فَهِمْتَ مَعْنَى الْعُمْرِ فَهْمَ الأَرِيبْ – خليل مطران

فَهِمْتَ مَعْنَى الْعُمْرِ فَهْمَ الأَرِيبْ … وَعِشْتَ فِي دُنْيَاكَ عَيْشَ اللَّبِيبْ

جُبِلْتَ مِنْهَا ثُمَّ أَنْكَرْتَهَا … وَكُنْتَ فِيهَا آهِلاً كَالغَرِيبْ

وَكُنْتَ فِيهَا سَاعِياً كَالذِي … يَجُوزُ وَعْراً لِلِقَاءِ الحَبِيبْ

فَاعْتَضْتَ مِنْ وَفْرٍ بِفَقْرٍ وَمِنْ … وَادٍ خَصِيبٍ بِعَرَاءٍ جَدِيبْ

واعْتَضْتَ بِالمِسْحِ وَأطْمَارِهِ … مِنْ كُلِّ ثَوْبٍ ذِي بَهَاءٍ قَشيبْ

وَاعْتَضْتَ مِنْ مَلْهىً وَمِنْ لَذَّتٍ … بِمَعْبَدِ اللهِ وَمَنْفَى الْقُلُوبْ

فِي الدَّيْرِ تُلْفَى عَاكِفاً ضارِعاً … مُهَجِّداً أَلِفَ الضَّنَى وَالشُّحُوبْ

وَقَدْ تُرَى بَيْنَ الْوَرَى مِثْلَمَا … يُسْعِفُ غَرْقَى البَحْرِ حُرُّ مُجِيبْ

تَمُدُّ أَسْبَابَ الْهُدَى نَحْوَهُمْ … مَدَّ مَنَارٍ نُورَهُ لِلرَّقِيبْ

لَوْ رَابَهُمْ زَهْرُ الدَّيَاجِي فَمَا … فِي نُورِ ذَاكَ الْغَوْثِ مِنْ مُسْتَرِيبْ

فَيَا صَفِيَّ اللهِ يَهْنِيكَ أَنْ … قَدْ فُزْتَ مِنْهُ بِاللِّقَاءِ القَرِيْبْ

وَسِرْتَ لَمْ تُخْلِفْ أَسىً مُظْلِماً … كَمَا يُرَى لَيْلُ القُنُوطِ العَصِيبْ

بَلْ شَفَقاً لألاؤُه نَاصِعٌ … يُرَى خِلاَلَ الدَّمْعِ شِبْهَ المَشُوبْ

أَبَيْتَ نَوْحَ اليَأْسِ يَا شَادِياً … عَلَّمَ شَدْوَ الأَمَلِ العَنْدَلِيبْ

وَأَنْتَ يَا حَادِيَ رَكْبِ الرَّدَى … بِنَغَمِ البِشْرِ أَبَيْتَ النَّحِيبْ

فَلاَ مُنَادَاةٌ وَلاَ صَيْحَةٌ … وَلاَ بُكَاءٌ هَهُنَا أَوْ وَجِيبْ

هَذَا قَرَارٌ لِلْبِلَى صَامِتٌ … صُمٌّ بِهِ السَّمْعُ وَعْنَ الخَطيبْ

حَفِيرَةٌ فِي الأَرْضِ لَكِنَّهَا … بَابٌ إِلَى الجَنًَّةِ عَالٍ رَحِيبْ

مَبِيتُ خُلْدٍ لِفَتىً صَالِحٍ … سَمْحٍ نَقِيِّ النَّفْسِ حُرٍّ أَدِيبْ

عَاجلَهُ البَيْنُ فَوَلّى وَلَمْ … يَزِنْهُ مِنْ بَعْدِ الشَّبَابِ المَشِيبْ

عَاشَ نَهَاراً لَمْ يَكَدْ يَنْقَضِي … صَبَاحُهُ حَتَّى تَلاهُ الغُيُوبْ

صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ مِنْ عُمْرِهِ … ثُمَّ عَلَى الإِثْرِ صَلاَةَ الغُرُوبْ