أَكَذَا نِهَايَةُ ذَلِكَ الْجُهْدِ – خليل مطران

أَكَذَا نِهَايَةُ ذَلِكَ الْجُهْدِ … أَكَذَا خِتَامُ السَّعْيِ وَالْجِدِّ

أَكَذَا المَآثِرُ فِي نَتَائِجِهَا … أَكَذَا المَفَاخِرُ آخِرَ العَهْدِ

يَعْرُوكَ دَاءٌ لاَ تُقَاوِمُهُ … وَتَصِيرُ مِنْ غَدهِ إِلى اللَّحْدِ

مُتَلاَشِيَ الأَنْفَاسِ فِي نَفَسٍ … مُتَوَارِياً كَالطَّيْفِ عَنْ بُعْد

لاَ عَزْمَ يَدْفَعُ مَا دَهَاكَ وَلاَ … صَوْتٌ عَلَى عَادِيكَ يَسْتَعْدي

إِنَّ الْحُسَامَ وَقَدْ نَضَتْهُ يَدٌ … لَيَصِلُّ مَرْدُوداً إِلى الغِمْدِ

إِنَّ النَّسِيمَ قُبَيْلَ سَكْنَتهِ … لَيَعِجُّ بَيْنَ الْبَانِ وَالرَّنْدِ

إِنَّ السحَابَ لَدَى تَبَدُّدِه … لَيَبِيدُ بَيْنَ الْبَرْقِ وَالرَّعْدِ

أَبِلاَ مُبَالاَةٍ ولاَ أَسَفٍ … وَبِلاَ مُجَافَاةٍ وَلاَ صَدِّ

أَسْلَمْتَ رَوْحَكَ وَهْيَ هَادئَةٌ … لِيُقِلَّهَا نُورٌ إِلى الخُلْد

وَتَرَكْتَ لِلاْحْيَاءِ إِنْ قَدَرْوا … أَنْ يَثْأَرُوا مِنْ خَطبِك المُرْدِي

مَوْتٌ كَمَوْتِ الطَّاعِنِينَ وَقَدْ … مَضَتِ السِّنُونَ بِهِمْ إِلَى الْحَدِّ

مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنْ تَقَرَّ بِلاَ … شُغُلٍ يَنُوطُ الْجَفْنَ بِالسُّهْدِ

ما كنْت أَحْسَب أَنْ تَبِيتَ بِلاَ … أَمَلٍ تُؤَمِّلُه وَلاَ قَصْدِ

لَكِنْ جَهِلْنَا مِنْكَ أَنَّكَ لَمْ … تَكُ صَاخِباً فِي مبْتَغَى مَجْدِ

جزْتَ الْجِهَادَ تُرِيد جَوْهَرَه … وَبَلَغْتَ عَنْ عَرَضِ مَدَى الْحَمْدِ

فَلَئِنْ رَقَدْتَ لَقَدْ سَنَنْتَ هُدىً … لِبَنِيكَ مِنْ شِيبٍ وَمِنْ مُرْدِ

أَخَذُوا السَّجِيَّةَ عَنْكَ طَاهِرَةً … وَنَبَوْا كَمَا تَنْبُو عَنِ الإِدِّ

وَتَعَدَّدُوا صُوَراً مُجَزَّأَةً … عَنْ كَامِلٍ مُتَعَدِّدٍ فَرْدِ

يَتَذَكَّرُونَ إِمَامَهُمْ عُمَراً … أَيَّامَ كَانَ فَرِيدَةَ الْعِقْدِ

ذِكْرَى اسْتَدَامَتْهَا النُّفُوسُ فَمَا … فِي الدَّهْرِ مِنْ قَبْلٍ وَلاَ بَعْدِ

مَقْرُونَةً بِتجِلَّةٍ وَهَوىً … أَخَذاً مَزِيدَهُمَا مِنَ الْوَجْدِ

أَيْ فَاقِديهِ لَقَدْ تَكَاثَرَ مَا … جَمَعَتْ رَزَايَا الدَّهْرِ فِي فَقْدِ

كَمْ كَانَ فِي الشِّيَمِ الَّتِي ذَهَبَتْ … بِوَفَاتهِ كَنْزٌ لِذِي وُدِّ

حَقَّقْتُ تَحْقِيقاً مُرُوءَتَهُ … وَإِخَاءَهُ بِيَد لَه عَنْدي

مَا كَانَ أَوْدَعَهُ وَأَرْفَعَهُ … نَعْساً وَأَنْزَعَهُ عَنِ الحِقْدِ

مَا كَانَ أَرْفَقَهُ عَلَى نَزَقٍ … وَأَشَدَّ صَوْلَتَهُ عَلَى النِّدِ

مَا كَانَ أَسْمَحَهُ بِمَأْثُرَةٍ … تُسْدَى وَأَفْرَحَهُ بِمَا يُسْدِي

يَلْقَاكَ وَهْوَ مُحَاسِنٌ أَبَداً … أَنَّى تَكُنْ وَيَسُرُّ مَا يُبْدِي

يَسْقِيكَ عَذْباً مِنْ تَجَارِبِهِ … مَا ذَاقَ مِنْهُ الصَّابَ فِي الْوِرْدِ

يُفْتِيكَ عَنْ عِلْمٍ وَيَسْتُرُهُ … بِشَبِيهِ الاِسْتِفْهَامِ فِي الرَّدِّ

يَرْعَى الْحُقُوقَ كَمَا يُعَلِّمُهَا … بِخُلُوصِ وَافى الرَّأْيِ مُسْتَدِّ

كَمْ مَوْقِفٍ نَصَرَ الضَّعِيفَ بِهِ … وَغَرِيمُهُ أَضْرَى مِنَ الأُسْدِ

يَحْمِي شَرِيعَتَهُ بِأبْلَغِ مَا … يُوحِي تَنَزُّهُهَا عَنِ النَّقْدِ

مُسْتَكْشِفاً أَسْرَارَ حِكْمَتِهَا … فِي أَمْرِهَا وَالنَّهْيِ وَالْحَدِ

مَهْمَا تَسُمْهُ إِفَادَةً سَنَحَتْ … لِبِلاَدِهِ لَمْ يَأْلُ عَنْ جُهْدِ

يَكْتُبْ وَيَخطبْ غَيْرَ مُدخِرٍ … رَمَقاً بِوَاهِي الْعَزْمِ مُنْهَد

هَذِي فَضَائِلُهُ وَيَكْثُرُ مَا … أَخْطَأْتُهُ مِنْهُنَّ فِي الْعَدِّ

وَأَجَلُّهُنَّ بِلاَ مُنَازَعَةٍ … ذَاكَ الْوَفَاءُ لِمِصْرَ بِالْعَهْدِ

ذَاكَ التَّغَالِي يَسْتَمِيتُ بِهِ … لِيُقِيلَ شَعْباً عَاثِرَ الْجَد

أُسْتَاذَنَا زَوِّدْ مَسَامِعَنَا … دَرْسَ الْوَدَاعِ هُدىً لِمُسْتَهْدِ

إِنِّي لأُدْرِكُ مَا تُعِيدُ عَلَى … أَرْوَاحِنَا وَأُحِسُّ مَا تُبْدِي

سَمْعاً لِقَوْلٍ أَنْتَ قَائِلُهُ … مِنْ حَيْثُ بِتَّ بِعَالَمِ الرُّشْدِ

طَوْعاً لِمَا بَلَّغْتَنا وَبِهِ … لُبُّ الصَّوَابِ وَغَايَةُ الْقَصْدِ

لَيْسَ الْحِمَام مَنْ يُكَافِحُ فِي … إِسْعَادِ أُمَّتِهِ سِوَى وَعَدِ

مَوْتُ المُجَاهِدِ لاَ بِه … كَسِوَاهُ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ أُدِّي

فَتَعَلَّمُوا ثُمَّ اعْمَلُوا وَثِقُوا … أَنَّ الْحَيَاةَ بِقَدْرِ مَا تُجْدِي

وَالدَّهْرُ أَجْمَعُ دُونَ ثَانِيَةٍ … يَفْدِي بِهَا الأوْطَانَ مَنْ يَفْدِي