حيتكَ سارقة ُ اللحاظ من الظِبا – حيدر بن سليمان الحلي
حيتكَ سارقة ُ اللحاظ من الظِبا … تجلو المدامَ فحيّ ناعمة َ الصِبا
جاءتكَ تبتَسمُ والبنان نقابُها … فأرتكَ بدراً بالهلال تنقّبا
وكأنّها هي حين زَفَّت كأسها … شمسٌ تزفّ من المدامة ِ كوكبا
عقدت على الوسط النطاقَ مفوَّفاً … ولوت على الخصر الوشاحَ مذهّبا
أحبب إليك بها عشيقة َ مُغرمٍ … راض العواذلُ شوقَه فتصعبّا
هي تلك لاعبة ُ العشاء ومن لها … ألفت بناتُ الشوقِ قلبك ملعبا
أمسيتَ منها ناعماً بغريرة ٍ … بنسيم ريّاها تعطَّرت الصَبا
ونديمة ٍ لك لو تغنّى باسمها … حجر لرقَّصه غناها مطربا
سكبت بكأس حديثها من لفظها … راحاً ألذَّ من المدام وأعذبا
وترنّمت هزجاً فأطربَ لحنُها … قُمريَّ مائسة َ الأراكِ فطرَّبا
فكأَنما علمت بعرس المصطفي … فشدت غِناً لابن الأراكة ِ أطربا
في ليلة ٍ طابت فساعة ُ أُنسها … لم تلق عمر الدهر منها أطيبا
وَفدَ السرورُ بها لمغنى أصيدٍ … كرماً يحيي الوافدين مُرحّبا
شملت مسرتَّه البريّة كّلها … إذ كان في كلّ النفوس محبّبا
فكأَنَّ عُرس المصطفى فيه الورى … كلّ محمدُ صالحٍ أَن يطربا
قد عاد مغربُها يهنّي شرقَها … فيه ومشرقُها يهنّي المغربا
فرحوا وحقّ لهم به أن يفرحوا … من حيثُ أنَّ الدهر فيه أغربا
في الشيب جاء به سروراً لم يجىء … في مثله مُذ كان مقتبلُ الصِبا
هو في الأنام صنيعة ٌ مشكورة … للدهر ما صحبوا لِساناً معربا
للكرخ ناعمة َ الهبوب تحمّلي … منّي سلاماً من نسيمك أطيبا
وصلي إلى بيت قد انتجع الورى … منه جناباً بالمكارم مُعشبا
بيت على الزوراء يقطر نعمة َ … فكأَنّه بالغيث كان مطنّبا
قولي إذا حييتِ فيه بالرضا … فسواكِ منه هيبة َ لن يقربُا
بشراكَ بسّامِ العشيّ بفرحة ٍ … ضَحكت بها الدنيا إليك تطرُّبا
وجلا عليك اليمنَ فيها طلعة َ … غرّاء ساطع سعدها لن يغربا
فاسعد بقرّة ناظريك فقد غدا … في عُرسه المجدُ المؤثّلُ معجبا
أمقيلَ مَن لبس الهجير تغرُّباً … ومعرّسَ السارين تنزِعُ لغّبا
عجباً لهذا الدهر يصحب بُخلَه … ولجود كفّك ليس يبرح مُصحَبا
ويرى جبينك كيفُ يشرقُ لِلندى … كرماً ويغدو الوجه منه مقطَّبا
أرحبتَ للأضياف دارة َ جفنة ٍ … من دارة القمر الوسيعة أرحبا
وحملت عبء بني الزمان ولو به … يُعنى أبوهم لاستقالك مُتعبا
وأما ومجدك خلفة ً لو لم يكن … للعالمين سجالُ جودك مشربا
نَزَف اغترافُهم البحارَ وبعدها … ترك اعتصارهمُ الغمائمِ خُلّبا
فمتى تقوم بحارُها وقطارُها … لهم مقامك ما جرت وتصبَّبا
يفدي أناملكَ الرطيبة مُعجبٌ … في يبس أنملة ٍ بعذلك أسهبا
لو مسَّ وجه الأرض يبسُ بنانه … لرأيته حتى القيامة مُجدبا
عذبت مذاقة “لا” بفيه لبخله … وبفيك طعمُ «نعم» غدا مستعذبا
فأزدادَ حتّى في مَعيشة نفسهِ … ضيقاً وَللوفّاد زدتَ ترحّبا
تسع الزمانَ بجود كفّك باسماً … ويضيق صدر الدهر منك مقطَّبا
لورعتَ مُهجة نفسه وَزحمته … لفطرتها وَحطمتَ منه المنكبا
وَلقد جَريت إلى العلاء بهمة ِ … لم ترض عالية المجرّة مركبا
حلَّقت حيث الطرف عنك مقصرٌ … فصعدت حيث النجم عنك تصوبّا
شهدت قناة المجد أنك صدرُها … وَعدا أخيك غدا الأماجدُ أكعبا
ما قمت يوم الفخر وحدك موكباً … إلاّ وقام به مثالُك موكبا
أصبحت منتسباً لغرِّ أماجدٍ … ودَّت لهم شهب السما أن تُنسبا
هم أيكة الشرف التي منها الورى … ثمرُ السماحة ما اجتنوه مرجّبا
طابت أرُومتها العريقة في العُلى … وسقت مكارمها ثراها الطّيبا
وكفى بجودك وهو أعدلَ شاهدٍ … يصف الذي من جودها قد غيبا
ولقد تحقّقتُ اسمَ غادية الحيا … فوجدت معناه نداك الصيّبا
وأجلت فكري في اسم أنفاس الصَبا … فإذا به خُلق الرضا قد لقّبا
سيماءُ عزِّك في أسرَّة وجهه … لله أنت فهكذا مَن أنجبا
زّينت أُفق الفخر منك بكوكبٍ … ما كان أزهره بفخرك كوكبا
فالشمس قد ودَّت وإن هي أعقبت … قمرَ السماءِ نظيره أن تُعقبا
قد غاض فيضُ ابن الفرات لجوده … إذ كان أغزرَ من نداه وأعذبا
لا تطر كعباً واطوِ حاتم طيء … وانشر مكارمه تجدها أغربا
وارتك له معناً على ما فيه من … كرمٍ فمعنٌ لو رآه تعجّبا
ودع الخصيب فلو تملّك ملكه … الهادي لجاد به لفرد أتربا
الجامع الحَمد الذي لم يجتمع … والواهبُ الرفدَ الذي لن يُوهبا
خلقتَ أدرَّ من السحائب كفُّه … بل أُنشأت منها أعمَّ وأخصبا
هو خير من ضمَّت معاقدُ حبوة ٍ … وأخوه فخراً خير من عَقد الحُبا
طلعا طلوعَ النيرين فما رأى … أُفقُ المكارم مُذ أنارا غيهبا
فعُلاهما في المجد أبعدُ مرتقى … ونداهما للوفد أقربُ مطلبا
أبقيّة َ الكرم الذين سواهم … لم يتخذ تهجُ المكارم مذهبا
لا زلتم في نعمة ٍ ومسرَّة ٍ … مادام ظهر الأرض يحمل كبكُبا