ومجدِكَ ما خلتُ الردى منك يقربُ – حيدر بن سليمان الحلي

ومجدِكَ ما خلتُ الردى منك يقربُ … لأنكَ في صدر الردى منه أهيب

أصابكَ، لا من حيث تخشى سهامه … عليك، ولا من حيث يقوى فيشغب

ولكن رمى من غرَّة ٍ ما أصابها … بمثلك رامٍ منه يرمي فيعطب

وما خلتُ منك الداءَ يبلغ ما أرى … لأنك للدهر الدواءُ المجرَّب

ولا في فراش السقم قدَّرتُ أنني … أرى منك طوداً بالأكفِّ يقلَب

أمنتُ عليك النائبات، وأنها … لعن كلّ من آمنته تتنكَّب

وقلت شغلن الدهرَ في كل لحظة ٍ … مواهبُ كفَّيك التي ليس توهب

ولم أدر أن الخطب يجمع وثبة … وأن عشار الموت بالثكل مقرب

إلى حين أردتني بفقدك ليلة ٌ … تولَّد منها يومُ حزنٍ عصبصب

فقام بك الناعي وقال وللأسى … بكل حشاً يدميه ظفرٌ ومخلب

هلمَّ بني الدنيا جميعاً إلى التي … تزلزل منها اليوم شرقٌ ومغرب

شكاة ٌ، ولكن في حشا المجد داؤها … وندبٌ ولكن هاشمٌ فيه تندب

صهٍ أيها الناعي فنعيك يعطب … عضضت الصفا لا بل حشا فاك إثلب

لسانك يا جفَّت لهاتُكَ أو غدت … بريقِ الأفاعي لا بريقكِ ترطب

رويدك رفَّه عن حشاشة أنفسٍ … هفت جزعاً عما تعمَّى وتعرب

فدع صالحاً لي وانع من شئت إنها … ستذهب أحشاء الهدى حين يذهب

فليتك لي في نعيك الناس كلها … صدقت وفي فردٍ هو الناس تكذب

وداعٍ دعا والرشد يقبر والهدى … يسوف ثرى واراه والوحيُ ينحب

ألا تلكم الأملاكُ شعثاً تزاحموا … على من؟ فهل منهم توارى مقرَّب؟

أمستعظمَ الأملاك لا بل هو الذي … إلى الله فيه كلُهم يتقرَّب

لقد رفعوا منه مناكبَ لم يكن … لينهضَ، لولا الله، فيهن منكب

مناكبَ من جسم النبوَّة حمّلت … إمامة حقٍّ فضلها ليس يحسب

لقد دفنوا في دفنها العلمَ ميّتاً … وحسبُكَ نارٌ في الجوانح تلهب

ويا رافديَّ اليوم قوماً على ثرى ً … توارى به ذاك الأغرُّ المهذَّب

قفا عزياً المهديَّ بابنٍ هو الأبُ … لذي الدين، فالدين اليتيم المترَّب

سلا كثبَ ذاك القبر يندي صعيدُه … بريٍّ بني الآمال هل راح ينضب؟

وهل روِّضت خصباً بكفٍ عهدتُها … تنوب منابَ الغيث والعامُ مجدب؟

وهل زال من ذاك المحيّا وضاؤه … فقد راح وجه الدهر للحشر يشحب؟

ضعى هاشمٌ سرجَ العلى وترجَّلى … فما لكِ في ظهر من العزّ مركب

ودونك تقليب الأكفّ تعللاً … فقد فات منك المشرفيُّ المذرَّب

ويا ناهبى دمعي اعذراني على البكا … فما الناسُ إلا عاذلٌ ومؤنب

قفا واندبا أو خليّاني ووقفة ً … يدكّ الرواسي شجوُها حين أندب

أجامعَ شمل الدين شعّب صدعُه … ليومك صدغٌ في الهدى ليس يشعب

وأعجب شيءٍ أن نعشك في السما … ومنك توارى في ثرى الأرض كوكب

رمتك بها أيدي المقادير علّة ً … عييتَ بها ما طبَّها متطبِّب

رجونا وقد أكدى “الرجاء المخيب” … نهنِّيك منها بالشفاء ونطرب

ونجلسُ زهواً مستعدِّين للهنا … بنادٍ به الأمثالُ في الفخر تضرب

بحيث قلوبُ الناس، هذا منعمٌ … سروراً بإنشادي، وهذا معذَّب

بلى قد جلسنا مجلساً ودّت السما … أسرَّتُها من شهبها فيه تنصب

كأنا تأهبنا لأوبة مقبلٍ … وكان ليأسٍ منك هذا التأهب

وهل أملٌ في عود مَن ذهبتْ به … بقاطعة الآمال عنقاءُ مغرِب؟

وأقتل ما لاقيتُه فيك أنني … حضرت ومنك الشخص ناءٍ مغيَّب

وعندي مما أسأر البين لوعٌ … تجدُّ بأحناء الضلوع وتلعب

أقلَّب طرفي لا أرى لك طلعة ً … يضيء بها هذا النديُّ المطيَّب

وأنصبُ سمعي لامتداحك لا أعي … به خاطباً بين السماطين يخطب

ومما شجاني أن بدأ المجدُ ماثلاً … يصعدُّ مثلي طرفه ويصوّب

وقال: وأرخاها جفوناً كليلة ً … برغمى خلا منك الرواقُ المحجب

رزيتُ أخاً إن أحدث الدهر جفوة … عتبت بها فارتدَّ لي وهو معتبِ

وددّتُ بأن تبقى ، وأن لك الردى … فداءاً بمن فوق البسيطة يذهب

حُجَبتَ عن الدنيا، ولو تملك المنى … إذن لتمنَّت في ضريحك تُحجب

فلا نفضت عن رأسها تربَ مأتمٍ … وخدُّك من تحت الصعيد مترْب

ثكلتُكَ بسّامَ المحيّا طليقه … فبعدك وجهُ الدهر جهمٌ مقطّب

أوجهُك حيا أم بنانك أرطبٌ؟ … وذكرُك ميتاً أم حنوطك أطيب؟

وما نزعوه عنك أم ما لبسَته … لدار البلى أنقى جيوباً وأقشب؟

سأبكيك دهراً بالقوافي ولم أقلْ … من اليأس وجداً ما يقول المؤنّب

لسان القوافي باسم مَن بعد تخطبُ … فلا سمعَ بعد اليوم للمدح يطرب؟

مضى من له كنَّ القرائحُ برهة ً … إذا استولدتها قالة الشعر تنجب

أجل فلها في المجد خيرُ بقيَّة ٍ … لها الفضلُ يعزى والمكارمُ تنسب

لئن عزبت تلك الخواطر نبوة ً … فلا عن ثناهم، والخواطر تعزب

وإن رغبت عن نظمها الشعر في الورى … فليس لها عن أهل ذا البيت مرغب

مضى من له كانت تهذّب مدحها … وأبقى الذي في مدحه تتهذّب

لئن أغرب المطرى بذكر محمدٍ … فما انفكَّ في كسب المحامد يغرب

فتى ً تقف الأكفاء دون سماطه … وقوف بني الآمال ترجو وترهب

أقلُّ علاه أنَّ أذيال فخره … لهنَّ على هام المجرّة مسحب

زعيم قريشٍ، والزعامة فيهم … من الله في الدنيا وفي الدين منصب

حمولاً لأعباء الرياسة ناهضاً … بأثقالها في الحق يُرضى ويغضب

يقلِّب في النادي أناملَ سؤددٍ … مقبّلها زهوراً يتيه ويعجب

إذا احتُلِبت يوماً أرت أضرع الحيا … على بُعد عهد بالحيا كيف تحلب

أخفُّ من الأرواح طبعاً وإنه … لذو همة ٍ من ثقلها الدهر متعبُ

له شيمٌ ، لو كان الدهر بعضها … لأضحى إلينا الدهرُ وهو محبَّب

وخلْقٌ، فلولا إنَّ في الخمر سورة ٌ … لقلتُ الحميّا منه في الكأس تسكب

لنعم زعيمُ القوم إن يثر لم يكن … ليلبسَ إلا ما الندى منه يسلب

لنعم شريكُ السحب يبسط مثلها … بناناً به روض المكارم معشب

تهذّبُ أخلاقَ السحاب، وإنها … متى يجنِ هذا الدهرُ نعم المؤدِّب

ترى وفدَه منه تُطيف بمورقٍ … على جود كفيه الرجاء المشذّب

فقد عرَّست حيث الندى ، لا سحابة … جهامٌ ولا برق المكارم خلَّب

أبا القاسم اسمع لا وعي لك مسمعٌ … سوى مدحٍ ليست لغيرك تخطب

تجلبت ثوب الدهر، فابقَ ومثله … لودَّي إذا أخلقتَه تتجلبب

لئن ضاق رحب الأرض في عظم رزئكم … فصدرُك منه أي وعلياك أرحب

وحلمُك أرسى من هضاب يلملمٍ … وعوُدك من ناب العواجم أصلب

وما حلَّ رزءٌ عزم من شدَّ أزره … أخٌ كحسين والأخ الضرب يطلب

فتى الحزم أما في النهى فهو واحدٌ … ولكنه في موكب الحزم موكب

إذا القوم جدُّوا في احتيالٍ فُحوَّلٌ … وإن قلبوا ظهرَ المجنِّ فقُلَّب

وإن غالبَ الخطبُ الورى فقريعه … أخو نجدة ٍ ما بين برديه أغلب

فلو شحذت فهرٌ بحدّ لسانه … صوارَمها ما كلَّ منهنَّ مِضرب

ولو تنتضي منه اللسانَ لصممّت … بأقطع من أسيافها حين تضرب

يُصافي بأخلاقٍ يروقك أنها … هي الراحُ إلا أنها ليس تقطب

تواضع حتّى صار يمشي على الثرى … وبيتُ علاه في السماء مطنّب

قرى ضيفه قبل القِرى بشرُ وجهه … وقبل نزول النُزل أهلٌ ومرحب

إذا احتلب السحب النسيمُ فكفُّه … على الوفد طبعاً جودُها يتحلَّب

ألا مبلغٌ عنّي الغداة َ رسالة ً … للحد أبي الهادي يقول فيطنب

أبا حسنِ إن تمسِ دارُك والسما … سمائين في أفقيهما الشهب تثقب

فتلك السما سعدٌ ونحسٌ نجومها … على أنها بعضٌ عن البعض أجنب

وهذي السما للسعد كلُّ نجومها … ويخلف فيها كوكباً منه كوكب

فلو عاد للدنيا بشخصك عائدٌ … لأبصرتَ فيها ما يُسرُّ ويعجب

فمن وجهك الهادي تروق بمنظر … لها حسنٌ والحمد بالحسن يكسب

وأحمدُ فيها من بهائك لامعاً … لوفدك فيه عازبُ الأنس يجلب

بكلِّ ابن مجدٍ ما نضا بردة َ الصبا … على أنه فيها لأضيافه أب

أخو الحزم إما قتَه في لدأته … فطفلٌ، وإن مارسته فهو أشيب

بنوكَ بنو العلياء أنجبت فيهم … لك الله هل تدري بمن أنت منجب؟

غطارفة ٌ لا تعقب الشمسُ مثلهم … ولو أنها في أفقها منك تعقب

ذوو غررٍ يجلو الغياهبَ ضوؤها … وغيرهم في عين رائيه غيهب

أأهلَ النفوس الغالبيات مولداً … لأنتم على كسب المكارم أغلب

رقاق حواشي الطبع، طبتم شمائلاً … بها أرج من نفحة المسك أطيب

لكم خلقا مجدٍ، فذلك للعدى … يمر، وهذا للمحبِّين يعذب

طُبعتم سيوفاً لم يلقْ لنجادها … سوى منكب المجد المؤثل منكب

وطنَّبتم أبياتَ فخرٍ أبي العلى … لكم عوضاً عنها النجومُ تطنَّب

فما تلك إلا زينة لسمائها … وهذي بفرق المجد للوحي تضرب

فدونكموها ثاكلاً قد تلسبت … ووشيُ بهاءٍ زانها ليس يسلب

أتت لكم عذراء في ريق الصِبا … بعصرٍ سواها فيه شمطاءُ ثيّب

فِداكم من الأرزاء حاسدُ مجدكم … وإلا ففيكم عاش وهو معذَّب

طلعتم طلوع الشمس في مشرق العلى … فلا تغربوا ما الشمس تبدو وتغرب