تَجَاوَبنَ بالإرنانِ وَالزَّفراتِ – دعبل الخزاعي

تَجَاوَبنَ بالإرنانِ وَالزَّفراتِ … نوائحْ عجمْ اللفظِ ، والنطقاتِ

يخِّبرنَ بالأنفاسِ عن سرِّ أَنفسٍ … أسارى هوى ً ماضٍ وآخر آتِ

فأَسْعَدْنَ أَو أَسْعَفْنَ حَتَّى تَقَوَّضَتْ … صفوفْ الدجى بالفجرِ منهزماتِ

على العرصاتِ الخاليات من المها … سَلامُ شَج صبٍّ على العَرصاتِ

فَعَهْدِي بِهَا خُضرَ المَعاهِدِ، مَأْلفاً … وبالرُّكنِ والتَّعَريفِ والْجَمَرَاتِ

لياليَ يعدين الوصالَ على القلى … ويعدي تدانينا على الغرباتِ

وإذ هنَّ يلحظنَ العيونَ سوافرا … ويسترنَ بالأيدي على الوجناتِ

وإذْ كلَّ يومٍ لي بلحظيَ نشوة ٌ … يبيتُ لها قلبي على نشواتي

فَكَمْ حَسَراتٍ هَاجَهَا بمُحَسِّرٍ … وقوفي يومَ الجمعِ من عرفاتِ

أَلَم تَرَ للأَيَّامِ مَا جَرَّ جَوْرُها … على الناسِ من نقصٍ وطولِ شتاتِ ؟

وَمِن دولِ المُستَهْترينَ، ومَنْ غَدَا … بهمْ طالباً للنورِ في الظلماتِ ؟

فَكَيْفَ؟ ومِن أَنَّى يُطَالِبُ زلفة ً … إلَى اللّهِ بَعْدَ الصَّوْمِ والصَّلَواتِ

سوى حبِّ أبناءِ النبيِّ ورهطهِ … وبغضِ بني الزرقاءِ و العبلاتِ ؟

وهِنْدٍ، وَمَا أَدَّتْ سُميَّة ُ وابنُها … أولو الكفرِ في الاسلامِ والفجراتِ ؟

هُمُ نَقَضُوا عَهْدَ الكِتابِ وفَرْضَهُ … وحُلْمٌ بِلاَ شُورَى ، بِغَيرِ هُدَاة ِ

وَلَم تَكُ إلاَّ مِحْنَة ٌ كَشَفتْهمُ … بدعوى ضلالٍ منْ هنٍ وهناتِ

تُراثٌ بِلا قُربى وَمِلكٌ بِلا هُدىً … وَحُكمٌ بِلا شورى بِغَيرِ هُداةِ

رزايا أرتنا خضرة َ الأفقِ حمرة ً … وردتْ أجاجاً طعمَ كلَّ فراتِ

وَمَا سهَّلَتْ تلكَ المذاهبَ فِيهمُ … على الناس إلاّ بيعة ُ الفلتاتِ

وما نالَ أصحابُ السقيفة ِ إمرة ً … بدعوى تراثٍ ، بل بأمرِ تراتِ

ولو قلَّدُوا المُوصَى إليهِ زِمَامَها … لَزُمَّتْ بمأمونٍ مِن العَثَراتِ

أخا خاتمِ الرسلِ المصفى من القذى … ومفترسَ الأبطال في الغمراتِ

فإِنْ جَحدُوا كانَ الْغَدِيرُ شهيدَهُ … و بدرٌ و أحدٌ شامخُ الهضباتِ

وأيٌ مِن الْقُرآنِ تُتْلَى بِفضلهِ … وإيثاره بالقوتِ في اللزباتِ

وغرُّ خلالٍ أدركتهُ بسبقها … مناقبُ كانتْ فيهِ مؤتنفاتِ

مناقبُ لمْ تدركْ بكيدٍ ولم تنلْ … بشيءٍ سوى حدَّ القنا الذرباتِ

نجيٌ لجبريلَ الأمين وأنتمُ … عكوفٌ على العزي معاً ومناة ِ

بَكَيتُ لِرَسمِ الدارِ مِن عَرَفاتِ … وَأَذرَيتُ دَمَعَ العَينِ في الوَجَناتِ

وَفَكَّ عُرَى صَبْرِي وَهَاجَتْ صَبابَتي … رسومُ ديارٍ قد عفتْ وعراتِ

مَدَارسُ آيَاتٍ خَلَتْ مِن تلاوة ٍ … ومنزلُ وحيٍ مقفرُ العرصاتِ

لِآلِ رَسولِ اللَهِ بِالخَيفِ مِن مِنىً … وَبِالرُكنِ وَالتَعريفِ وَالجَمَراتِ

دِيارُ عليِّ والحُسَيْنِ وجَعفَرٍ … وحَمزة َ والسجَّادِ ذِي الثَّفِناتِ

ديارٌ لعبدِ اللّهِ والْفَضْلِ صَنوِهِ … نجيَّ رسول اللهِ في الخلواتِ

مَنَازِلُ، وَحيُ اللّهِ يَنزِلُ بَيْنَها … عَلَى أَحمدَ المذكُورِ في السُّورَاتِ

منازلُ قومٍ يهتدى بهداهمُ … فَتُؤْمَنُ مِنْهُمْ زَلَّة ُ الْعَثَراتِ

مَنازِلُ كانَتْ للصَّلاَة ِ وَلِلتُّقَى … وللصَّومِ والتطهيرِ والحسناتِ

وأخَّرَ مِن عُمْري بطُولِ حَياتِي … أولئكَ، لا أشياخُ هِندٍ وَترْبِها

ديارٌ عَفاها جَورُ كلِّ مُنابِذٍ … ولمْ تعفُ للأيامِ والسنواتِ

فيا وارثي علمِ النبي وآلهِ … عليكم سلامٌ دائم النفحاتِ

قفا نسألِ الدارَ التي خفَّ أهلها : … متى عهدها بالصومِ والصلواتِ ؟

وَأَيْنَ الأُلَى شَطَّتْ بِهِمْ غَرْبَة ُ النَّوى … أفانينَ في الآفاقِ مفترقاتِ

هُمُ أَهْلُ مِيرَاثِ النبيِّ إذا اعَتزُّوا … وهم خيرُ قادات وخيرُ حماة ِ

مطاعيمُ في الاقتار في كل مشهدِ … لقد شرفوا بالفضلِ والبركاتِ

وما الناسُ إلاَّ حاسدٌ ومكذبٌ … ومضطغنٌ ذو إحنة ٍ وتراتِ

إذا ذكروا قتلى ببدرٍ وخيبرٍ … ويوم حنينٍ أسلبوا العبراتِ

وكيفَ يحبونَ النبيَّ ورهطه … وهمْ تركوا أحشاءهم وغراتِ

لقد لا يَنُوه في المقالِ وأضمروا … قُلُوباً على الأحْقَادِ مُنْطَوِياتِ

فإنْ لَمْ تَكُنْ إِلاَّ بقربَى مُحَمَّدٍ … فهاشمُ أولى منْ هنٍ وهناتِ

سَقى اللَهُ قَبراً بِالمَدينَةِ غَيثَهَ … فَقَد حَلَّ فيهِ الأَمنُ بِالبَرَكاتِ

نَبيّ الهدَى ، صَلَّى عَليهِ مليكُهُ … وَبَلَّغَ عنَّا روحَه التُّحفَاتِ

وصلى عليه اللهُ ماذَ رَّ شارقٌ … ولاحَتْ نُجُومُ اللَّيْلِ مُبتَدراتِ

أفاطمُ لوخلتِ الحسين مجدلاً … وقد ماتَ عطشاناً بشطَّ فراتِ

إذن للطمتِ الخد فاطمُ عندهُ … وأَجْرَيتِ دَمْعَ العَيِنِ فِي الْوَجَناتِ

أفاطمُ قومي يابنة َ الخيرِ واندبي … نُجُومَ سَمَاواتٍ بأَرضِ فَلاَة ِ

قُبورٌ بِكُوفانٍ، وُخرى بِطيبة ٍ … وأخرى بفخِّ نالها صلواتي

وأخرى بأرضٍ الجوزجانِ محلها … وَقَبرٌ بباخمرا، لَدَى الْعَرَمَاتِ

وقبرٌ بِبَغْدَادٍ لِنَفْسٍ زَكيَّة ٍ … تَضَمَّنها الرَّحمن في الغُرُفاتِ

فأما الممضّاتُ التي لستُ بالغاً … مَبالغَها منِّي بكنهِ صِفاتِ

قُبورٌ بِجَنبِ النَهرِ مِن أَرضِ كَربَلا … مُعَرَّسُهُم مِنها بِشَطِّ فُراتِ

توفوا عطاشاً بالعراءِ فليتني … توفيتُ فيهمْ قبلَ حينَ وفاتي

إلى اللّهِ أَشكُو لَوْعَة ً عِنْدَ ذِكرِهِمْ … سقتني بكأسِ الثكلِ والفظعاتِ

أخافُ بأنْ أزدارهمْ فتشوقني … مصارعهمْ بالجزعِ فالنخلاتِ

تَقسَّمَهُمْ رَيْبُ الزَّمَانِ، فَما تَرَى … لَهُمْ عقوة ً مَغْشيَّة َ الْحُجُراتِ

سِوى أَنَّ مِنهمْ بالمَدِينَة ِ عُصبة ً … مدى الدَّهرِ أنضاءً من الأزماتٍ

قَليلة ُ زُوَّارٍ، سِوَى بَعضِ زُوَّرٍ … مَنَ الضَّبْعِ والْعِقبانِ وَالرّخَمَاتِ

لهمْ كلَّ يومِ نومة ٌ بمضاجعٍ … لَهُمْ فِي نَواحِي الأرضِ مُخْتَلِفاتِ

تنكبُ لأواءُ السنينَ جوارهمْ … فلا تصطليهم جمرة ُ الجمراتِ

وقدْ كانَ منهمْ بالحجاز وأهلها … مغاويرُ نحارونَ في السنواتِ

حمى ً لم تزرهُ المذنباتُ وأوجهٌ … تضيء لدى الأستارِ في الظلماتِ

إذا وردوا خيلاً تسعرُ بالقنا … مساعرُ جمرِ الموتِ والغمراتِ

وإنْ فخروا يوماً أتوا بمحمدٍ … وجِبريلَ والفٌرقانِ ذي السُوراتِ

وَعَدُّوا عليّاً ذا المنَاقبِ والعُلا … و فاطمة َ الزهراء خيرَ بناتِ

وحمزِة َ والعَبّاسَ ذا الهَدي والتُقى … و جعفراً الطيار في الحجباتِ

أولئكَ لا أبناءُ هندٍ وتربها … سُميّة َ، مِن نَوكى ومن قذِراتِ

ستُسألُ تَيمٌ عَنهمُ وعديُّها … وبيعتهمْ منْ أفجرِ الفجراتِ

همُ مَنَعُوا الآباءَ عن أخذِ حَقِّهمْ … وهمْ تركوا الأبناءَ رهنَ شتاتِ

وهُمْ عَدَلوها عن وصَيّ مُحَمَّدٍ … فَبيعتُهمْ جاءتْ عَلى الغَدَراتِ

ملامكَ في آلِ النبيَّ فانهمْ … أحبايَ ما عاشوا وأهلُ ثقاتي

تخيرتهمْ رشداً لأمري فانهمْ … على كلَّ حالٍ خيرة ُ الخيراتِ

نَبَذتُ إليهمْ بالموَّدة ِ صادِقاً … وسلَّمتُ نفسي طائِعاً لِولاتي

فياربَّ زدني منْ يقيني بصيرة َ … وزِدْ حُبَّهم يا ربِّ في حَسَناتي

سأبكيهمُ ما حَجَّ لِلّهِ راكبٌ … وما ناحَ قمريٌّ عَلى الشّجَراتِ

بنفسي أنتم منْ كهولٍ وفتية ٍ … لفكَّ عناة ٍ أولحملِ دياتِ

وللخيلِ لم قيدَ الموتُ خطوها … فأَطْلَقْتُمُ مِنهُنَّ بالذَّرِياتِ

أحِبُّ قَصِيَّ الرَّحمِ مِن أجْلِ حُبّكُمْ … وأهجرُ فيكم أسرتي وبناتي

وأَكْتُمُ حُبِّيكمْ مَخافة َ كاشِحٍ … عَنيدٍ لأهلِ الحَقِّ غير مُواتِ

فيا عَينُ بكِّيهمْ، وجُودي بِعْبَرة ٍ … فقدْ آنَ للتسكابِ والهملاتِ

لَقَد خِفتُ في الدُنيا وَأَيّامِ سَعيِها … وَإِنّي لَأَرجو الأَمنَ بَعدَ وَفاتي

ألمْ ترَ أني منْ ثلاثينَ حجة ً … أروحُ وأغدو دائمَ الحسراتِ

أرى فيئهمْ في غيرهمْ متقسماً … وأيديهم من فيئهم صفراتِ

فكيفَ أداوى منْ جوى ً ليَ ، والجوى … أميَّة ُ أَهْلُ الفِسْقِ والتَّبِعاتِ

بناتُ زيادٍ في القصورِ مصونة ٌ … وآل رسول اللهِ في الفلواتِ

سأَبْكيهمُ ما ذَرَّ في الأرْض شَارِقٌ … ونادى منادي الخيرِ بالصلواتِ

وما طلعتْ شمسٌ وحانَ غروبها … وباللَّيلِ أبْكيهمْ، وبالغَدَواتِ

ديارُ رَسولِ اللّهِ أَصْبَحْنَ بَلْقعا … وآل زيادٍ تسكنُ الحجراتِ

وآلُ رسول الله تدمى نحورهمْ … وآلُ زيادٍ ربة ُ الحجلاتِ

وآلُ رسولِ اللهِ تسبى حريمهمْ … وآل زيادٍ أمنو السرباتِ

وآلُ رسولِ اللهِ نحفٌ جسومهمْ … وآلُ زيادٍ غلظُ القصراتِ

إِذَا وُتِروا مَدُّوا إِلَى واتِريهمُ … أَكُفّاً عَن الأَوتارِ مُنْقَبِضَاتِ

فَلَولا الَّذِي أَرجُوه في اليومِ أَو غدٍ … تَقطَّعَ قَلْبي إثْرَهمْ حَسَراتِ

خُروجُ إِمامٍ لا مَحالَة َ خارجٌ … يَقُومُ عَلَى اسمِ اللّهِ وَالْبَرَكاتِ

يُمَيّزُ فينا كلَّ حَقٍّ وباطلٍ … ويُجزِي على النَّعمَاءِ والنَّقِماتِ

فيا نفسُ طيبي ، ثم يا نفسُ أبشري … فَغَيْرُ بَعيدٍ كُلُّ ما هُو آتِ

وَلاَ تَجْزَعي مِنْ مُدَّة ِ الجَوْرِ، إِنَّني … كأني بها قدْ أذنتْ بشتاتِ

فإنْ قَرَّبَ الرحْمنُ مِنْ تِلكَ مُدَّتي … وأخَّر من عمري ليومِ وفاتي

شَفيتُ، ولَم أَتْركْ لِنَفْسي رَزيَّة ً … وَرَوّيتُ مِنهمْ مُنصِلي وَقَناتي

فإِنِّي مِن الرحمنِ أَرْجُو بِحبِّهمْ … حَياة ً لدَى الفِردَوسِ غيرَ بَتاتِ

عسى اللهُ أنْ يرتاحَ للخلقِ إنهُ … إلى كُلِّ قومٍ دَائِمُ اللَّحَظَاتِ

فإنْ قُلتُ عُرْفاً أَنْكَرُوهُ بِمُنكرٍ … وغَطَّوا عَلَى التَّحْقِيقِ بالشُّبَهاتِ

تقاصر نفسي دائماً عنْ جدالهم … كفاني ما ألقي من العبراتِ

أحاولُ نقلَ الشمَّ منْ مستقرِّها … وإسماعَ أحجارٍ من الصلداتِ

فحسبيَ منهمْ أنْ أموتَ بغصة ٍ … تُردَّدُ بَينَ الصَّدْرِ وَاللَّهَوَاتِ

فَمنْ عارِفٍ لَم يَنْتَفِعْ، وَمُعَانِدٍ … يميلُ معَ الأهواءِ والشهواتِ

كأَنَّكَ بالأَضْلاعِ قَدْ ضاقَ رُحْبُها … لما ضمنتْ منْ شدة ِ الزفراتِ