أَلْغَرْسُ غَرْسُكَ أَيُّهَا البُسْتَانِي – خليل مطران
أَلْغَرْسُ غَرْسُكَ أَيُّهَا البُسْتَانِي … فَانْظُرْ إلى الثَّمَرَاتِ وَالأَغْصَانِ
أيُّ الرِّيَاضِ كَرَوْضَةٍ أَنْشَأْتَهَا … فِيهَا قُطُوفٌ لِلنُّهَى وَمجَانِي
عِلْمُ وَأَخْلاَقٌ وَحُسْنُ شَمَائِلٍ … مِنْ فَاكِهةٍ بِهَا زَوْجَانِ
نَبَتَتْ نَبَاتاً صَالِحاً وَتَنَوَّعَتْ … زِينَاتُهَا مِنْ حِكْمَةٍ وَبَيانِ
يَا خَيْرَ مَنْ رَبَّى فَأَتْحَفَ قَوْمَهُ … بِنَوَابِغِ الأَدَابِ وَالعِرْفَانِ
أَحْسَنْتَ فِي آنٍ إلى هَذّا الْحِمَى … وَإلى سِوَاهُ نِهَايَةَ الإحْسَانِ
أَلحِكْمَةُ الزَّهْرَاءُ شَادَاتْ مَعْهَداً … مَا زِلْتَ فِيهِ أَثْبَتَ الأرْكَانِ
وَمِنَ الأُولَى مَرُّوا بِظِلِّكَ أَخْرَجَتْ … نُخَباً يُشَارُ إلَيِهِمُ بِبَنَانِ
فِتْيَانُهَا فِي الْعَالَمِ العَرَبِيِّ هُمْ … فَخْرُ الشَّبَابِ وَزِينَةُ الْفِتْيَانِ
أَلْبَطْرِكِيًّةُ فِي زَمَانِكَ نَافَسَتْ … مِنْ عَهْدِهَا المَشْهُورِ خَيْرَ زَمَانِ
وَبَنُوكَ فِيهَا ذَاكِرُوا أُستَاذِهِمْ … بِالخَيْرِ فِي الإسُرَارِ وَالإعْلاَنِ
مَا أَجْمَلَ الأَثَرَ الَّذِي خَلَّفْتَهُ … فِيهَا وَأَبْقَاهُ عَلَى الْحِدْثَانِ
حَسْبِي فَخَاراً أَنَّهَا بِإِنَابَتِي … عَنْهَا تُؤْدِّي شُكْرَهَا بِلِسَانِي
لِلْغَرْبِ فِي هَذِي الدِّيَارِ مَدَارِسٌ … فَازَتْ بِخَطّ مِنْ جَنَاكَ الدَّانِي
فَرَدَدْتَ فِي طُلاَّبِهَا مَلَكَاتِهِمْ … عَرَبِيَّةً خَلَصَتْ مِنَ الأدْرَانِ
آلاَفُ شُبَّانِ أفَادُوا بِالَّذِي … لَقَّنْتَ آلاَفاً مِنَ الشُّبَّانِ
وَبِبعْضِ مَا أًسْدَيْتَ عظَّ مَقَامُهُمْ … فِيمَا نَأَى وَدَنَا مِنَ البُلْدَانِ
مِنْ سَفْحِ لُبْنَانٍ تَعَالَى صَوْتُهُمْ … وَصَدَاهُ فِيمَا رَدَّدَ الْهَرَمَانِ
فِي عُودِ دَوُدَ الَّذِي خَلَبَ النُّهَى … مَا فِيهِ مِنْ ذَاكَ الصَّدَى الرَّنَّانِ
مَا زِلْتَ مِنْ خَمْسِينَ عَاماً بَانِياً … لِلضَّادِ مَا لَمْ يَبْنِ قَبْلَكَ بَانِي
فَإذَا نَظَمْتَ فَأَنْتَ أَوَّلُ شَاعِرٍ … وَإذَا نَثَرْتَ فَأيْنَ مِنْكَ الثَّانِي
صُغْتَ الُقَرِيضَ وَمَنْ يَصُوغُ فَرِيدَهُ … إلاَّكَ صَوْغَ قَلاَئِدِ الْعِقْبَانِ
لَفْظٌ إِلَى حُسْنِ الْبَدَاوَةِ جَامِعٌ … مَا لِلْحَضَارَةِ مِنْ جَدِيدِ مَعَانِي
مُتَرَقْرِقُ المَجْرَى تَرَقْرُقَ جَدْوَلٍ … مُتَمَاسِكُ الأَجْزَاءِ كَالْبُنْيَانِ
نَثْرٌ مِنَ الجَزْلِ الَّذِي أَسْلُوبُهُ … يَلِجُ النُّفُوسَ بِغَيْرِ مَا اسْتِئْذَانِ
وَيَذُودُ مَنْ جَارَاكَ عَنْ غَاياتِهِ … بِبُلُوغِهِ الْغَايَاتِ فِي الإِتْقَانِ
لِلْعِلْمِ لُحْمَتُهُ وَلِلْفَنِّ السَّدَي … فَاظْنُنْ بِوَشْيٍ فِيهِ يَلْتَقِيَانِ
فِيهِ الرَّصَانَةُ وَالمَتَانَةُ تَزْدَهِي … بِهِمَا الْحِلَى وَبِهِنَّ تَزْدَهِيَانِ
أَمَّا اللِسَان فَانتَ فِي النَّفَرِ الأُولَى … نَصَرُوهُ حَتَّى بَزَّ كُلَّ لِسَانِ
فَإِذَا الْعُلَى عَدَّتْ فَوَارِسَ شَوْطِهِ … عَدَّتْكَ فِيهِ أَوَّلَ الْفُرْسَانِ
للهِ مُعْجَمُكَ الَّذِي أَخْرَجْتَهُ … مُسْتَكْمِلَ التَّفْصِيلِ وَالتِّبْيَانِ
يُصْطَادُ أَغْلَى الدُّرِّ مِنْ قَامُوسِهِ … وَمَنَالُهُ مِنْ أَقْرَبِ الشُّطْآنِ
قَيَّدْتَ فِيهِ أَوَابِدَ الْفُصْحَى بما … فَاتَ الأُولَى سَبَقُوا مِنَ الأَقْرَانِ
وَنَهَجْتَ لِلطُّلاَّبِ نَهْجاً وَاضِحاً … يُدْنِي أَقَاصِيَهَا إِلَى الأَذْهَانِ
حَيَّاكَ رَبُّكَ مِنْ أِمَامٍ مُعْجِزٍ … فِي عَبْقَرِيَّتِهِ وَمِنْ إِنْسَانِ
مُتَبَتِّلٍ لِلْعِلْمِ مَشْغُولٍ بِهِ … عَنْ رَشْفِ كَاسَاتٍ وَعِشْقِ غَوَانِ
سَمْحِ المُحَيَّا وَالضَّمِيرِ سِرَارُهُ … كَجِهَارِهِ مِمَّا تَرَى العَيْنَانِ
فَكِهِ الْحَدِيثِ وَإِنْ أَقَلَّ مَكَانُهُ … مُتَفَقَّدٌ فِي مَجْلِسِ الإِخْوَانِ
لَمْ يَلْتَمِسْ فِي الْعَيْشِ إِلاَّ غَايَةً … تُرْضِي الإِبَاءَ وَطَاهِرِ الْوِجْدَانِ
يَا أَيُّهَا العَلاَّمَةُ الْعَلَمُ الَّذِي … يَدْرِي مَكَانَتَهُ بَنُو عَدْنَانِ
هَذِي إِلَيْكَ تَوافَدَتْ … تَلْقَاكَ مِنْ مُتَعَدِّدِ الأَوْطَانِ
تُهْدِي تَهَانِئَهَا وَفَضْلُكَ عِنْدَهَا … مَا لا يُوَفَّى حَقُّهُ بِتَهَانِي
حَمَلَ التَّحِيَّةَ شَيْخُهَا وَتَضَاعَفَتْ … بَرَكَاتُهَا بتَحِيَّةِ المُطْرَانِ