هَلْ كَانَ حِينَ قُتِلْتَ سَلْبُ السَّالِبِ – خليل مطران

هَلْ كَانَ حِينَ قُتِلْتَ سَلْبُ السَّالِبِ … أَقْسَى الرَّدَى أَمْ كَانَ ثَلْبُ الثَّالِبِ

خُتِمَتْ بِمَوْتِكَ نَكْبَةٌ وَتَواَصَلَتْ … أُخْرَى وَرَاءَ الْمَوْتِ ذَاتَ غَرَائِبِ

الحَوْلُ بَعْدَ الْحَوْلِ مَرَّ وَلِلرَدَى … حَوْلَيْكَ تَرْدِيدِ الصَّدَى المُتَجَاوِبِ

لَوْلاَ تَنَزَّلَتِ البَرَاءَةُ مِنْ عَلٍ … مَا رَدَّ عَنْكَ القَبْرُ غَيْبَةَ غَائِبِ

هَبَطَتْ إِلَيْكَ فَطَهَّرَتْ ذِكْرَاكَ مَنْ … رَمْيِ الوُشَاةِ نَقَاءَهَا بِشَوَائِبِ

غَامَتْ عُيونُهُمُ بِفُلِّ قُلُوبِهِمْ … فإذَا السَّماءُ الصَّحْوُ ذَاتَ سَحَائِبِ

تِلْكَ البَرَاءَةُ فَلْتُمَثَّلْ فِي حُلَى … عَذْرَاَ تَزْهُو بِالجَمَالِ الخَالِبِ

وَعَلَى ضَرِيحِكَ فَلْتُشَيَّدْ صُورَةٌ … مِنْ مَرْمَرٍ صَافٍ لِتِلْكَ الكَاعِبِ

الصبْحُ طَلْعَتُهَا لا وَمَعْدَنُ حُسْنِهَا … عَدْنٌ وَتَاجُ الرَّأْسِ عَقْدُ كَوَاكِبِ

لِلْرُوحِ فِي قَسَمَاتِهَا لُطْفٌ يُرَى … والجِسْمُ طُهْرٌ مُفْرَغٌ فِي قَالَبِ

قَدْ شَارَفَتْكَ فَلَطَّفَتْ بِتَبَسُّمٍ … عَذْبٍ مَرَارَةُ دَمْعِكَ المُتَسَاكِب

وَبِأَنْمُلاَتٍ كَالأَشِعَّةِ أَوْمَأَتْ … تَنْفِي ظُنُونَ السُّوءِ نَفْيَ غَيَاهِبِ

وَبِأَخْمَصٍ مُتَثَاقِلٍ دَاسَتْ عَلَى … أَشْبَاهِ حَيَّاتٍ سَعَتْ وَعَقَارِبِ

رَمْزَاً إلى أَهْلِ السَّعَايَاتِ الأُلى … فَشِلُوا وَبَاؤُا بالرَجَاءِ الخَائِبِ

فَإِذَا اسْتَتَمَّتْ وَاسْتَوى تِمْثَالُهَا … مِلْءَ العُيونِ بِحُسْنِهِ المُتَنَاسِبِ

كُنْ مُلْتَقَى لأَشِعَّةٍ مِنْ لَحْظِهَا … تُرْمَى بِهَا عَنْ قَوْسِ أَرْأَفِ حَاجِبِ

وَلِيَنْقُشُوا لَكَ صُورَةً يَبْدُو بِهَا … مَا كضانَ مِنْ عَجَبٍ بِشَأْنِكَ عَاجِبِ

نَقْشَاً يُلاَنُ لَهُ الصَّفَاوِيةُ تُرَى … فِي شَكْلِ مَظْلُومٍ أَسْيِفٍ شَاحِبِ

تَحْتَ الجَرَاحَاتِ الَّتِي فِي جِسْمِهِ … أدْمَى جِرَاحَاتِ الفُؤَادِ الذَّائِبِ

جَاثٍ عَلَى أقْدَامِهَا بَلَغَ الأَسَى … مِنْهُ مَبَالِغَهُ وَلَيسَ بِغَاضِبِ

لاَ عُمْرُهُ المَفْقُودُ عِلَّةَ بَثِّهِ … كَلاَّ وَلاَ نُعْمَى الثَّرَاءِ الذَّاهِبِ

بَلْ جُوْرُ قَوْمٍ كَانَ فِيهِمْ عِزَّةً … لِلْمُسْتَعِزِّ وَغِنْيَةٌ لِلطَّالِبِ

أَدْرَوهُ مَا لَمْ يَدْرِ قَبْلَ مَمَاتِهِ … مِنْ صَدِّ أَحْبَابٍ وَبُعْدِ أَقَارِبِ

لَمْ يَكْفِهِمْ إِنْ مَاتَ حَتَّى يعَكَّروا … بِغُبَارِهِمْ جَوَّ الشَّهَابِ الغَارِبِ

وَأَشَدُّ فِي التَّنْكِيلِ مِنْ كَأْسِ الأَذَى … وَضْعُ القِذَى فِي كَأْسِهِ لِلْشَّارِبِ

مَا الوَحْشُ إِنْ غَالَ الرَّميمُ بِقُبْحِ مَنْ … قَالَ النَّمِيمُ لِنَهْشِ عِرَضِ الغَائِبِ

فَاظْنُنْ بِمَنْ يَغْتَابُ مَقْتُولاً وَقَدْ … أَعْيَا فَمَا يَسْطِيعُ نُبْسَةَ عَاقِبِ

وَاظْنُنْ بِمَا هُوَ فَوْقَ ذَاكَ نِكَايةٌ … مِنْ جَفْوَةِ الأَدْنَى وَغَدْرِ الصَّاحِبِ

جَأَروا وَمَا أَخْفُوهُ تَحْتَ نَحِيبِهِمْ … جَعْلِ المَصِيبَةِ فَوْقَ نَدْبِ النَّادِبِ

هَذَا هُوَ الرَّسْمُ الخَلِيقُ بِأَنْ يُرَى … فِي ظَهْرِ قَبْرِكَ مَاثِلاً لِلَّرْاقِبِ

فِي صَمْتِهِ الأَبَدِيِّ أَبْلَغِ وَاعِظٍ … لأُلَى النَّهَى بِلِسَانِ أَفْصَحِ خَاطِبِ

تَوْفِيقُ نَمْ وَزُرِ الحَسُودَ مُؤَرِّقاً … مَا عَاشَ مَوْكُولاً لَهَمٍّ نَاحِبِ

لِلْمَوْتِ رَوْحُ زِيدَ عَنْكَ هُنَيْهَةً … فِي شَبْهِ حِلْمٍ مُثْقَلٍ بِمَتَاعِبِ

ذَادُوه عَنْكَ فَبُتَّ أَقْلَقَ مَنْ ثَوَى … حَيْثُ القَرَارُ يَكُونُ أَمْنَ الهَائِبِ

لَكِنَّ عَدْلاً لاَ يَنِي مُتَعَقًِّباً … لِلْظُلْمِ بَيْنَ مُصَابِرٍ وَمُعَاقَبِ

كَشَفَ اللِّثَامَ عَنِ الحَقِيقَةِ فَانْجَلَتْ … تَعْدِي الضَّيَاءَ عَلَى الظَّلاَمِ الهَارِبِ

النَّاهِشُو الأَعْرَاضِ فِي خَسْرٍ وَإِنْ … لَمْ تَتَّصِمْ أَعْرَاضُهُمْ بِمَثَالِبِ

كَيْفَ الوُشَاةُ وَقَدْ رَمُوكَ بِمَا بِهِمْ … مِنْ مَنْقَصَاتٍ جَمَّةٍ وَمَعَايِبِ

حَسَدُوكَ لَمْ يَعْفُوا أَخَاكَ وَإِنَّمَا … فَعَلُوا لِحِرْصٍ فِي الطَّبَِائِعِ غَالِبِ

فَالمَحْمَدَاتُ وَأَنْتُمَا فِي جَانِبٍ … وَالمَخْزَيَاتُ وَرَهْطُهُمْ فِي جَانِبِ

مَاذَا تَرَكْتَ مِنَ المَقَامِ لِشَحِّهِمْ … تِلْقَاءَ سَيْبٍ كَالغَمَامِ الصَّائِبِ

وَلِسُوْءِ مَسْعَاهُمْ وَقِلَّةِ كَسْبِهِ … فِي جَنْبِ مَسْعَاكَ الجَمِيلِ الكَاسِبِ

قَدْ بَاعَدوا الخُطَوَاتِ في طَلَبِ العُلَى … فَتقَاصَرُوا عَنْ خَطْوِكَ المُتَقَارِبِ

وَهَدَاكَ دُونَهُمُ السَّبِيلُ إلى الَّذي … لَمْ يَبْصُرُوهُ نُورَ فِكْرٍ ثَاقِبِ

أَنْ يَقْتَضُوكَ شَمَائِلَ لَمْ تُؤْتَهَا … فَمَطَالِبُ البَاغِينَ شَرًُّ مَطَالِبِ

النَّاسُ إِمَّا حَاسِبٌ أَوْ مُحْرِزٌ … جَاهاً يُصَرِّفُ فِيهِ ذِهْنَ الحَاسِبِ

وأَخُوا المَآثِرِ هَلْ يُقَلَّلُ مَجْدُهُ … أَنْ لاَ يَكُونَ بِعَالِمٍ أَوْ كَاتِبِ

آلَيْتَ بِالحُسْنَى أَلِيَّةَ عَارِفٍ … بعُلُوِّهَا عَنْ شُبْهَةٍ مِنْ كَاذِبِ

مَا ضَارَ مَنْ ذَمَّ النُضَارَ وَرَبَّمَا … كانَتْ نقِيصَتُهُ بِعَيْنِ العَائِبِ

هَلْ مَعْدَنُ التِّيْجَانِ بَخْسٌ حَقُّهُ … إِنْ يَأْبَ طَبْعَ أَسِنَّةٍ وَقَوَاضِبِ

أَدْرَكْتَ مِنْ كَرَمٍ وَهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا … مَا لِلْحَوَادِثِ مِنْ بَعِيدِ عَوَاقِبِ

الجَوْدُ لِلْمُبْقِي عَلَى أَمْوالِهِ … هُوَ أَوَّلُ الرَّأْي السَّدِيدِ الصَّائِبِ

وَبِهِ يُوقَى العَالِمُونَ تَحَوُّلاً … رَاعَ النُّهَى بِنَذِيرُهِ المُتَعَاقِبِ

هَلْ بَعْدَ مَعْرِفَة الجُمُوعِ بِحَقِّهَا … يَرْتَاضُ سَاغِبُهَا لِغَيْرِ السَّاغِبِ

إِنْ لَمْ تَصِبْ مِنْ كُلِّ نُعْمَى حَظَّهَا … لَمْ تَأْمَنِ الدُّنْيَا كِبَارَ مَصَائِبِ

ادْوَرَدُ يَا أَوْفَى الرِّجَالِ إِذَا دَعَا … في حِينِهِ دَاعِي الْقِيَامِ بِوَاجِبِ

يَا مُحْرِزاً بِدُؤُوبِهِ وَبِجَدِّهِ … أَسْمَى مَكَانٍ لِلْمُجِدُّ الدََّائِبِ

دُمْ سَالِماً يَفْدِيكَ مَصْرعُ فَرْقَدٍ … عَنْ ذُرْوَةِ المَجْدِ المُؤَثَّلِ غَأرِبِ

وَالْبَثْ وَحِيداً بَيْنَ قَوْمِكَ ظَاهِراً … بِمَحَامِدَ مَشْهُورَةٍ وَمَنَاقِبِ

لَوْ فُوضِلَتْ أَسْمَاءُ رَبِّكَ تُوَجِّتْ … أَسْمَاءُهُ الحُسْنَى بِوَصْفِ الوَاهِبِ