حديقة الغروب – غازي القصيبي

خـمسٌ وسـتُونَ.. في أجفان إعصارِ … أمـا سـئمتَ ارتـحالاً أيّها الساري؟

أمـا مـللتَ مـن الأسفارِ.. ما هدأت … إلا وألـقـتك فـي وعـثاءِ أسـفار؟

أمـا تَـعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا … يـحـاورونكَ بـالـكبريتِ والـنارِ

والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بقِيَتْ … سوى ثُـمـالةِ أيـامٍ.. وتـذكارِ

بلى اكتفيتُ.. وأضناني السرى وشكا … قـلبي الـعناءَ… ولكن تلك أقداري

أيـا رفـيقةَ دربـي.. لو لديّ سوى … عـمري.. لقلتُ: فدى عينيكِ أعماري

أحـبـبتني.. وشـبابي فـي فـتوّتهِ … ومـا تـغيّرتِ.. والأوجـاعُ سُمّاري

مـنحتني مـن كـنوز الحُبّ. أَنفَسها … وكـنتُ لـولا نـداكِ الجائعَ العاري

مـاذا أقـولُ؟ وددتُ الـبحرَ قـافيتي … والـغيم مـحبرتي.. والأفقَ أشعاري

إنْ سـاءلوكِ فـقولي: كـان يعشقني … بـكلِّ مـا فـيهِ من عُنفٍ.. وإصرار

وكـان يـأوي إلـى قـلبي.. ويسكنه … وكـان يـحمل فـي أضـلاعهِ داري

وإنْ مـضيتُ.. فـقولي: لم يكن بَطَلاً … لـكـنه لم يـقبّل جـبهةَ الـعارِ

وأنـتِ.. يـا بـنت فـجرٍ في تنفّسه … مـا فـي الأنوثة.. من سحرٍ وأسرارِ

مـاذا تـريدين مـني؟ إنَّـني شَبَحٌ … يـهيمُ مـا بـين أغـلالٍ. وأسـوارِ

هذي حديقة عمري في الغروب.. كما … رأيـتِ… مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ

الـطيرُ هَـاجَرَ.. والأغـصانُ شاحبةٌ … والـوردُ أطـرقَ يـبكي عـهد آذارِ

لا تـتبعيني دعيني.. واقرئي كتبي … فـبـين أوراقِـهـا تـلقاكِ أخـباري

وإنْ مـضيتُ.. فـقولي: لم يكن بطلاً … وكان يـمزجُ أطـواراً بـأطوارِ

ويـا بـلاداً نـذرت العمر.. زَهرتَه … لعزّها… دُمتِ… إني حان إبحاري

تـركتُ بـين رمـال الـبيد أغنيتي … وعـند شـاطئكِ المسحورِ. أسماري

إن سـاءلوكِ فـقولي: لـم أبعْ قلمي … ولـم أدنّـس بـسوق الزيف أفكاري

وإن مـضيتُ.. فـقولي: لم يكن بَطَلاً … وكـان طـفلي.. ومحبوبي.. وقيثاري

يـا عـالم الـغيبِ ذنبي أنتَ تعرفُه … وأنـت تـعلمُ إعـلاني.. وإسـراري

وأنتَ أدرى بـإيمانٍ مـننتَ بـه … عـلي.. مـا خـدشته كـل أوزاري

أحـببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي … أيـرتُـجَى الـعفو إلاّ عـند غـفَّارِ؟