الذكرى – بدر شاكر السياب
أطللت من نافذة الذكريات … على رياض القدم الحالمات
و لي زمان عرضت لي به … أجمل حلم أبدعته الحياة
أركض في أمحائها لاهيا … مع الفراشات بمس النبات
وأسهر الليلة مع جدول … مرتعش للنسم الفاترات
يا لهفي إن وراء الربى … صوتا دعاني هو صوت الرعاة
و كيف آتيك جنان الهوى … يوما ودوني حجب مانعات
دعا صباباتي لضفاته … غدير ذكرى مائج الأمنيات
حدقت في أمواجه ساعة … مستطلعا أغواره المبهمات
أرى ظلال السحب تقبيله … مرت على جبهته في أناة
و السحب هل أنكرتها إنها … كانت نهيرا شاعري اللهاة
ملء فروع الدوح ألحانه … سكرى على قرع كؤوس الحصاو
نمنا على أعشاب ضفاته … مختلسين القبل المسكرات
نحو الغدير العذب مدت يدي … تلمس فيه السحب العائمات
فانفجرت منها فقاعاته … في إثر أتراب لها سابقات
إني سمعت الحور في همسة … مسحورة أصداؤها عاتبات
تلك عقود الحور بعثرتها … فهل أتتك المتع الذاهبات
و صرخة الأطفال من غوره … يا أيها القاسي فجرت الكرات
ودوحة الذكرى تسلقتها … مجتذبا أغصانها المزهرات
مستقصيا ما بينها فجوة … تمر منها النسم الهائمات
أبصرت منها ذكريات الصبا … على نجيل المرج مستلقيات
و البحر يسعى دونها زافرا … فالموج آهات حطمن الصفاة
يا مرج هل تذكرني راعيا … أعبد فيك الله و الراعيات
و البحر ما كان سوى جدول … ينير في الليل سبيل الرعاة
فما دهاه اليوم حتى غدا … ملحا أجاجا بعد عذب فرات
أحقبة نضجر من طولها … و إنها طرفة عين الحياة
قالت الدوحة لا تبتئس … ستهبط المرج ففيم الشاكاة
هاك جناحين فطر وائته … و استوح فيه المتع الطارئات
و قدمت بين دموع الندى … فرعين من أغصانها المورقات
غنى الخريف الغاب ألحانه … فانتثرت أوراقه راقصات
وقبل أن أدرك ما أبتغي … ذوي جناحاي مع الذاويات