عاصى الشَبابَ فَراحَ غَيرَ مُفَنَّدِ – صريع الغواني
عاصى الشَبابَ فَراحَ غَيرَ مُفَنَّدِ … وَأَقامَ بَينَ عَزيمَةٍ وَتَجَلُّدِ
مُتَحَيِّراً طَلَعَت لَهُ شَمسُ النُهى … فَمَشى عَلى سَنَنِ الطَريقِ الأَقصَدِ
دَرَجَ الكَرى في مُقلَتَيهِ وَرُبَّما … مُنِيَ الكَرى مِنهُ بِلَيلَةِ أَرمَدِ
أَيّامَ يَعتَلِجُ الصِبا في صَدرِهِ … بِرِضى المُدامَةِ وَالخِدالِ النُهَّدِ
إِنَّ الصِبا وَعَرَت عَلَيكَ سَبيلُهُ … فَتَنَكَّبَت بِكَ عَن وِصالِ الخُرَّدِ
قَعَدَ النُهى بِكَ عَن تَقاذُفِ صَبوَةٍ … خَطَرَت بِرَيعانِ الشَبابِ الأَغيَدِ
فَاِعمَد بِحَزمِكَ نَحوَ أَمرٍ واحِدٍ … وَقُدِ العَزيمَةَ بِالعَزيمَةِ تَنقَدِ
لَولا تُثيرُكَ عَن مَقامِكَ هِمَّةٌ … يَنجو بِها كَلَبُ الهُمومِ العُوَّدِ
جَهَلَ الزَمانُ وَعادَ في عاداتِهِ … فَلَبِستُهُ بِتَجَمُّلٍ وَتَغَمُّدِ
حَتّى خَرَجتُ مِنَ الحَوادِثِ لَم أَنَل … طَبعاً وَلَم أَقدَح بِزَندٍ مُصلَدِ
خَلَّفتُ وارِدَةَ الهُمومِ وَرُبَّما … لَحِقَت مُعَرَّسَ مَربَعي أَو مَورِدي
أَلقى الدُجى عَن مَنكِبَيهِ بِرَوحَةٍ … نَبَذَت بِهِ عَن فَدفَدٍ في فَدفَدِ
أَمّا النَهارُ فَإِنَّهُ لِمَضَلَّةٍ … بَيداءَ صادِقَةِ الهَواجِرِ صَيخَدِ
وَإِذا الدُجى اِلتَبَسَت فَأَوَّلُ طالِعٍ … في وَجهِها مِن جَيبِها المُتَوَقِدِ
يَغدو وَقَد أَسرى السُرى وَكَأَنَّما … غاداهُ بِالدُلُجاتِ لَيلُ الرُقَّدِ
رَكِبَ الضُحى حَتّى إِذا اِعتَنَقَ الدُجى … وَاِفتَرَّها عَن مُغرَبٍ مُتَوَقِّدِ
حَطَّ الرِكابَ إِلى جَنابِ مُحَمَّدٍ … مِن جُنحِ لَيلٍ كَالغَمامَةِ أَربَدِ
تَخدي العِرَضنَةَ قَد تَقَسَّمَ طَرفَها … وَضَحُ الطَريقِ وَخَوفُ مَسِّ المُحصَدِ
نَهَضَ اِبنُ مَنصورٍ فَأَدرَكَ غايَةً … قَعَدَت مَآثِرُها بِكُلِّ مُسَوَّدِ
مَلِكٌ إِذا الغاياتُ مَدَّت شَأوَهُ … سَبَقَ الجِيادَ وَفاتَ كُلَّ مُقَلَّدِ
أَعطى فَما تَنفَكُّ تُنزَعُ هِمَّةٌ … أَمَلاً إِلَيهِ مِنَ المَحَلِّ الأَبعَدِ
سَبَقَت عَطِيَّتُهُ مُنى مُرتادِها … وَاِستَحدَثَت هِمَماً لِمَن لَم يَرتَدِ
تِلكَ العُلا حُكِّمنَ في أَموالِهِ … فَأَعَضنَهُ مِنها جِوارَ الفَرقَدِ
زادَ الزِيادِيِّينَ جودُ مُحَمَّدٍ … شَرَفَ الحَديثِ مَعَ القَديمِ الأَتلَدِ
حَلّوا بِرابِيَةِ العُلا وَتَفَرَّعوا … مِن هاشِمٍ فَرعاً أَشَمَّ مُوَطَّدِ
بَيتاً تَطَنَّبَ بِالنُجومِ بِناؤُهُ … في ناطِحٍ سَقفَ السَماءِ مُشَيَّدِ
ما زالَتِ الأَيّامُ تَرفَع شَأوَهُ … وَيَزيدُ عَودُ السابِقِ المُتَزَيَّدِ
حَتّى إِذا بَلَغَ المَدى عارَضنَهُ … فَمَسَحنَ غُرَّةَ سابِقٍ لَم يَجهَدِ
أَغنى عَنِ البُخَلاءِ مُبتَدِرَ الغِنى … وَكَفى المُقَصِّرَ مِنحَةَ المُتَجَوِّدِ
لا يَدفَعُ الأَمَلَ القَريبَ لِعَودِهِ … في حينِ دَفعِ الغَيثِ حَمدَ الرُوَّدِ
يَتَجَنَّبُ الهَفَواتِ في خَلَواتِهِ … عَفُّ السَريرَةِ غَيبُهُ كَالمَشهَدِ
أَخَذَ الأُمورَ بِعَينِهِ وَضَميرِهِ … حَتّى أَقامَ لَهُنَّ قَصَدَ المَورِدِ
وَلَهُ إِذا فَنِىَ السُؤالُ مَذاهِبٌ … في الجودِ تَبحَثُ عَن سُؤالِ المُجتَدي
وَإِذا تُخُوِّفَت الأُمورُ يَرى لَها … رَأياً يَشُقُّ بِهِ اِعتِزامَ الأَصيَدِ
مُتَفَتِّقُ الآراءِ في جَمعِ الهَوى … يَخرُجنَ مِن نَجوى ضَميرٍ أَوحَدِ
يَفحَصنَ عَن رَجمِ الظُنونِ وَتارَةً … يَأخُذنَ بِالكَيدِ اِختِيالَ الأَكيَدِ
يَتَغَمَّدُ الأَيّامَ في نَزَواتِها … ثَبتُ المَقامِ عَلى اِقتِراحِ السُؤدَدِ
لا يَشتَكي أَلَمَ السِنينَ وَلا يُرى … قَنِعاً بِمَكرُمَةٍ إِذا لَم يَزدَدِ
وَالناسُ أَدنى مِنهُ أَو مُتَخَلِّفٌ … عَن شَأوِهِ مُتَقَدِّمٌ في المَولِدِ
جَدَّ الكِرامُ فَلَم يَنالوا سَعيَهُ … كَثرَتهُمُ هِمّاتُ مَن لَم يَجدِدِ
ما اِستَوقَفَ اللَحَظاتِ مَذهَبُ فِكرَةٍ … إِلّا وَفيهِ صَنيعَةٌ لِمُحَمَّدِ
يَستَصغِرُ الدُنيا إِذا عَرَضَت لَهُ … في هِمَّةٍ أَو نائِلٍ أَو مَوعِدِ
غَمرُ البَديهَةِ يُستَعَدُّ بِرَأيِهِ … لِبَديهَةِ الحَدَثِ الَّذي لَم يُعدَدِ
يَضَعُ العُيونَ عَلى المَطالِبِ جودُهُ … حَتّى يَكونَ لَهُ السُؤالُ بِمَرصَدِ
وَلَرُبَّ مُشتَمِلٍ عَلى دُكانِهِ … راضٍ بِفَضلِ الزادِ مِن مُتَزَوِّدِ
وَسِنٍ إِذا غَدَتِ الوُفودُ كَأَنَّما … كَلَأَ الكَواكِبَ لَيلُهُ لَم يَرقُدِ
مُتَعَذِّرِ الهِمّاتِ مُنقَطِعِ الغِنى … إِلّا مُقارَعَةَ الزَمانِ الأَنكَدِ
يُضحي إِذا سَنَحَت لَهُ إِحدى المُنى … قَنِعاً بِخَطرَتِها وَإِن لَم يورِدِ
لَمّا رَأى الآمالَ نَحوَكَ شُرَّعاً … يَصدُرنَ عَنكَ بِمِثلِ عَودِ المُبتَدي
شَرَعَت لَهُ نَفسٌ فَطالَعَ هِمَّةً … رَجَعَتهُ مَضموناً ثَناءَ الوُفَّدِ
زِدتَ الأَكارِمَ في المَكارِمِ شيمَةً … تَستَلُّ في الأَزَماتِ غِلَّ الحُسَّدِ
وَلَرُبَّما أَعطَيتَ شانِئَكَ الرِضى … فَغَدا بِغُلَّةِ حاسِدٍ لَم يَجحَدِ
تَأتي عَلى هَفَواتِهِ عَن قُدرَةٍ … بَدَراتُ راجِحِ حِلمِكَ المُستَأسِدِ
لا يَبعَدَن مالٌ رَبَيتَ بِهِ العُلى … فَحَصِدتَ فيهِ وَقُل لِعاذِلِكَ اِبعَدِ
فَلَأَنتَ أَمضى في الكَفاءِ وَفي النَدى … مِن باسِلٍ وَردٍ وَغادٍ مُرعِدِ
وَطِأَت بِكَ القَصَراتِ فَهيَ ذَليلَةٌ … هِمَمٌ مَدَدنَ إِلَيكَ طَرفَ الأَقوَدِ
أَعطَيتَ حَتّى مَلَّ سائِلُكَ الغِنى … وَعَلَوتَ حَتّى ما يُقالُ لَكَ اِزدَدِ
ما قَصّرَت بِكَ غايَةٌ عَن غايَةٍ … فَاليَومَ مَجدُكَ مِثلُ مَجدِكَ في غَدِ
قُصِرَت عَلى الإِسرافِ مِنكَ طَبيعَةٌ … بَسَقَت عَلى ذي الجودِ وَالمُتَجَوِّدِ
عَكَفَت عَلى الصَفصافِ مِنكَ عَزيمَةٌ … مِن رَأيِ مُكتَنِفٍ بِنَصرٍ أَيِّدِ
أَقدَمتَ وَالمُهَجاتُ تُلفَظُ وَالرَدى … مُتَحَيِّرٌ بَينَ الأَسِنَّةِ مُهتَدِ
وَالخَيلُ طاوِيَةُ العَجاجِ نَواشِرٌ … جُردٌ تَشاوَلُ في المَكَرِّ الأَجرَدِ
تَمضي عَلى نَهجِ الإِمامِ وَتارَةً … تَستَنُّ في الغاراتِ غَيرَ الأَحيَدِ
حَتّى اِفتَرَعتَ بِها السِهامَ وَدونَها … طَعنٌ بِأَعجازِ القَنا المُتَقَصِّدِ
وَتَنافَسَتكَ رِجالُها وَنِساؤُها … مِن بَينِ مَسلوبٍ وَبَينَ مُصَفَّدِ
وَأَشَمَّ بِطريقٍ كَأَنَّ صَليفَهُ … عُقِدَت مَفاصِلُهُ وَإِن لَم تُعقَدِ
مُستَسلِمٍ لِلمَوتِ يَعلَمُ أَنَّهُ … إِن لَم يَذُقهُ اليَومَ غَيرُ مُخَلَّدِ
عَجِلَت يَداكَ لَهُ بِضَربَةِ خُلسَةٍ … سَبَقَت بِحَدِّ السَيفِ حَدَّ المُجسَدِ
فَكَتِلكَ لا تِلكَ الَّتي ضاقَت بِها … كَفُّ الفَرَزدَقِ إِذ يُقالُ لَهُ قَدِ
ما نالَ حَمدَ القَولِ بَعدَ قِيامِهِ … فيها وَسَلِّ المَشرَفِيِّ المُغمَدِ
وَأَبوكَ يَومَ القَيرَوانِ وَقَد جَرَت … مُهَجُ المُلوكِ عَلى سُيوفِ الجُحَّدِ
سَدَّ الثُغورَ بِها وَقَد فَغَرَت لَهُ … بِالمَوتِ بَينَ مُبَيِّضٍ وَمُسَوِّدِ
يَوماً هَفَت فيهِ الأَعاجِمُ وَاِحتَسى … جُرَعَ الحِمامِ الفَضلُ غَيرَ مُعَرِّدِ
نَهَضَت بِهِم عُقَبُ الزَمانِ فَأَنجَدَت … سَيفَ الدَليلِ عَلى الأَغَرِّ الأَنجَدِ
لَمّا تَمَخَّضَتِ المَنونُ لِثَمِّها … وَتَعَضَّلَت بِالناكِثِ المُتَمَرِّدِ
ما غابَ حَتّى آبَ تَحتَ لِوائِهِ … رَأبُ الثَأى وَصَلاحُ أَمرِ المُفسِدِ
دَعَمَ الإِمامُ بِهِ قَواعِدَ مُلكِهِ … وَلَقَد تَطَرَّقَها اِنتِكاثُ المُلحِدِ
زَحَفَت لَهُم آراؤُهُ بِمَكيدَةٍ … مِن تَحتِ سَطوَةِ لَيثِ غابٍ مُلبِدِ
يَقضي عَلى مُهَجِ النُفوسِ وَإِن نَأَت … بِصَريمَةٍ مِن عَزمِ رَأيٍ مُحصَدِ
جَنَبَ الجِيادَ مِنَ العِراقِ شَوازِباً … يَقرَعنَ هاماتِ الصَفا بِالجَلمَدِ
مِن كُلِّ سامِيَةِ القَذالِ طِمِرَّةٍ … عَجلٍ تَرَوُّحُها وَإِن لَم تُطرَدِ
حَتّى وَرَدنَ القَيرَوانَ وَدونَهُ … مَغدى الضُحى وَمَبيتُ لَيلِ الهُجَّدِ
أَنهَجنَ في جَورِ السُهولَةِ مَنهَجاً … وَعَرَكنَ مَخزَنَةَ الطَريقِ الأَقصَدِ
أَطلَقنَ مِن أَيدي الخُطوبِ أَسيرَها … وَشَرَدنَ في جَمعِ القُلوبِ الشُرَّدِ
لَمّا رَآهُ المَغرِبِيُّ وَنارُهُ … شَعواءُ مُطفِئَةٌ لِنارِ المَوقِدِ
وَالخَيلُ تَشتَرِفُ الحِمامَ وَبَينَها … رَأيٌ تَسورُ بِهِ ظُباتُ مُهَنَّدِ
خافَ المَنِيَّةَ فَاِتَّقاهُ بِنَفسِهِ … في الغُلِّ مَلطومَ السَوالِفِ بِاليَدِ
طَلَبَ الأَمانَ وَما تَفَرَّقَ جَمعُهُ … وَسُيوفُهُ مَشهورَةٌ لَم تُغمَدِ
زَحَفَت بِهِ الأَيّامُ فَاِنقادَت لَهُ … بِزِمامِها نَخَواتُ كُلِّ مُقَوِّدِ
وَغَدَت بِهِ رِدفاً مَطالِعُ لَم تَزَل … تَجري لِمَنصورٍ بِطَيرِ الأَسعَدِ
لَبِسَ الأَمانَ بِهِ المُخافُ وَأَطرَقت … هِمَمُ المُريبِ وَثابَ كُلُّ مُشَرَّدِ