِ مِنَ المُعْجِزَاتِ
وَمَغَازِي مَا قَرَّبَتْهُ مِنَ السُّبْ … لِ وَمَا بَعَّدَتْ مِنَ الغَايَاتِ
نَظَرَاتٌ إِنْ حُقِّقَتْ فَهْيَ فِي جُمْ … لَتِهَا مِنْ صَوَادِقِ النَّظَرَاتِ
تِلكَ بِالفَيْلَسُوفِ إِْمَامَةٌ عَجْلْ … لَى أَتَقْضِيهِ حَقّهُ هَيْهَاتِ
كَيْفَ تُرْوِي الأُوَامَ وَالمَاءُ يَجْرِي … عَبَباً رَشْفَةٌ مِنَ الرَّشَفَاتِ
فَلْنُيَمِّمْ شَطْرَ الطَّبِيبِ وَفِي الرَّوْ … ضَةِ مَا يُجْتَنَى بِكُلِّ التِفَاتِ
أَيُّ وَصْفٍ أَوْفَى وَاَبْلَغُ مِمَّ … قَالَ فِي وَصْفِهِ كَبِيرُ الأُسَاةِ
قَدْ سَمِعْتُمْ فِيهِ عَليّاً وَهَلْ يَعْ … رِفُ إِلاَّ الثِّقَاتُ قَدْرَ الثِّقَاتِ
وَقَدِيماً تَجَوَّدَ ابْنُ سَنَاءِ ال … مُلكِ مَا صَاغَ فِيهِ مِنْ أَبْيَاتِ
سَأُعِيدُ المَعْنَى عَلَيْكُمْ وَإِنْ كَا … نَتْ مَعَانِيهِ جِدَّ مُخْتَلِفَاتِ
لَوْ شَكَا دَهْرُهُ الجَهَالَةَ مَا اسْتَعْ … صَى عَلَيْهِ إِبْرَاءُ تِلكَ الشَّكَاةِ
وَلَوِ البَدْرُ يَسْتَطِبُّ إِلَيْهِ … لَشَفَى مَا بِهِ مِنَ العِلاَّتِ
مَا الَّذِي أَحْدَثَ ابْنُ مَيْمُونَ فِي الطِّ … بِّ وَمَا شَأنُ تِلكُمُ المُحْدَثَاتِ
لَمْ يَقِفْ طِبُّهُ عَلَى المَلِكِ الأَفْ … ضَلِ وَالأَرْفَعِينَ فِي الطَّبَقَاتِ
أَنْفَعُ العِلْمِ مَا يُوَجِّهُهُ العَقْ … لُ إِلَى البِرِّ لاَ إِلى الشَّهَوَاتِ
سَخَّرَ الطِّبَّ لِلأَنَامِ جَمِيعاً … فَتَقَرَّاهُ فِي جَمِيعِ الجِهَاتِ
يَتَوَخّى قَيْدَ الأَوَابِدِ فِي بَا … بٍ َبَابٍ مِنْهُ وَجَمْعِ الشَّتَاتِ
وَيُقِرُّ السَّلِيمَ مِنْ كُلِّ زَيْفٍ … بَعْدَ لأْيٍ فِي المَحْوِ وَالإِثْبَاتِ
آخِذاً مِنْ تَجَارِبِ العُرْبِ وَاليُونَا … نِ وَالهُودِ نَاجِعَاتِ الصِّفَات
وَمُضِيفاً إِلَى الثَّوَابِتِ مِنْهَا … مُحْكَمَاتِ الأصُولِ وَالتَّجْرِبَاتِ
وَأَمَاطَ اللِّثَامَ عَنْ كُلِّ بُرْءٍ … سِرُّهُ فِي الجَمَادِ أَوْ فِي النَّبَاتِ
فَتَقَضَّى جِيلٌ فجِيلٌ وَلِلدَّا … ءِ دَوَاءٌ بِفَضْلِ تِلكَ الدَّوَاةِ
هَذِهِ مِصْرُ هَلْ تَرَى يَا أَبَا عِمْ … رَانَ فَرْقَ المِئِينَ فِي السَّنَوَاتِ
عَهْدُهَا عَهْدُهَا كَمَا كضانَ وَالما … ضِي بِمَا بَعْدَهُ وَثِيقُ الصِّلاةِ
لَمْ تكُنْ مُخْطِيءَ ارَّجَاءِ بِمَا اسْتَسْ … لَفْتَ مِنْ مَجْدِ هَذِهِ التَّكْرِمَاتِ
مِصْرُ كَانَتْ مِنْ بَدْئِهَا وَسَتَبْقَى … آخِرَ الدَّهْرِ مَبْعَثَ العَظَمَاتِ