أمة الدهر – غازي القصيبي

إلى الصديق الشاعر محمد حسن فقي

وحيدا.. مع الحمى و طيفك و الشعر

أسأل عمري كيف بعثرت يا عمري

تمر بي الأيام يشبه فجرها

دجاها.. و لم أنعم بليل و لا فجر

أعلل بالأوهام نفسي كما شكا

إلى الال عبر القفر ظام على القفر

و أحسو من الآمال كأسا خمارها

يدب بقلب لم يذق نشوة الخمر

أمن عاصف يا قلب نمضي لعاصف

ألم يسأم البحار زمجرة البحر؟

و من موقف باك على أذرع اللقا

إلى موقف دام على راحة الهجر

و من وقع سيف نام بين أضالعي

إلى وقع رمح راح يوغل في ظهري

ألا فامنحيني هدأة.. رب هدأة

ترد شتيتا من ظنوني و من فكري

أسلماي.. يا بدرا لمحت بريقه

على أفق ما كان يأنس بالبدر

خذي من عيوني قصتي و ملامحي

و كيف ذرعت اليأس أحلم بالنصر

و كيف صحبت الناس حتى عرفتهم

فعدت جريح العين و اليد و الصدر

و كيف منحت المجد روحي فباعها

فعدت بلا روح أعض على العشر

أسماي.. لو أعطاني الدهر مهجتي

و هبكتها.. لكنها أمة الدهر

يظل بها يلهو.. أأبصرت بلبلا

جريحا يغني و هو في قبضة الصقر؟

يعللها بالفقر حينا و بالغنى

و يخدعها بالشعر طورا و بالنثر

أأعطيك آلامي.. أأعطيك غصتي؟

أأعطيك روضا صامتا واجم الزهر

أعيذك من حب شقي و من هوى

كسيح و من شوق تلفع بالذعر

يطالع غيري في عيونك أنجما

و ألمح فيها الليل سترا على ستر

يغنيك غيري كل لحن محبب

و أشدو فما أشدو سوى النوح في ثغري

و يهديك غيري الدر.. يا ويح شاعر

يقول: خذي مني قصائد كالدر

أسلماي.. لا تلقي فؤادك في يدي

أخاف عليه و هو طفل من الكسر

و لا تسفحي الدمع الثمين على آمرئ

تعلم أن الدمع ضرب من المكر

أحب فجازته الخلائق بالأسى

وفى فأجابته الخلائق بالغدر

إذا قال: أهوى كذبته تجارب

مخضية بالحزن و الألم المر

دعيه لدنياه فقد ألف الشقا

و أدمن طول السير في المهمه الوعر

كأن الليالي أقسمت لا تذيقه

سلاما ولا أملا سوى في دجى القبر

جدة:

1977م

1397هـ