ستموتُ محزونًا – عبدالعزيز جويدة

ستموتُ محزونًا كأمِّكَ

ثم تُدفنُ في الفيافي

ثم تبعثُكَ المنافي

من جديدْ

ستموتُ لن تُذكرْ ..

بيومٍ من قريبٍ أو بعيدْ

الأرضُ تُنجبُ كلَّ يومٍ ألفَ وجهٍ مثلَنا

لكنها لا تَكترثْ ..

أَبَدَاً بأَحْلامِ العَبيدْ

الأرضُ تُنكرُ دائمًا فقراءَها

فهمو عددْ

هُم مثلُ ناطورٍ ويحرسُ دائمًا

في اللا أحدْ

وجميعُنا نُلقي السلامَ

على بلادٍ كلُّ ما فيها بَددْ

ستعودُ تُقسمُ بالبلدْ

وتعودُ تَصرخُ في المدى

مدَدًا .. مددْ

ستدورُ دورَتَكَ الأخيرةَ

ثم تذروكَ الرياحُ إلى الأبدْ

ستموتُ محزونًا كغيرِكَ

كلُّهم ماتوا هنا حزنًا وغمًّا

في البلادِ المتعبةْ

كهفٌ وأهلُ الكهفِ دومًا نائمونَ

وحولَهم تقفُ الكلابُ المرعِبةْ

حدَّقتُ فيهم مرَّةً ، قُلْ مرَّتينِ

وطِرتُ خوفًا

خِفتُ سوءَ العاقبةْ

صدَّقتُهم فيما يقولونَ

صدقتُ أحلامًا ، وُعودًا كاذبةْ

ورفعتُ كفًّا للسماءِ تضرُّعًا

في دعوةٍ كانتْ علينا واجبةْ

بكتْ السماءُ وحاصرتْنا بالسحابْ

جاءَ السحابُ محمَّلاً بالأتربةْ

ستموتُ محزونًا كأمِّكَ

ثم تجلسُ فوقَ قبرِ الذكرياتْ

فازرعْ هنا صبَّارةً

واذرِفْ عليها دمعةً

تروي الرُّفاتْ

الحزنُ إحساسٌ يُغيِّرُ دائمًا

كلَّ الصفاتْ

وانظرْ لوجهِكَ كلَّ يومٍ مرَّةً

حتى ترى

حجمَ الدمارِ وقسوةَ المأساةْ

وارفعْ جبينَكَ مرَّةً

وانظرْ لنا قبلَ المماتْ

وارسمْ على كلِّ الشواهدِ

صورةً لبناتِنا وبنينِنا

ولحُلمِنا إن فاتْ

أنتَ الذي يومًا حملْتَ السيفَ لكنْ

لا تَرى

مِن عتمةِ الأجواءِ فينا

قد قتلتَ الذاتْ

يا ألفَ مِشنقةٍ تدلَّتْ داخلي

لِمَ كلَّ ثانيةٍ أحسُّ بداخلي

حلما عنيدا رائعا قد ماتْ

وجعُ القصيدةِ مستحيلٌ ينتمي

لعساكرٍ ، وحمائمٍ ، وغُزاةْ

ستموتُ محزونًا كأمِّكَ

مثلما ماتَ الرِّعاعْ

ونظلُّ نسألُ بعدَ موتِكَ

يا تُرى

لِمَ جئتَ يومًا للحياةِ بغيرِ داعْ

كم لحظةً مرتْ بنا يا هل تُرى

منذُ اللقاءِ إلى الوداعْ ؟

تلكَ الحياةُ بطولِها وبعرضِها

انظرْ إلى أعماقِها

هي ضَحلةٌ من غيرِ قاعْ

قد جئتُها وتركتُها

ماذا أخذتَ من الحياةِ

سوى الصداعْ ؟

الآنَ تَحمِلُكَ الرؤى

فترى الحيارى والسهارى والجياعْ

نَعْشٌ يَسيرُ وليسَ يَحملُهُ أحدْ

كسفينةٍ فقدَتْ مع الموجِ الشراعْ

ستموتُ وحدَكَ بينَنا

لا تبتئسْ

قد لا نُحِسُّ

بأن شيئًا ضاعْ

ستموتُ ما بينَ الترقُّبِ والتوقُّعِ

والأسى والانتظارْ

ستموتُ كالصبرِ المعتَّقِ

في زجاجاتِ المرارْ

ضلَّ الطريقُ فهلْ ضللْنا مثلَهُ

أم يا تُرى ضلَّ القطارْ

سنواتُ عمري غربةٌ في غربةٍ

والعمرُ من دارٍ لدارْ

وأنا أدورُ لمرةٍ نحوَ اليمينِ

ومرةً نحوَ اليَسَارِ

كأننا في حفلِ (زارْ)

عذَّبتموني بالكلامِ الحلوِ عن وجه النهارْ

صدَّقتُكمْ ..

ما كنتُ فيكمْ غيرَ طفلٍ

مِن براءَتِهِ يُدارْ

أنا كلما أفصحتُ عما أبتغيهِ

ضربتُموني فوقَ خدي

قُلتمو هيَّا اعتذِرْ

وأنا أُردِّدُ غَاضِبَاً في الاعتذارْ

ستموتُ ما بينَ الحقيقةِ ان أتت

واللاحقيقةِ

تنتهي في الاختبارْ

أشعلتُ عمري جُذوَةً من أجلِكمْ

ستموتُ فيها

لا تُجادلْ في القرارْ

ستغيبُ شمسُكَ للأبدْ

وستختفي في ألفِ غارْ

ستموتُ وحدَكْ

وأموتُ وحدي

وأنا وأنتَ سباقُنا

في الاحتضارْ

ستموتُ محزونًا كأمِّكْ

وتعودُ تَذكرُ أنها كانتْ

وماتتْ

ثم عادَتْ كي تُغني للنخيلْ

ستموتُ مجروحًا وجُرحُكَ

غائرٌ في شكلِ كهفٍ

كُلما منه اقتربْتَ

يَصيرُ جُرحُكَ مستطيلْ

يا شالَ أمي رحمةً أرجوكَ

دعنا من أقاويلِ الوشاةِ

وكلِّ شيءٍ قيلْ

.